مقالات

انتخابات مجالس المحافظات 2023، نتائج متوقعة لقانون انتخابي غير عادل

القسم الثاني والاخير:
خامسا: عدم الثقة بالانتخابات وبالعملية السياسية قد تكون ضمن أهم الاسباب التي تدفع الناخبين بعدم المشاركة في الانتخابات سواء كانت لانتخابات مجلس النواب أو لمجالس المحافظات. وأسباب عدم الثقة هي عديدة لكننا نعتقد أن من أهمها هو نخر الفساد لجسم الدولة العراقية ومؤسساتها أفقيا وعموديا. بالاضافة الى عملية أسر الدولة من قبل الاحزاب السياسية التي تعدت موضوع المحاصصة الحزبية لتصل الى مرحلة المقاطعات والمصالح الخاصة لكل حزب في كل مؤسسات الدولة والاستيلاء الكامل على الدولة العراقية وجعلها مقاطعات أقتصادية لهم، حيث أن ذلك قد أنتج أستخدام أموال الدولة ومواردها للحملات الدعائية للاحزاب والمرشحين. ولابد أن نعرف أن نسبة كبيرة من المقاطعين هم من فئة الشباب حيث أن الاقتصاد العراقي لم يستطع أستيعابهم، وأن دوائر الدولة قد أصبحت أهراما من البطالة المقنعة، وأن نسبة كبيرة جدا من موازنات الدولة العراقية تصرف للموازنات التشغيلية لوزارات ومؤسسات الدولة وعسكرة المجتمع، لكن كل ذلك لم تحل مشاكل الشباب ويؤدي بأستمرار الى تضخم نسبة البطالة في صفوفهم، لان هنالك عشرات المعاهد والجامعات تخرج عشرات ولربما مئات الالاف من الخريجين، دون أن تلقى النسبة الغالبة منهم فرصة العمل والتوظيف، في حين نرى تضخم المؤسسات الامنية والعسكرية لان مجال التعيين والصرف مفتوح لهم بأستمرار على حساب اقتصاد البلد الفعلي، لان هذه المؤسسات لا تستخدم في فترة السلم كمؤسسات أنتاجية أقتصادية سواء أكانت زراعية أو صناعية. لذلك لا يرى الكثير من الشباب أمالهم ومستقبلهم في البلد، بل يحاول البحث على سبل كسب مصدر معيشي لهم ولعوائلم بدل الاهتمام بالسياسة والانتخابات.
سادسا: من ضمن أهم شروط المرشح في الانتخابات هو أن لايكون مشمولا بقانون المسائلة العدالة، حيث أن شمول المرشح من عدمه بهذه الاجراءات وأبعاده من حلبة المنافسة الانتخابية أصبح بمثابة سيف مسلط من قبل السلطات الحاكمة على رقاب كل من لا يمتثل لتوجهاتها السياسية، أو يشكل جهموره (خطرا) على نفوذهم وفرصة فوزهم من وجهة نظرهم. في حين أن هنالك الاف البعثيين المستمرين في مناصبهم العليا سواء كان في مؤسسات الدولة أو في التنظيمات الحزبية للاحزاب الحاكمة، أو أصحاب رتب عالية في القوى الامنية والجيش. ولاحظنا قرار أبعاد السيد نجم الجبوري محافظ الموصل لشموله بأجراءات المسائلة والعدالة على الرغم من أنه كان قائدا عسكريا ومن ثم محافظا. وهكذا الحال بالنسبة للمرشح السيد (فاهرام هاييك) على مقعد كوتا المسيحين بمجلس محافظة البصرة وحصل على 1418 صوتا لكنه أستبعد بعد أعلان النتائج، في حين ان القائمة البديلة حصلت على987 صوت، والمرشح الفائز حصل على 67 صوتا فقط، في حين المستبعد كان مرشح فرد. لذلك لا بد من أعادة النظر بقانون المسائلة والعدالة وأجراءاتها، ويفترض أن تكون لدى هيئة المسائلة والعدالة الوقت الكافي (خمسة عشر يوما) حسب القانون الانتخابي للنظر في كون المرشح مشمولا بهذه الاجراءات من عدمها، وأن لا تكون قراراتها ذات أثر بعد مضي هذه المدة، حتى يتقرر لعملية الترشيح ولاعلان النتائج السرعة والاستقرار، وأن لا تطبق هذه الاجراءات بأنتقائية سياسية واضحة.
