مقالات دينية

رؤيا ماريا فالتورتا لموت شفيع الميتة الصالحة، القديس يوسف

رؤيا ماريا فالتورتا لموت شفيع الميتة الصالحة، القديس يوسف

رؤيا ماريا فالتورتا لموت شفيع الميتة الصالحة، القديس يوسف

إعداد / جورج حنا شكرو
أرى داخل مشغل نجارة. يبدو لي أن إثنين من الجداران مكوَّنان من جنبَي صخر كأن مغائر طبيعية إستُغِلَّت لتشكيل حجرات منزل….
يسوع يعمل إلى منضدة نجارة . إنه ينجر ألواحاً يرفعها إلى الجدار الخلفي…
إنه وحده. يعمل بنشاطٍ إنما بهدوء…
إنه دقيق ومُثابر في عمله…
يرفع رأسه من وقت إلى آخر ، وينظر نحو الجانب الجنوبي ، حيث بابٌ مقفل ، كأنه كان يُنصت . في لحظةٍ ما يتقدم ، فاتحاً باباً في الجنب ناحية الشرق ويُطِلّ على الشارع
أرى زاويةَ شارعٍ صغير مُغَبِّر
كأنه ينتظر أحداً ما . ثم يعود إلى العمل
إنه ليس حزيناً بل رصين . يُعيد إغلاق المدخل ويعود إلى العمل
فيما هو منشغِل بصنع شيءٍ ما يبدو لي قطعَ دائرةِ عجلةٍ، تدخل الأم
تدخل من باب يقع في الجدار الجنوبي . تدخل على عجلٍ وتركض نحو يسوع . تلبس ثوباً أزرق غامقاً ولا شيء على رأسها . قميصٌ بسيط مشدود إلى الخصرِ برباطٍ من اللون نفسه . تنادي الإبن ، قلقة ، وتضع يديها على ذراعه في حركةِ توسُّلٍ أليم
يسوع يُلاطفها واضعاً ذراعه على كتفها ويُعزّيها ثم يمضي معها ، تاركاً العمل وخالعاً مريوله
يدخلان حجرة مُجاورة زاهية تماماً بالشمس التي تلج عبر بابٍ نصفِ مفتوحٍ على الحديقة الصغيرة الملأى خُضرةً ساطعة وحيث تطير حماماتٌ وسط الغسيل المنشور ليجفّ
الحجرة فقيرة إنما حسنة الترتيب . هناك فراش واطئ مكسو مرتباتٍ صغيرة (أقول مرتبات صغيرة، لأنه شيء ما سميك وناعم، لكنه ليس سريراً كما سريرنا).
فوقه مُمدّدٌ يوسف ، رأسه مستند إلى وِساداتٍ عدّة . انه مُشرِف على الموت . نرى ذلك بوضوح ، من وجهه الباهت الشحوب ، من عينه الباهتة ، من صدره اللاهث ومن تخلّي جسده كله
مريم تتَّخِذ مكاناً إلى يساره ، تُمسك بيده الخشنة والباهتة حتى الأظافر . تفركها ، تلاطفها ، تقبِّلها ، تمسح ببياضٍ العرق الذي يرسم خطوطاً لامعة عند الصدغَين اللذين يتجوَّفان ، الدمعة التي تسطع عند زاوية العين . تغسل شفَتيه ببياضٍ مُبلَّل بسائلٍ يبدو نبيذاً أبيض.
يسوع يقف إلى اليمين
يرفع له برشاقةٍ واعتناء جسده الذي ينهار ، يُشهِّله فوق الوسادات بمساعدة مريم . يلاطف المنازع على جبهته ويسعى إلى إنعاشه.
…مريم تبكي بهدوء شديد ، من دون صوتٍ، لكنها تبكي.
يوسف يحدّق في يسوع . يُعطيه يده كما ليقول شيئاً ما ، وليجد في هذا الإتصال الإلهي القوة للمحنة الأخيرة . يسوع ينحني فوق هذه اليدّ ويقبّلها . يوسف يبتسم
ثم يستدير لينظر ويبحث عن مريم ويبتسم لها أيضاً
مريم تركع قرب السرير ، محاولةً الإبتسام  ، لكنها لا تنجح في ذلك وتُحني رأسها
يوسف يضع يده على رأسها في مُلامسةٍ طاهرة تبدو مُبارِكة
لا يُسمع سوى طيران الحمام وهديله ، حفيف الأوراق ، تلاطُم الماء ، وفي الحُجرة تنفُّس المُحتضِر
يسوع يدور حول السرير، يتناول طبلية ويُجلِس مريم قائلاً لها أيضاً وفقط:” أماه!” ثم يعود لمكانه.
ويمسك ثانيةً بيديه يدَ يوسف.
المشهد حقيقي إلى حدّ أن حزن مريم ينتزع مني دموعاً.
ثم مُنحنياً فوق رأس المُحتضِر، يهمس يسوع له مزموراً؛ إنما الآن لا أستطيع أن أقول أيّه.
إنه يبدأ هكذا:” ساعدني يا رب، ففيك وضعتُ رجائي…
شكراً، يا أبتِ، بإسمي وباسم أمي. لقد كنت لي أباً بارّاً والخالق عهد إليك بحَضنِ مسيحه وتابوت عهده المقدّس.
كنتَ المشعل المضاء لأجله، ولأجلِ ثمرةِ أحشاءٍ مُقدّسة، كانت لك أحشاء محبة.
إمضِ في سلامٍ يا أبتِ.
ان أرملتك لن تكون بلا معين. الربّ أعدّ كلّ شيءٍ لئلا تبقى وحيدة. أقول لك إمض في سلامٍ إلى مكانِ راحتك.”
مريم تبكي ووجهها مُنحنٍ فوق الأغطية الممدودة فوق جسد يوسف الذي يبرد.
يسوع يُسارع إلى تقديم العون الأخير له لأن التنفس يضعف والنظر يحتجب
” …لأنك رفعت إليه صوتك، سوف يستجيبك . يكون معك في محنتك الأخيرة …ليضمك في عناقٍ إلهي ويحملك معه، على رأس كل الآباء، إلى حيث هو مُعدّ مسكن صديق الله الذي كان أباً مُباركاً لي
تقدمني لتقول للآباء أن الخلاص أتى إلى هذا العالم وأن ملكوت السماوات سيُفتح لهم قريباً.
هيّا ، يا أبتِ ، لتُرافِقك بركتي.”
يسوع رفع صوته ليبلغ عقل يوسف الذي يغرق في سحب الموت
النهاية وشيكة
الشيخ لم يعُد يتنفس إلا بصعوبة . مريم تُلامسه . يسوع يجلس على حافةِ السرير . يُطوّق المُحتضر ويجذبه إليه وهو ينهار ويموت بهدوء
المشهد مليء بسلامٍ مهيب
يُضجع ثانيةً الأب ويُعانق مريم التي دنت من يسوع في اللحظة الأخيرة ، في جَزعٍ مؤلم
( الانجيل كما كشف لي-١-فالتورتا)
عيد مبارك

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!