مقالات دينية

الشهادة والإستشهاد تتم بعمل الله في الإنسان

الشهادة والإستشهاد تتم بعمل الله في الإنسان

بقلم / وردا إسحاق قلّو

  ( رأيت تحت المذبح نفوس الذين قُتلوا من أجل كلمة الله ومن أجل الشهادة التي كانت عندهم ) ” رؤ 9:6″

الشهادة لله ليست عملاً إرادياً يقوم به الإنسان بالتبشير برسالة الإنجيل بسبب إيمانه وغيرتهِ وح*ما*سهِ وشجاعتهِ ، أو لأنه يمتلك مواهب عملية وقدرة في إقناع الآخرين ، بل الشهادة لله لا تحتاج إلى القدرات الذاتية مهما كان الإنسان متسلحاً بالعلم والإيمان ، بل هي عمل الله وقوته التي تعمل في ضعف الإنسان ، وليس في قوته وقدراته . كان الرسول بولس قوياً ومؤمناً ومتكلماً وشجاعاً ، لكن الله قال له ( نعمتي تكفيك ، لأن قدرتي تكمل في الضعف ! ) ” 2 قور 9:12 ” . فالمسيحي يجب أن يفتخر بضعفاته ، وضيقاته ، وبالصعوبات ، لأنه يجب أن يشهَد بالروح القدس الساكن فيه ، وبدونه لا يستطيع أن يخضع للوصايا ، ويعمل بها ، ولا يستطيع أيضاً أن يشهد لكلمة الله أمام الناس .

المسيح لم يسمح لتلاميذه أن ينطلقوا إلى العالم ليشهدوا له إلا بعد أن أرسل لهم من عند الآب المعين الذي هو روح الحق المنبثق من الآب ، هو الذي يشهد فيهم للمسيح ، وهم أدوا الشهادة له ، لأنهم كانوا معه منذ الإبتداء ( يو 15: 26-27 ) . إذاً الذي يشهد هو الروح القدس الذي يعمل في الإنسان . فالشهادة لله ليست عملاً إرادياً إنسانياً ، إنما تأتي من إرشاد وإعلان من الله ، إذاً كيف يحصل عمل الله في الإنسان ؟

بعد أن تلامس نفس البشرية المسيح بسبب الإيمان والعماد والعمل بالوصايا ، يعمل بكل تواضع وبسرية ليعيش في عهدٍ مع الله ولله . وفي هذه العلاقة السرية سيختبر الله في حياته ويشعر بوجوده فيتفاعل معه وينمو فيهِ ، وهذه العلاقة لا تخلو من صراع داخلي ، وأوجاع مريرة وآلام وإضطهاد ومشاكل كثيرة ستنتظره من عدو الخير عن طريق أبناء العالم المحيطين به ، فتبدأ الشهادة لله بالصراع مع الذات أولاً بصلب الجسد وشهواته ومصيره بسبب التحدي ، ثم العمل من أجل تحدي خطط العدو الذي يغربل نفس الإنسان كالحنطة فيحارب أفكاره وخاصةً الذين يقررون العيش للمسيح ، وللشهادة له ، فينبغي محاربة الأفكار الشريرة ومقاومتها بقوة نعيش للمسيح بالتقوى . قال الرسول ( فأن مصارعتنا ليست ضد اللحم والدم ، بل ضد الرئاسات والسلاطين وولات هذا العالم ، عالم الظلمة والأرواح الشريرة في السماوات ) ” أف 12:6 ” .

  الشهادة لله تحتاج إلى إيمان قوي بالله الذي يقوي ضعف الإنسان . كان دانيال ضعيفاً جداً أمام قوة الأسود الجائعة في الجب ، لكن قوة الله ظهرت في ضعف دانيال فأنتصر . كذلك موضوع الشهادة والإستشهاد لرفاقه الثلاثة الذين شهدوا لله وتحدوا الموت ، صمدوا بطاعتهم لوصية الخالق بكل بساطة وصلابة في وداعة الحق ، كانوا يعملون بأنهم حاضرين أمام الله في الحق فلم يخيفهم النار المحماة سبعة أضعاف ، فلم تزحزح ثباتهم وإصرارهم ، بل شهدوا بقوة لبر الله .

   يقول المزمور ( السائر في طريق الكمال هو يخدمني ) ” 6:101 ” فالسلوك بالكلام يخدم ويشهد لله دون الحاجة حتى أن ننطق بكلمة واحدة . في العهد الجديد شهد القديس بطرس بيوم الخمسين أمام الجموع فكسب ثلاثة آلاف نفس . ولم تكن كل شهادة تقبل بفرح وتكسب الكثيرين ، بل قد تؤدي الشهادة إلى الإستشهاد كما حصل لرئيس الشمامسة إسطفانوس ، أول شهيد في المسيحية ( أع 7: 54-59 ) كذلك للرسول يعقوب بن زبدي .

   الشهادة للمسيح وعمله الخلاصي تحتاج إلى قبول المسيح في داخل النفس ، فالذي فيه  نور المسيح ، لا يستطيع أن يخفي نوره ، فيشهد لمجد وغنى وجمال عمل المسيح فيه ، لأن النفس التي اشتعلت بالحب الإلهي لا تسكت ، بل تسرع إلى إظهار ما فيها من حق لتعلنه بقوة ودون أي إعتبار للألم أو الذين ينطقون به المبشرون هو من الله ، لهذا قال المسيح ( فإذا ساقوكم وأسلموكم ، فلا تهتموا من قبل بماذا تتكلمون ، بل مهما أعطيتم في تلك الساعة فبذلك تكلموا . لإنكم لستم أنتم المتكلمين ، لكن الروح القدس ) ” مر 11:9 “

   كنيسة المسيح شاهدة للعالم ، وشاهدة عليهِ . عمل الروح القدس يشهد لسر المسيح بواسطة الكنيسة ، ولما صنعه الله بالمسيح فيها .

  قال الرسول بولس ( ليحققه عندما تتم الأزمنة ، فيجمع في المسيح كل شىء مما في السموات وفي الأرض ) ” أف 10:1 ” . فالكنيسة شاهدة ليس فقط للأرض بل للرؤساء والسلاطين في السماويات . وهذه المسؤلية التي تحملها الكنيسة لتعَرّف على سر المسيح في للعالم ، أكبر من كل إدراك بشري ، وإن كنا لا ندرك الآن عملها في السماء فإن عملها الرئيسي على الأرض هو أن تشهد لله بسر المسيح . لذلك أبرزنا نحن المؤمنين كأننا محكوم علينا بالموت من أجل الشهادة للآلام التي للمسيح والأمجاد التي تليها . ( طالع 1 بط 11:1 ) فالكنيسة ليست من العالم ولكنها تشهد في العالم لحساب السماء . شبهها المسيح بشبكة مطروحة في البحر ، فهي ليست من البحر الذي هو العالم ، ولكنها تقتحم على هذا الجيل الملتوي لتنيره وتجذبه إلى الحياة . ستبقى مضطهدة لأنها مجاهدة ، وتتكلم بالحق إلى أن تلتحم بالكنيسة السماوية الممجدة

والمجد لله دائماً

التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1 “

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!