سابعا: أن المدد الزمنية التي نص عليها القانون الانتخابي وقانون المفوضية فيما يخص تقديم الشكاوى على العملية الانتخابية سواء كان ليوم التصويت الخاص او العام، وحتى في مراكز التدقيق، وتصنيفها والتحقيق فيها ومن ثم البت فيها من قبل مجلس المفوضين، وحسب عدد تلك الشكاوى فقد تحتاج الى فترة قد تصل الى خمسة أيام. ومن ثم بعد اعلان النتائج الاولية، يفتح باب تقديم الطعون على النتائج من قبل المرشحين والاحزاب السياسية التي هي ثلاثة ايام، وحسب الالية التي تطبقها المفوضية ومنذ أنتخابات 2021 فأنها تعد الاجابات ومن ثم ترفعها للهيئة القضائية للانتخابات، والتي تحتاج الى فترة قد تطول اذا كان عدد الطعون كبيرا. ثم تحتاج الهيئة القضائية للانتخابات الى عشرة أيام حسب نص القانون ومن تاريخ استلام الطعن للبت فيها، وهذه الهيئة تعمل وتبت في الطعون سواء تعلق بنتائج الانتخابات أو أي طعن على قرار صادر من مجلس المفوضين بدون الاهتداء بنظام داخلي مصادقا عليه من مجلس القضاء الاعلى ومنشور في الجريدة الرسمية. لذلك فأن المدد المنصوص عليها في القانون والتي هي ضمن أهم الشروط الشكلية في المنازعات الانتخابية هي السبب في تأخر أعلان النتائج النهائية سواء كانت لمجالس المحافظات أم لمجلس النواب والتي تزيد على 21 يوما، في حين أنه بالنسبة لمجلس النواب تزداد تلك الفترة بسبب مصادقة المحكمة الاتحادية العليا على النتائج حسب الفقرة السابعة من المادة 93 من الدستور. فهذه المدد هي مطلوبة سواء كان العد والفرز لاوراق الاقتراع ألكترونيا أم يدويا أم الاثنين معا، وهذا سبب أخر لزعزعة الثقة بالعملية الانتخابية، وبأتهام المفوضية بالتسبب بتأخير أعلان النتائج النهائية، علما أن تشريع القوانين هو من أختصاص مجلس النواب، وأن الية عمل وطبيعة قرارات الهيئة القضائية للانتخابات هي ليست ضمن صلاحيات واختصاصات المفوضية.
ثامنا: أن العملية الانتخابية لتنظيم انتخابات مجالس المحافظات الغير المنتظمة بأقليم والتي جرت في 18/12/2023 كانت جيدة ومتوازنة، حيث أن المفوضية قامت بالاعداد والتنظيم الجيد لمجمل مراحل العملية الانتخابية مرورا بيوم الاقتراع ووصولا لاعلان النتائج. لكن الاشكال الفني في عدد من المحطات بعدم تمكن أجهزة العد والفرز الالكتروني من أصدار تقرير النتائج في يوم التصويت الخاص، قد سببت أرباكا في العملية الانتخابية. ولو أن قانون التعديل الثالث قد وضع الاجراء المناسب بهذا الخصوص، وهو احالة المحطة التي لم ترسل تقرير نتائجها الى المكتب الوطني لمدة 6 ساعات الى مركز التدقيق في المحافظة. والذي يتم فيه عد وفرز المحطات يدويا في هذه الحالة، وغيرها من الحالات المحددة في المادة العاشرة من قانون التعديل الثالث رقم 4 لسنة 2023. لكن الملفت في هذا الامر هو أن جهات مؤثرة في الائتلاف الحاكم هي أول من أعلنت تشكيكها بالموضوع، ومهاجمة المفوضية ووصلت لدرجة أستعدادهم لنسف موضوع الانتخابات من أساسه دون أن تعرف تفاصيل الاجراءات في القانون الانتخابي الذين هم من صوتوا عليه. لكن عندما تيقنوا أن هذا الاشكال يمكن