هل يجوز للعلماني أن ينقد قرارات المجامع الكنسية أو السينودس ؟

هل يجوز للعلماني أن ينقد قرارات المجامع الكنسية أو السينودس ؟

بقلم / وردا إسحاق قلّو

  المجمع الكنسي والسينودس تُعد من قبل الأساقفة. والأسقف يجب أن يتصف بصفاة تخلو من اللوم ، سالكاً طريق الحق وفي القداسة ، ويتمثل بالمسيح ،  فيكون بلا عيب ( طي 1: 6-7  و 1 طيم 2:3 ) لكي لا تنال منه أقاويل الناس التي يختلقها كثيرون من الأخوة الكذبة ، وأعداء الإيمان الذين لا يراعون أقوال الله في كتابه المقدس ، ولا يعلمون بأن ( كل كلمة بطالة يقولها الناس ، يحاسبون عليها يوم الدين . لأنك تزكى بكلامك ، وبكلامك يحكم عليك ) ” مت 36:12 .. فالكاهن الذي ينتخب ليصبح أسقفاً يجب أن يتحلى بصفات تليق بدرجته الكهنوتية السامية وكرسول للمسيح . كما يجب أن يكون حكيماً متواضعاً مبتعداً عن كل مفاسد الحياة مهتماُ بالكلمة الإلهية ليعطيها حقها في التفسير والعمل والتعليم كما كان معلمه يسوع الذي أبتدأ يعمل أولاً ثم يعلّم ( … في جميع ماعمل يسوع وعلمَ منذ بدء رسالته ) ” أع 1:1 ” وتعليمه كان من فوق ، وكذلك الرسل ، وهذا لا يعني أن علم الكتب لا ينفع ، بل أن عِلم هذا العالم لا يكفي ، إذ حيث لا روح في ما يقرأ . والروح متى ملأ كيان الإنسان لا يعود بحاجة إلى قراءة الكتب كالكثير من القديسين الذين لم يتعلموا في المدارس ، إذ ذاك ، الروح في ألواح قلوبهم اللحمية يكشف لهم أسراراً ، وفق الآية ( أجعل شريعتي في داخلهم ، وأكتبها على قلوبهم ) ” إر 33:31 ” وهذا ما قاله يسوع لرسله ( .. لا تهتموامن قبل بماذا تتكلمون ، بل تكلموا بما يلقى إليكم في تلك الساعة ، لأنكم لستم أنتم المتكلمين، بل الروح القدس ) ” مر 11:13 ”  . فعلينا أن نثق بخدام كلمة الله ونطيع وصاياهم لأنهم المرشدين والمختارين والمدبرين ، وهكذا نطيع الوصايا ونعمل بها ، قيل ( أطيعوا مرشديكم واخضعوا لهم ، لأنهم يسهرون لأجل نفوسكم ) ” عب 17:13 ”  . كماعلى الأساقفة أن يكونوا رعاة صالحين أمناء في خدمة وقيادة الكنيسة . يعَلمّون حسب وصايا الأنجيل التي لها القوة في الحكم ، وإصدار القوانين الكنسية لكي تعمل بموجبها الكنيسة . يسمح للعلماني صاحب الأختصاص العلمي أن يحضر تلك المجامع المقدسة للإستفادة من معلوماته العلمية فيطرح أمام المجمع أو السينودس ما لديه في الموضوع ذات العلاقة ، والأساقفة تأخذ من أقواله ما يناسب مع الإيمان ، وبعد ذلك تصدر القرارالمناسب . فعلى العلماني الحاضر أن لا يعارض ما صدرمن المجمع من قرارات بعد سماع الحاضرين إلى ما طرحه  ، كذلك يمكن الوصول إلى أراء كل المؤمنين قبل إنعقاد المجمع أو السنودس وذلك بطرح كل ما سيناقش في المجمع والسينودس من قبل كل أسقف لأبناء أبرشيته عن طريق كهنته ، وبعد ذلك يأخذ ما هو مفيد ليطرحه الأسقف أمام الأساقفة . وهذا ما قررته البطريركية الكلدانية في إرسال استمارة أستبيان الكترونية لكل من يريد أن يعبر عن آرائه . للمزيد أبحث عن العنوان التالي :

 إستمارة أستبيان لتفصيل المرحلة الأبرشية من سينودس الأساقفة ( تشرين الثاني 2021- آب – 2022)

للأساقفة فقط الحق في إصدار القرارات النهائية ، لأنهم القدوة الصالحة في الكنيسة ، فحيثما إنتفت القدوة الصالحة في الكنيسة ،  ساد التفلت وبدأ الأنشقاق ، لأن لهم قال الرب :

( أن كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء . وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً في السماء ) ” مت 18:18 ” .

