مقالات دينية

معرفة الله والمعرفة عن الله الجزء الثاني

الكاتب: مشرف المنتدى الديني

 

 

معرفة الله والمعرفة عن الله

 
الجزء الثاني
نافع الرواري
هذا الشعب يُكرِّمني بشفتيهِ, وأمّا قلبه فبعيدٌ عنّي. وهو باطلا يَعبُدني بتعاليم وضعها البشرُ”متى 15:8,9″ .
 الشعب اليهودي وكذلك الكثيرون من القادة الدينيين في زمن اشعيا وفي زمن يسوع المسيح (وكما في زماننا ايضا) كانوا يدَّعون أنهم يكرّمون الله ويعبدونه ويتصرفون دينيا كما لو أنّهم يُطبّقون الفرائض والواجبات الدينية (حرفيا) ولكن كانت قلوبهم بعيدة عن الله, فالعبادة عندما تصبح عبادة خارجية وروتينية بلا حقيقة فهذا يعني أنّ ألأنسان قد أبتعد عن معرفة الله ولم تصبح العبادة لله سوى تقليد يمارسه ألأنسان كما مارسه ابائه وأجداده. هكذا خاطب الرب يسوع المسيح الفريسيين ورجال الدين في أيّامه وكشف ريائهم. فالعبادة الخالية من المحبة والتكريس لله هي عبادة بعيدة عن طاعة الله بأمانة واخلاص.
يقول كاتب سفر الأمثال”من وجدني (أي عرف الله) وجد الحياة ونال رضى من الربّ “أمثال 8:35” .
المسيحية تؤمن أنّ الله يكشف حقيقته للساعين الى معرفته مهما كانت خلفياتهم الأجتماعية والدينية, فليس هناك حواجز بين ألأنسان المشتاق الى معرفة الله عندما يطلب هذا ألأنسان الله بكل تواضع وتوبة وخشوع وروح منكسرة وارادة حقيقية, لأنَّ “الله يريد جميع الناس يخلصون والى معرفة الحق يأتون”, بينما يعتقد الكثير من الناس وبعض المعتقدات و الديانات ألأخرى أنّ الله يكشف نفسه فقط للمتبحرين في العلوم والمعارف فهم  نخبة قليلة وأمّا الباقين من الناس فما عليهم الاّ أن يؤمنوا بما تؤمن به هذه النخبة ويطبّق ما يقولونه لهُ أو ما يفتون بهِ, لكن يسوع المسيح يقول لتلاميذه “البسطاء “أنتم (اي التلاميذ) أُعطيتُم أن تعرفوا أسرار ملكوت السماوات , وأمّا هم (أي الذين لايؤمنون بالمسيح) فما أُعطوا”متى 13:10″ فلا نستطيع بالعقل وحده أن نأتي الى الله بل بالأيمان الذي ينور العقل ليكون في خدمة هذا الأيمان .

كان المعلّمون الكذبة في كنيسة كولوسي يعتقدون أنَّ الكمال الروحي“سر” وتدبيره مخبوء لا يستطيع أن يعرفه الآّ القليلون من المحظوظين, أي أنَّه ليس للجميع, ويسمّي الرسول بولس تدبير الله “سرَّا” ليس بمعنى أنّ القليلين فقط هم الذين يستطيعون فهمه (كما يدَّعي الغنوصيين أصحاب المعرفة السريَة), بل لأنَّه ظلّ هذا السر مخبوءاً الى مجيء المسيح, ومن كان يستطيع أن يتصوّر أنَّ تدبير الله السرِّي هو أن يجعل ابنه يسوع المسيح يحيا في قلوب كلِّ الذين يؤمنون به؟ وبعبارة أخرى السر ينكشف (بعد أن كان مخبوءا) لكُلِّ انسان يؤمن بيسوع المسيح وليس لفئة من الناس, ولكن اذا رفضه الناس فهو لا يكشف سرَّه لهم الآ للذين يعترفوا به كمخلّص وابن الله (راجع كولوسي 1:26,27″) .
ويقول بولس الرسول”..الا أنَّ الله أختار ما يعتبره العالم حماقة ليُخزي الحكماء”1كورنثوس 1:27″ , نعم اليوم ايضا الملايين يريدون أن يصدِّق الله على افكارهم وخططهم بدل أن يطلبوا نعمة الله ومشيئته في حياتهم, فمعرفة الله وحكمته أعظم جدا من معرفة وحكمة الأنسان “ولأنّهم (أي الناس الذين لهم حكمة هذا العالم) رفضوا أن يحتفظوا بمعرفة الله, أسلمهم الى فساد عقولهم يقودهم الى كُلِّ عمل شائن”روميا1:28″ .
قد نعرف أنّ الله موجود (بالعقل) ولكن فكرتنا عنه قد تكون خاطئة (يوحنا 12:16) .
فالأيمان ليس ما تعرف بل من تعرف, ومعرفة المسيح هي معرفة الله وهذه المعرفة تتم من خلال التأمل والأصغاء لكلمة الله أي الكتاب المقدس”الحكمة كُلُّها في كتاب العهد الذي قطعه الله العُلّي معنا “يشوع بن سيراخ24:23” فالكتاب المقدس ليس كتاب جمع معلومات نضيفها الى معلوماتنا السابقة بل فيها قوّة (الروح القدس) مغيَّرة لنفوسنا وسلوكنا وطريقة  تفكيرنا وعيشنا في هذا العالم, فقد ندرك أنّ الله موجود وأنّه يصنع عجائب مدهشة, لكن الله لن يُغيِّرنا حتى نعترف به سيدا وربّا لحياتنا, فعندما سأل يسوع المسيح تلاميذه ماذا تقولون عني؟ من أنا؟ فأجاب واحدٌ منهم فقط وهو سمعان بطرس قائلا “أنت المسيح أبن الله الحي” في حين أنَّ بقية التلاميذ, وبالرغم من المعجزات التي صنعها الرب أمامهم لم يعرفوا حقيقة الرب يسوع المسيح , لأنّهم كانوا لا يزالون يفكِّرون عقليا ومنطقيا ولم يطلبوا الروح القدس ليكشف لهم حقيقة كون الرب يسوع هو أبن الله الحي, ولكن بعد حلول الروح القدس عليهم في يوم العنصرة تغيّروا وأصبحت لديهم قناعة تامة بيسوع المسيح ربا والها, وها هُم ( بعدما كانوا ناس بسطاء وشكّاكين) يقلبون العالم رأسا على عقب ويقلبون موازين هذا العالم (ليس بالسيف بل بقوّة الكلمة), لأنهم أمتلئوا من الروح القدس الذي منحهم قوّة لا تُقهر (أعمال 2) .

