مقالات دينية

أسبوع الآلام وساعة القبض على يسوع

الكاتب: وردااسحاق
أسبوع الآلام وساعة القبض على المسيح
بقلم/ وردا أسحاق عيسى
وندزر – كندا

 
 
أحداث أسبوع الآلام مهمة جداً في أيماننا بيسوع المصلوب من أجلنا ، مقارنةً بكل مسيرته في السنين الثلاثة الأخيرة . وأهمية أحداث الأسبوع الأخير وضحوها كتبة الأناجيل الأربعة في الأصحاحات الأخيرة فأحتلت أخبارها كتابات مطولة وتفصيلية سردوا فيها تلك الأحداث خطوة خطوة حتى القيامة . كل شىء كان يسير بدقة ، ولكل مرحلة ساعتها وكأن أيام الأسبوع الأخير كانت تمر حسب منهاج دقيق ومبرمج . هذه الأحداث لم يفهما أحد ، وحتى الرسل ( لو 34:18) لأن هذه الأسرار كانت مخفية عن الجميع وإن كانوا الرسل يشكّون بأقوال المسيح ، أو يقتربون من فهم تلك الأسرار لكنهم كانوا يخافون أن يسألوه ليتأكدوا ( مر 32:4 ) . إن عدم فهم الرسل لأحداث الأسبوع الأخير يعبر عن الغموض الذي كان يكتنف التدبير الألهي منذ سقوط الأنسان الأول حتى الصلب . والنبوات عن كل حدث كانت على شكل رموز وأشارات لم يكن الأنسان يعرف بدقة عن غاية فكر الله في خطة خلاص البشر ، وحتى وإن قرأوا أو سمعوا أو شاهدوا الحدث . لهذا قال الرب  (تسمعون سماعاً ولا تفهمون وتنظرون نظراً ولا تبصرون…).”  مت 13“
 
رغم أن المسيح في الأسبوع الأخير لم يتكلم بالأمثال أو بغموض لكن أيضاً الرسل لم يفهموا المقصود كأن الزمان يتكثّف في أيام الأسبوع الأخير ليُعَبّر عن حال البشر قبل الصلب ، أنه أيضاً أسبوع اللافهم وعدم الأدراك لمقاصد الله التي لم يدركها الأنسان قبل الصلب . وهكذا نُعَبر عن هذه الحالة البشرية الجاهلة والساقطة التي لا نستطيع أن تدرك الأسرار السماوية بقدرتها الذاتية ، لهذا تحتاج الى نور السماء المقدس لكي يفهم الأنسان قصد الله وتدبيره في خطة خلاص البشر. أجل ظل الرسل والتلاميذ يعيشون في اليأس والحيرة والضعف حتى بعد القيامة فاعترفوا بجهلهم ، وكما هو واضح من هذه الآية ( ونحن كنا نرجوا أنه هو المزمع أن يفدي أسرائيل ) ” لو 21:24″ . المسيح القائم هو الذي نورهم لكي يؤمنوا ويعترفوا بقيامته ولاهوته قائلين على لسان توما ( ربي وألهي ) . أما البشرية اليوم فأيضاً تعيش في ظلام دامس ، ظلام الجهل وعدم المعرفة طالما حجبت نفسها عن نور قيامة المسيح والأعتراف بلاهوته ومجده . ولعدم أعترافهم بلاهوت المسيح وإيمانهم بتجسده وموته وقيامته سيبقون يعيشون كما عاشوا الرسل قبل القيامة . فالأيمان هو سر الفهم والأدراك ، كما يقول الكتاب في ” عب 3:11″ ( بالأيمان نفهم ) .وهكذا لم يفهم معلموا الشريعة وقادة السنهدرين شيئاً عن المسيح رغم تعليمه ومعجزاته وقدراته التي كانت تفوق الوصف لهذا قرروا بالأجماع تصفيته ، وخاصةً بعد أن أقام لعازر من بين الأموات . قال رئيس الكهنة :
 
 (وَلاَ تُفَكِّرُونَ أَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ وَلاَ تَهْلِكَ الأُمَّةُ كُلُّهَا! ) ” يو 50:11″ .
 
بعد أتفاق الكهنة مع يهودا بن سمعان الأسخريوطي الذي باع سيده بقليل من الفضة أرسلوا الجند ومعهم الدليل الخائن لكي يلقوا القبض على المسيح الذي كان يصلي في البستان والرسل نائمين خلفه في تلك الساعة لأنهم لم يفهموا السر رغم قول الرب لهم ، أسهروا وصلوا لكي لا تدخلوا التجربة .
 