   إذاً كل ما يصدر من أفواه الأساقفة المجتمعين في المجامع الكنسية أو في السينودس المقدس توافق عليه السماء ، فلا مجال للعلماني أن يبدي برأيه ، أو يتصدى لما يصدر من أفواه الأساقفة . كما على الأساقفة أن لا يسمحون للعلماني في التدخل بما يقرروه . لهذا نقول للأسقف الجليل ليس من العدل وأنت الرأس أن تخضع للذنب ، أي للرجل العلماني وخاصةً السىء التصرف الذي يتجرأ ليفرض آرائه على آراء الأساقفة ، فالعلماني غير مخول بالأشتراك في أصدار القرارات أبداً . الأسقف هو الذي يتراس سامعيه من المؤمنين . فالولد لا يرأس أباه ، تلك هي سنة تعاقب الأجيال . ولا يجوز للعبد أن يرأس سيده ، فهذا هو الشرع . ولا التلميذ معلمه ، ولا الجندي ملكه ، ولا العلماني أسقفه .

   الأسقف مكانته عظيمة ، وله أعطي السلطان للربط والحل ، وكذلك حسابه عسير ، والله سيطالبه بالكثير بسبب الوزنات التي أودعها عنده ، لهذا قيل ( من أودع كثيراً يطالب بأكثر منه ) ” لو 48:12″ فعليه أن يتجنب الخطأ ، ويكون بينه وبين العلماني محبة وإحترام متبادل وهكذا كان الأمر في العهد القديم أيضاً الجالسين على كراسي المسؤولية . سيحاسبهم الرب كيف يرعون قطيعه ، قيل ( … ها أنا أنقلب على الرعاة وأطالبهم بغنمي .. ) ” حز 10:34 ” . والغنم الذي لا يتبع الراعي تكون من حصة الذئاب فتهلك . كذلك غنم الرعية التي لا تتبع الأسقف تهلك وتتشتت إلى طوائف لا راعي لها. فينبغي للعلماني أن يحترم الأسقف الذي أختير راعياً لأبرشيته ، كما عليه أيضاً أن يخشاه كأب وسيد ورئيس ، ويوقره ككاهن الله . إذ أن من يسمع له يسمع للمسيح ، ومن ينبذه ينبذ المسيح ، فالأساقفة هم خدام الكنيسة الجامعة المقدسة ، وهم بين العلمانيين كالأنبياء ورؤساء ومدبرين وملوكاً ووسطاء بين الله ومؤمنيه . ومبشرين بالكلمة وحافظين الكتب المقدسة وعمق كلام الله وقوانين الكنيسة .

   حمل الأسقف ثقيل ، وبما أنه يحمل هذا الوزر ، فعلى العلمانيين أن يطيعوا رؤسائهم الأساقفة لأنهم حراس المعرفة ، ووسطاء بين الله والشعب في الأمور التي تتعلق بالعبادة الصحيحة .. والكتاب علمنا بأن نسمع أقوالهم ونعمل بها . فمن يعمل بدون أسقف فعمله باطل ، ولا يحسب له عملاً ، بل حسابه عسير كشاول الملك الذي أصعد المحرقة من غير حضور صموئيل ، قيل له ( أنك بحماقةٍ فعلت ) ” 1صم 13:13 ”  وهكذا يستحق كل علماني يتدخل في ما يخص رجال الأكليروس ، أو يقلد واجباتهم .

  إذا كان هرون قد دعيَ نبياً ، وموسى سميّ إلهاً لفرعون ، أي ملكاً ورئيس كهنة معاً ، وكما قال له الله ( قد جعلتك إلهاً لفرعون ، وهارون أخوك يكون نبيك ) ” خر 1:7″ .

   فلماذا نحن لا نعتبر وسطائنا الأساقفة أنبياء الكلمة ونحترمهم كآلهة ؟ فمن لا يلتزم بكلام الكتاب المقدس القائل ( لا تجدف على الله ، ورئيس شعبك لا تلعن ) ” خر 27:22 ” فالمتطاول على الأسقف بالقول أو بالفعل فأنه قد أهان الله الذي أختاره . وهذه الوصايا موجهة إلى كل المؤمنين لكي يحترموا آبائهم الروحيين الذين قيل عنهم ( إنتم ألهة وبنو العلي كلكم ) ” مز 6:82 ” .

   إذا قال أحد للعلماني ( يا أحمق ويا جاهل ) ” مت 22:5-23 ” لا ينجو من العقوبة ، فكلم بالحري من يتكلم ضد الأسقف الذي بواسطته منحنا الروح القدس ، وبه تعلمنا العقائد المقدسة ، وعرفنا الله ، والله عرفنا ( طالع غل 9:4 ) .