فالمعرفة يجب أن توجِّه الحياة, لقد اثبت الرسول بولس أنَّ المعرفة في حد ذاتها فارغة, ولكي تصبح لها قيمة, يجب أن تؤدي الى تغيير في الحياة والعيشة باستقامة والنمو في معرفة الله “اكولوسي1:10” لأنّ الذي يقيم علاقة مع الرب يسوع المسيح تتغير حياته الى الأبد فيصبح انسانا جديدا وخليقة جديدة بالولادة الثانية (الولادة الروحية), (وليس كما يقول المثل أن يبدا ألأنسان بصفحة جديدة نحو ألأفضل ), عندها يتغيَّر  فيها هدف ألحياة للأنسان, فيفكر ليس لأرضاء نفسه بل يعيش من أجل خدمة الله ومحبّته ومحبة الآخرين من أخوته والعمل بما يريده الله منه (لتكن مشيئتكَ يارب). ما يتميّز المسيحي الحقيقي عن الآخرين هو أنَّه يتكلَّم بما سمعه وقرأهُ والأهم هو خبرته وعلاقته مع يسوع المسيح “أذا ثبتُّم في كلامي صرتم في الحقيقة تلاميذي: تعرفون الحق َّ(الله) والحقُّ يُحرِّرُكُم”يوحنا8:31″ .
فالله لا يريد كلمات رنّانة بل كلمات صادقة نابعة من قلب محب “لو تكلّمتُ بلغات الناس والملائكة, ولا محبّة عندي, فما أنا الاّ نُحّاس يطُنُّ أو صنج يَرُنُّ“1كورنثوس13:1 .
نعم على ألأنسان أن يشحن ذهنه بالمباديء الكتابية, كلمة الله وروحه القدوس “الروح هو الذي يُحيي, وأمّا الجسد فلا نفع منهُ. والكلام الذي كلّمتُكُم به هو روحٌ وحياة “يوحنا6:63” فالوحي في الكتاب المقدس لا يتعارض مع ضروف الناس وعقولهم, “فالكتاب كُلُّهُ من وحي الله, يُفيدُ في التعليم والتفنيد والتقويم والتأديب في البر, ليكون رجل الله كاملا مستعدا لكُلِّ عمل  صالحٍ “2تيموثاوس 3:16,17 .
فبقراءة الكتاب المقدس ندرك مخافة الله ونَعثُر على معرفة الله .
ولكن للأسف الكثيرون من الناس بدل أن يركِّزوا أهتمامهم بمعرفة الله والعلاقة معه فأنّهم يحاولون الأحاطة بالسماء وبالله بعبارات بشرية, وبدل أن يكون الله هو الهدف والتركيز عليه باعتباره مصدر الحياة, يركّز الكثيرون من الناس أفكارهم على مصالحهم في علاقتهم مع هذا ألأله, ويحوِّلون تركيزهم عن هذا الله ويشتِّتون أفكارهم في ما ينتظرهم من ألأمجاد والشهوات الجسدية والسلطة والمراكز والقوّة البعيدة كُلِّ البعد عن الحياة الروحية مع الله”متى 22:29″
يقول أحد المؤمنين الذي أختبر الله في حياته:”قد تكون الفردوس قطعة من صحراء ولكن بحضور الله تصبح فردوس ,لأنَّ الفردوس(الملكوت)في المفهوم المسيحي هي فكرة روحية , فعندما نكون بقرب الله ويملئ حياتنا تصبح حياتنا فردوس, بينما عندما نبتعد عن الله تصبح حياتنا جحيم, فالفردوس ألأرضي هي صورة للفردوس السماوي الذي هو”ليس أكلا وشربا بل برّا وسلاما” .
أنَّ حالة الفساد في مجتمعاتنا اليوم تشجّع على التشويش في القيم السماوية, فنحنُ نتعرّض لسيل من الكتب والوسائل ألأعلامية المتطوّرة التي تُركز على الحياة ألأرضية والأغرائات المادية والشهوات الجسدية التي توصلنا الى الرضى والسعادة المزيّفة والمشوّه لأنّ ألأنسان روح وجسد فلا يمكن أن يشبع بالأمور الجسدية بل يحتاج الى غذاء للروح وعندما يفقد حياته الروحية مع الله فهو لا يعرف معنى السعادة