من هو يسوع المسيح ؟ جزء 2

الكاتب :مشرف المنتدى الديني

 

 

 

من هو يسوع المسيح ؟ جزء 2

  يسوع المسيح يكشف لنا حقيقة الله

بقلم / نافع شابو البرواري

“إنّ يسوع بهاء مجد ألآب : “لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله ، لكنه أخلى نفسه آخذا

صورة عبد“فيلبي 2 :6،7”

 

يقول فيليب يانسي في كتابه “يسوع الذي لم أكن أعرفُهُ”:

منذُ أكثر من 1900 سنة قال المؤرخ ه. ج ويلز:”إنَّ مؤرخا مثلي ، لايسمّي نفسهُ مسيحيا ، يجد أنَّ كُلِّ التركيز، وبشكل لايُقاوم ، موجّه الى حياة شخصية أهم إنسان . إنَّ المؤرّخ يقيس عظمة ألأشخاص بما تركوهُ لينمو ويكبر.هل جعل الناس يُفكِّرون فيه بح*ما*س أو بالقدر الذي يَتَذَكّرون بعد موتِهِم ؟. وبهذا المقياس يكون يسوع في المُقدِّمة “. ويمكنك َ قياس حجم السفينة التي عبرت عندما ترى قدر المياه وألأمواج الذي تحرّكها خلفها .

وبالرغم من ذلك ، فأنا لا أكتب كتابا عن يسوع لأنّه رجل عظيم غيّر التاريخ . فليست لدي أي رغبة للكتابة عن يوليوس قيصر، أو أمبراطور الصين الذي بنى السور العظيم . ولكنني مُنجذب الى يسوع بطريقة لاتُقاوم،لأنَّه هو الذي أحدث نقطة التحول في حياتي .قال يسوع :

” مَنْ يَعْتَرِفُ بِي قُدَّامَ النَّاسِ أَعْتَرِفُ أَنَا أَيْضًا بِهِ قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ،”متى 10 :32″. وطبقا لذلك، فإنَّ إعتقادي عنه ، وكيفية تجاوبي معهُ سوف يُقرّران مصيري ألأبدي.

إنَّ تصريحات يسوع الجريئة عن نفسه تُمثِّل المشكلة الرئيسية في كُلِّ التاريخ . وهي النقطة التي تفصل بين المسيحيين وألأديان ألأخرى . وبالرغم من أنّ المسلمين واليهود يحترمون المسيح كمعلم ونبي عظيم ، فلا يمكن  لمسلم أن يتخيَّل أنّ محمدا يدّعي أنَّه ُ الله ، ولا ايِّ يهودي يتخيّل أنَّ موسى يدّعي أنّه يهوه . وبالمثل فإنَّ الهندوس يؤمنوا بالتجسّد ، ولكن ليس في تجسد المسيح ، في حين أنَّ البوذيين ليس لهم أي مقولة تدعي أنَّ الله أصبح إنسان .

إنَّ التلاميذ كما تصورهم ألأناجيل قاوموا فكرة إلوهية المسيح . وعندما كان يسوع معهم في ألليلة ألأخيرة ، وبعد أن سمعوا كُلِّ ما قاله ، ورأوا كُلِّ المعجزات ، قال أحدهم : “يا مُعلم أرنا ألآب “. حتى تلك اللحظة لم يستطيعوا فهم أنّه هو والآب واحد ، ولم يكن المسيح أكثر وضوحا عندما قال لهم :”من رآني رأى ألآب “.

إنّها حقيقة تاريخية لاتقبل الجدل إنّ اتباع المسيح الذين كانوا يحكّون رؤوسهم لدى سماعهم كلماته في العشاء ألأخير . هم انفسهم بعد أسابيع قليلة من قيامته اعلنوا أنّه هو “القدوس البار”، “والرب خالق الحياة” ، وفي إنجيل يوحنا “وكان الكلمة الله “،“خالق كُلِّ ألأشياء بكلمة قُدرته “. وعبّر يوحنا في رسالته قائلا :” الذي كان من البدء ، الذي سمعناهُ ، ورأيناهُ بعيوننا ، والذي شاهدناهُ ، ولمستهُ ايدينا من جهة كلمة الحياة “1يوحنا 1 :1”.