   إذا كان الكتاب المقدس يقول لنا عن والدينا الجسديين ( من لعن أباه أوأمه ، فليق*ت*ل ق*ت*لاً ) ” خر 16:21 ” فكم بالحري يدعوكم الكتاب إلى أن تكرموا الذين أصبحوا ( والديكم الروحيين ) ، وتحترموهم كمحسنين وشفعاء لدى الله ، هم الذين ( ولدوكم بالماء ) ” يو 5:3 ” وملآوكم من الروح القدس ( أع 15:8 ) وغذوكم بلبن الكلمة ( 1 قور 2:3 )  وثبتوكم في التعليم وقوّوكم بالنصائح ، وجعلوكم أهلاً لجسد المخلص ودمه الكريم .

مكانة الأسقف يجب أن تكون أرفع من مكانة الملك الذي يهتم في الأمور الدنيوية لمصلحة الجسد الزائل ، ولكن الأسقف قد تسلم الكهنوت من الله ليبعد النفس والجسد من الأخطار . وبما أن النفس أفضل من الجسد ، فإن الكهنوت أفضل من المُلك ، لهذا يجب أن نحب ونحترم الأسقف كأب ، ونهابه أكثر من المَلك ، وكما إننا لا نعترض أو نقاوم السلطات الزمنية وبحسب وصايا الأنجيل ( طالع رو 13 ) إذاً علينا أيضاً أن لا نحاسب وننقد ونهاجم الأسقف ، ولا نسأل هل عمله وقراراته صالحة أم باطلة ، أو نفرض عليه آرائنا . لا احد يحاسب الأسقف إلا الرب الإله فقط الذي في يده التدبير والذي جعله مستحقاً لدرجة كهنوتية سامية . فعلى المؤمن أن لا يدن أسقفه ، كما لا يجوز أن نحكم على علماني مثلنا . والذي يفعل ذلك ، فأنه يجعل نفسه قاضياً دون أن يكلفه أحد . أما الكهنة فلهم الحق في القضاء ، لأنه قيل لهم ( أحكموا حكم الحق ) ” زك 9:7″ . إذاً على الأسقف والكاهن أن ( يفصلوا كلمة الحق بإحكام ) ” 2 طيم 15:2 ” كما على الأسقف والكاهن أن لا يسمح للعلماني القيام بأعمال كهنوتية لأنه لا يجوز للعلماني أن يكون خادماً لأي سر من الأسرار المقدسة ، قيل ( وما من أحد يتولى بنفسه مقام كاهن أعلى ، إلا إذا دعاه الله كما دعاه هارون ) ” عب 4:5″ . كما لا يسمح للكهنة أن يقومون ببعض الأعمال التي هي من حق الأسقف فقط ، كرسامة الكهنة ، وتكريس الشمامسة الرسائلين ، والقارئين ، والمرتلين والخدام . وهذا هو نظامنا الكنسي منذ البداية ، وقد سلم من قبل الرسل الأثني عشر اللذين استلموا السيادة من عند الرب الذي أختارهم ، ومن عندهم أستلمت الأحكام الإلهية وحسب النظام الأسقفي والكهنوتي والشمامسة السبعة . كما تم توزيع الواجبات بين الرتب الكهنوتية الثلاثة ( الأسقف والكاهن والشماس ) . فالعلماني الذي لا يستطيع حتى قراءة الأنجيل في الكنيسة ، ولا شرح كلماته إلا من قبل الأسقف والكاهن والشماس الإنجيلي ، وهكذا لا يحق للعلماني أن يتدخل بكل القرارات الصادرة من الأساقفة في المجمع أو السينودس ، أساسها مبني على الأحكام التي استلموها من رسل المسيح اللذين رتبوا كل ما يتعلق بالعبادة الحقيقية وسلموها للأساقفة وعلى مر الدهور ، والأسقف في زمانه هو رسول للمسيح . فعلينا إذاً أن نتذكر قول الرب لهم ( من يسمع لكم ، يسمع لي . ومن يرفضكم يرفضني . ومن يرفضني يرفض الذي أرسلني ) ” لو 16:10 “. فلا تحاسبنّ الأسقف عن تدبيره ، هل عمله صالح أم باطل أم مناسب ، وكيف يقوم بعمله ، لأنه له من يحاسبه وهو الرب الإله الذي وضع في يديه التدبير.  لهذا السبب ظلت الكنيسة الرسولية محافظة على وحدتها بسبب قادتها الروحيين المنتخبين . أما إذا قادها العلمانيون فلا بد من الأنشقاق والتمزيق لجسد الكنيسة إلى آلاف الأقسام والطوائف وكما حصل لكنيسة مارتن لوثر بعد الأنشقاق مباشرة ولحد اليوم لأن قادتها علمانيين . والرب يريد كنيسة واحدة وموحدة في جسد واحد ليكون هو رأسها . كنيستنا حيّة وقوية ، لا تموت حتى تأتي الساعة التي يقول فيها أبنائها

( مبارك الآتي باسم الرب )

Exit mobile version