حله ومن ثم أنتهت الى أعلان نتائج مريحة لها، أخذوا يمدحون العملية الانتخابية وأنتقلوا مباشرة للكلام عن كيفية السيطرة على مجالس المحافظات وضمان أختيار المحافظين من بين صفوفهم. وهذا ان دل على شيء فأنما يدل حسب أعتقادنا على عدم ايمان اغلب الاحزاب السياسية العراقية بالعملية الديمقراطية والانتخابية وبمنطق الفوز والخسارة فيها، وأنما كل عملها وهدفها هوالتمسك بالسلطة، وضمان ذلك باللجوء الى الطرق المختلفة لذلك سواء كان بالقانون، أو القضاء، أو المال، أو السلاح، أو أستخدام الدين والعشيرة وغيرها، في سبيل التمسك بالحكم. والا فـأن نسب المشاركة المتدنية سواء كان لانتخابات 2021 أم لانتخابات مجالس المحافظات 2023 فأنما تعني أن الحكومة العراقية الحالية والحكومات المحلية القادمة في المحافظات هي حكومات تمثل أقلية، ولا تمثل النسب الاوسع من أبناء الشعب العراقي.
تاسعا: أن نتائج الانتخابات كانت متوقعة نتيجة تطبيق قانون انتخابي غير عادل، وايضا بسبب المشاركة المتدنية من الناخبين، ومقاطعة مؤيدي التيار الصدري للعملية الانتخابية، وايضا وجود نسبة كبيرة من الابطال المتعمد لاوراق الاقتراع، خاصة بالنسبة للمشمولين بالتصويت الخاص. لذلك فـأن المشاركة هي عمليا وبنسبة كبيرة منها كانت عبارة عن منافسة الاحزاب السياسية المشاركة في العملية السياسية والانتخابية. حيث أعتمدت اغلب الاحزاب على ترشيح شخصيات عشائرية لاجل ضمان مشاركة ابناء تلك العشائر، بالاضافة الى أن المحافظين الذين دخلوا المنافسة الانتخابية بقوائم مستقلة قد حصلوا على نتائج جيدة. حيث على الرغم من أجتثاث هيئة المسائلة والعدالة لمحافظ نينوى السابق السيد نجم الجبوري، لكن عملية الاعمار في محافظة نينوى كانت كفيلة بدفع نسبة كبيرة من ناخبيها للتصويت لقائمته بشكل يضمن له الفوز بالمرتبة الاولى لعدد الاصوات والمقاعد في المحافظة. وهكذا الحال بالنسبة لحركة تصميم في البصرة وحصول السيد أسعد العيداني على المرتبة الاولى في الاصوات على جميع المحافظات الخمسة عشر، وحققت قوائم المحافظين في محافظتي النجف وواسط ايضا نتائج جيدة. وعلى الرغم من أن التوقيت المدروس لابعاد السيد محمد الحلبوسي من عضوية ورئاسة مجلس النواب، لكن رغم ذلك حصلت قائمته في محافظة الانبار على المرتبة الاولى، وأحرزت المرتبة الثالثة في محافظة بغداد. أما في كركوك فنظرا لتشتت قوائم الاحزاب الكوردية وعدم دخول الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني في قائمة أنتخابية واحدة مع بقية الاحزاب الكوردية الاخرى، فكانت سببا في أن يكون مجموع المقاعد التي حصلت عليها قوائم الاحزاب الكوردية هي 7 مقاعد، وهي لاول مرة أقل من نصف عدد المقاعد المخصصة لدائرة كركوك منذ سنة 2005.
لذلك فأن هذه النتائج كانت الى حد ما متوقعة نظرا لاختيارصيغة حسابية لتنفيذ النظام الانتخابي، ووجود قانون أنتخابي متحيز في كثير من الامور، حيث أن النظام الانتخابي لابد أن يتصف بالعدالة والمقبولية والاستدامة، وهذا خلاف الواقع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!