لماذا قال تلاميذ المسيح هذه ألأنطباعات الشخصية ؟

إنَّ أتباع محمد وبوذا الذين كانوا على استعداد أن يضحّوا بحياتهم من أجل سيّدهم ، لم يقوموا بهذه الطفرة المنطقية . فلماذا يُطالبنا تلاميذ المسيح – الذين قبلوا افكاره ببطء- بالأيمان بامور يصعب تصديقها ؟  لماذا يصعّبون ألأمر، ولا يُسهِّلونه، لكي نقبل المسيح ؟

عندما يقول المسيح :”أنا الطريق والحق والحياة.لأ أحد يأتي الى ألآب الاّ بي” يو 14 :6 “. هنا المسيح لايترك لنا خيارات ،فإذا لم يكن المسيح هو الله عندئذ فإنه يكون قد خدعنا وضلّلنا .

يقول سي .اس . لويس في هذا الصدد :”إنَّ التناقض الواضح بين العمق والدهاء في  تعاليم يسوع المسيح ألأخلاقية والأفراط في جنون العظمة التي لابد وأنّها هي التي كانت وراء كُلِّ تعاليمهُ اللاهوتية ما لم يكن هو الله حقا . إن ألأنسان الذي يقول مثل هذه الأشياء التي قالها المسيح لن يكون معلما عظيما للأخلاق فحسب . فهو إمّا ان يكون مجنونا أو شيطانا . وعليك أن تختار ، إمّا أن ذاك الرجل هوابن الله ، وإلا فإنّه يكون رجلا مجنونا او اسوأ من ذلك “….ما قاله سي .أس . لويس ، إنَّ يسوع لم يتهاون في إثبات شخصيَّته. وفهم الناس في عصره أنّه إمّا أن يكون إبن الله الذي جاء ، ليُخلّص الناس في عصره أو أنَّهُ دجال ومحتال يستحق الصلب .(1)

جاء في كتاب “القضيّة …..المسيح  للكاتب لي ستروبل

عن “بن ويزنجتون الثالث” مؤلف كتاب 

The Christology of Jesus

“..كان يسوع لديه وعي بالذات سامٍ وفائق . وبناء على الدليل

“هل آمن يسوع أنّه كان إبن الله ، مسيح الله ؟والأجابة نعم قال وبزنجتون  :

” هل رأى نفسهُ بإعتباره المسيا ألأخير؟ نعم، هذه هي الطريقة التي رأى بها نفسهُ. هل آمنّ أن اي إنسان أقلُّ شأنا من الله يمكنه خلاص العالم ؟ لا ، لستُ أؤمن بذلك “. قال الباحثون إن ّ إشارة يسوع المتكررة الى نفسه بإعتباره إبن ألأنسان لم تكن تأكيدا على الناسوت ، بل كانت إشارة الى دانيال “7 : 13-14″، حيثُ يُرى إبن ألأنسان وهو له السلطان الكلي والمُلك ألأبدي ، والذي يقبل عبادة كُلِّ ألأمم . قال باحث :” وهكذا ، فإنَّ تأكيد أنَّ يسوع إبن ألأنسان هو تأكيد على ألألوهية “.

قال إدوبن باموسب من جامعة ميامي – وهو خبير بارز في التاريخ القديم :” لدينا توثيق تارخي عن يسوع أفضل مما لدينا عن مؤسس أيّة ديانة قديمة أُخرى “. فالمصادر من خارج الكتاب المقدّس تؤيد أنَّ كثيرون آمنوا أنّ يسوع أجرى مُعجزات شفاء ، وأنَّهُ كان المسيا ، وأنَّهُ صُلِبَ ، وأنَّهُ رغم موته المخزي ، فإنَّ أتباعهُ الذين آمنوا أنَّهُ كان لايزال حيا قد عبدوهُ كالله .وثّقَ أحد الخُبراء 39 مصدرا قديما أكَّدت أكثر من مائة حقيقة حول حياة يسوع ، وتعاليمهُ ، وصلبِهِ ،وقيامَتِهِ. فهناك سبعة مصادر مدنية ، والعديد من القوانين المسيحية المبكرة تخص لاهوت يسوع ، وهو تعليم “حاضر تماما في الكنيسة ألأولى” وفقا للدكتور جاري هابيرماس الذي كتب “يسوع التاريخي “.