والفرح الحقيقيتين بل يضلُّ في شوق وجوع وعطش روحي لا يستطيع هذا العالم أن يعطيه له سوى الرب يسوع المسيح الذي يقول “أنا هو خبز الحياة…من يأكل هذا الخبز النازل من السماء لايموت “يوحنا6:48,50“.. من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا, فلن يعطش أبدا“يوحنا 4:14.” يقول الله على لسان النبي عاموس”ستأتي أيّام أقول أنا السيد الربُّ, أرسلُ فيها الجوع على ألأرض, لا الجوع الى الخبز ولا العطش الى الماء, بل الى ألأستماع الى كلمة الربِّ”عاموس8:11 .
فمعرفة الله لا تُعطى للذين يقفون في منطقة وسطى بين الحق والباطل, بل يكون ألأنسان في هذه المنطقة مشوّشا, فمثلا لايمكن أن نعترف بالمسيح كنبي عظيم وننكر الوهيّته وصلبه وقيامته ولا نؤمن بالخلاص الذي وهبهُ الرب يسوع ( بالنعمة المجانية عندما بذل نفسه من أجل البشرية جمعاء) لكلّ الذين قبلوه مخلِّصا لحياتهم. الحواجز تبقى كبيرة بين العالم الذي لم يعرف المسيح وبين المؤمنين المسيحيين الذين عرفوا شخص يسوع المسيح واختبروه في حياتهم”راجع الحوار بين المسيح ونيقاديمس في انجيل البشير يوحنا”.
 يقول الرب يسوع المسيح لتلاميذه “هم يفعلون بكم هذا كُلِّه لأنّهم لا يعرفون الذي أرسلني “يوحنا 15:21”.
لقد أنكر الشعب اليهودي, وعلماءالشريعة اليهود, يسوع المسيح ولم يؤمنوا به لأنّهم أعتبروه ضعيف ومتواضع, وارادوه أن يكون ملكا محررا لهم بقوة السيف, وأستغلال قوَّته ومعجزاته ليبطش بأعدائهم (الرومان), ولكن كَم هو بعيد فكر ألأنسان عن فكر الله الحقيقي وكم هو بعيد ألأنسان عن معرفة الله الذي هو كُلّه محبة وحنان ورحمة وسلام, الذي أرسل أبنه لا ليهلك الناس بل ليخلِّصهم .
اليوم كما في أيّام المسيح الكثيرون لا يعرفون الله الحقيقي بل بعيدون عن معرفة طبيعة الله “المحبة” فيتصوّرون الله رافع سيفه ليقطع أعناق وارزاق كُلِّ من لا يتبع فكرهم ومعتقدهم البعيد كُلِّ البعد عن الله الحقيقي, بينما يسوع المسيح بيّن لنا طبيعة الله”المحبة” وهو على خشبة الصليب عندما غفر لأعدائه الذين صلبوه  وطبّق قوله عن محبّة حتى ألأعداء عندما يقول “سمعتم أنّه قيل: أحبَّ قريبُكَ وأبغض عدوِّكَ. أمّا أنا فأقول لكم: أحبوا أعدائكم, وصلّوا لأجل الذين يضطهدونكم. فتكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات. فهو يُطلع شمسُهُ على ألأشرار والصالحين ويُمطر على ألأبراروالظالمين”متى 5:43,44,45” “, نعم هذا هو الأله الحقيقي الذي نعرفه ونختبر قوّته في حياتنا, وغيرهُ ليس الا صنم لا قلب له ولا رحمة ولا شفقة ولايسمع ولا يحسُّ ولا يرى ولا يكشف نفسه بمعجزة للذين يتبعونه فهو اله لا حول له ولا قوّة  فيطلب من الذين يؤمنون به أن يقاتلوا الناس عوضا عنه,  بينما يقول لنا الهنا الحقيقي “أنا أُدافع عنكم وأنتم تصمتون”.
__________________________________________
 للأطلاع على الجزء ألأول من المقالة مراجعة الرابط التالي:
http://www.baqofa.com/forum/forum_posts.asp?TID=43391

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!