دَوَنَت لنا الأناجيل وقت القبض على المسيح لما قال الجند إنهم يطلبون يسوع الناصري ، فقال لهم يسوع ( أنا هو ) ولما قال ( أني أنا هو ) رجعوا الى الوراء وسقطوا على الأرض ” يو 18: 4-6″ فلماذا سألوه ! علماً بأن لهم الدليل الذي عرفهم عليه بقبلة الخيانة وحسب إتفاق مسبق ؟ الجواب لأنهم كانوا يتخبطون بين الجهل وعدم المعرفة ، أضافة الى خوفهم من رهبته وشخصيته القوية التي كانت تتحدى قادتهم في الهيكل . عندما سمعوا رد الرب ( أنا هو ) سقطوا على الأرض علماً بأن الرب كان مسالماً ووديعاً ومتواضعاً . كان يسوع لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد صوته في الشوارع كما وصف هذه الصفاة الرسول متى في ( 9:12) لكن هيبته كانت مخيفة وكلامه كان أكبر من عمره دائماً ، لهذا لما قال لليهود ( أبوكم ابراهيم رأى يومي ففرح ) قالوا له ( ليس لك خمسون سنة بعد …أفرأيت أبراهيم ) ” يو 8: 56،57 “ولماذا ظنوه أبن الخمسين سنة علماً بأن عمره آنذاك لم يتجاوز الثالثة والثلاثون ؟ السبب هو تعليمه وحكمته وهيبته وشخصيته القوية فكانوا يظنون أن عمره بالجسد هو أكبر من حقيقته أضافة الى جرأته وصلابته وتحديه لقادتهم لهذه الأسباب سقط الجنود أمامه كالموتى علماً أنهم مسلحون جاءوا للقبض عليه .
 
لم يفكروا بأن المسيح سيصمد أمامهم بهذه الجرأة ، بل ظنوا أنه سيهرب أو يقاوم أو يهاب منهم . لكنه كرر لهم مرتان ( أنا هو ) ، هذا هو السبب الذي أربكهم ، بل أخافهم فسقطوا على الأرض . إذا كان يسوع قبل تلك الساعة يطلب من الآب بأن يبعد عنه الكأس ، الآن أصبح قوياً ومستعداً لكي يشرب كأس الآلام بكل قوة وشجاعة بسبب محبته الفائقة لخلاص البشر . فإذا كانوا قادة اليهود يسعون الى سفك دمه الطاهر فأنه هو الآخر يريد أن يقدم ذلك الدم الزكي للآب لكي يدفع ثمن الخطيئة فيتحرر الأنسان ، أنه قمة الحب والتضحية . هذا العمل يحتاج الى شجاعة فائقة ومحبة حقيقية وجرأة لكي يتحدى خطط الأبليس الذي أحتار بأمره ، أراد أولاً أن يصلب ، فشعر بالخطأ  لهذا طلب منه وهو على الصليب أن ينزل منه . وهكذا شعر المجرب بضعفه وفشله ، أما المسيح المصلوب فكان قوياً جداً وصامداً على الصليب لهذا لم يرد عليه لكي يموت فيكسر آخر سلاح العدو وهو الموت ، فبموته يموت الموت ويكسر شوكته ، الموت كان أقوى سلاح يمتلكه الأبليس ضد البشر .
 
كما أثبت المسيح في ساعة القبض عليه بأنه أراد أن يسلم نفسه لهم طوعاً وبأرادته القوية لا ضعفاً منه وقد تنبأ للرسل في العشاء عن هذه الساعة وكيف ستجري ومن يسلمه وكيف سينكره الجميع لكي يعصر المعصرة بوحده . نعم هو الذي سلّمَ ذاته بأرادته . كما قال ( أني أضع نفسي لآخذها أيضاً ، ليس أحد يأخذها مني ، بل أضعها أنا من ذاتي . لي سلطان أن أضعها . ولي سلطان أن آخذها أيضاً ) ” يو 10: 17-18″ هو الذي ذهب الى المكان الذي كان يعرفه يهودا الخائن ، والمسيح يعرف بأنه سيقود الجنود الى ذات المكان ويقبضون عليه فيه ، لكن رغم ذلك تقدم أليهم بكل ثبات ، قائلاً ( أنا هو ) .
 
مبارك الرب في محبته اللامحدودة للبشر . وفي موته الذي بسببه رفع عنا حكم الموت .
 ..

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!