أمّا جاري كلولنز – أُستاذ علم النفس لمدة 20 عاما ، ومؤلف 45 كتابا متعلقا بعلم النفس – قال :”إنَّ يسوع لم يُبيّن مشاعر غير مناسبة ، بل كان متصلا بالواقع ، وكان لامعا ذات افكار مدهشة في الطبيعة ألأنسانية ، وقد تمتع بعلاقات مستمرة عميقة . واستنتج كولنز :” لا ارى علامات أنّ يسوع كان يعاني من ايِّ مرض عقلي معروف.” وبالأضافة الى ذلك ، فقد دعّم يسوع تأكيده بأنَّه الله من خلال ألأعمال ألأعجازية للشفاء ، والأظهارات المدهشة لسلطانه على الطبيعة ، والتعليم الذي لايُنافس ، والفهم ألألهي للبشر ، وقيامته التي كانت الدليل الجوهري لألوهيّته .(2)

يقول فيليب يانسي :”إنني ارى الآن أنّ حياة يسوع تواصل سيرها ، أو تُهاجم بناء على إدِّعائه أنَّهُ إبن الله . ولا أستطيع أن أثق في غُفرانه الذي وعد به ما لم تكن له السلطة التي تُدعم هذا الوعد. ولايمكنني أن اثق فيما قاله عن الجانب ألآخر من الحياة : “أنا ذاهب لأعد لكم مكانا “. ما لم أؤمن بما قاله أنَّهُ جاء من عند ألآب ، وسيعود الى هناك .

ومن المهم للغاية- ما لم يكن هو الله – أن انظر الى الصليب على أنّهُ عمل إلهي قاس أكثر منه محبّة وتضحية . ويقول الرسول بولس :”إنَّ الله  في المسيح صالح العالم لنفسه”.، وبطريقة يصعب فهمها إختبر الله في الصليب بنفسه . وإلاّ فإنّ الجُلجُثّة تُسجِّل في التاريخ على أنَّها إساءة لأنسان كوني ، وليس ما نسميه بالجمعة العظيمة (يوم صُلِبّ المسيح) “.

يسرد لنا فيليب يانسي قصة حدثت بجامعة هارفارد فيقول:

“يتذكّر جورج بتريك القس السابق بجامعة هارفارد عندما كان الطلبة يحضرون الى مكتبة ، ويعلنون:”أنا لا أؤمن بالله “، ويرد عليهم جورج بتريك بكلمات تُعطِّل فعالية هذا الأعلان:  “إجلس واخبرني اي اله لاتؤمن به . من المحتمل أنني أيضا لا أؤمن بالله “. ثُمَّ يبدا القس بتريك يتحدث إليهم عن يسوع الذي يُصحِّح كُلِّ إدّعاءاتنا عن الله .

وتميل كتب اللاهوت لتعريف الله بتعريفات احيانا تكون خاطئة :” الذي لايموت ، الذي لانراه ُ ، غير المحدود “. ولكن ماذا يُشبه الله ؟ بالنسبة للمسيحي ،فإنّ يسوع أجاب على مثل هذه ألأسئلة الهامة . لقد قال الرسول بولس عن يسوع أنَّهُ :“صورة الله غير المنظور “  لقد كان يسوع هو نسخة طبق ألأصل من الله : لأنَّ الله سُرَّ أن يُعطيهِ كُلِّ الملء . واقول كلمة واحدة :إنَّ الله هو شبه المسيح . لقد قدَّم لنا المسيح  الله مجسَّدا الذي إمّا أن نأخُذُهُ أو  نتركهُ، نُحبُّهُ أو نتجاهَلَهُ. ففي هذا النموذج المجسَّم يُمكِنُنا أن نرى ملامح الله بوضوح أكثر …يجتمع الذين يؤمنون بالله في منازلهم الخاصة ، فيرنمون ، ويتحدّثون مع الله على أنّهُ اباهم (وهي الصلاة التي علمها يسوع المسيح لتلاميذه وتُسمّى الصلاة الربانية  ) . لم يعد هناك خوف ، ولا طقوس معيَّنة تُتَّبع ، لا داعي للذبائح ، والموت غير موجود في العبادة فيما عدا فريضة العشاء الرباني. بهذه الطريقة أدخل يسوع تغييرات عميقة في رؤيتنا لله . فقد اصبح الله قريب منا . ولليهود الذين لايجرؤون أن ينطقوا باسم الله ، جاء يسوع بالكلمة  الآرامية ” آبا ” ، إنّها كلمة مالوفة للآراميين للتعبير عن العواطف الأسرية ، فكلمة بابا أوّل كلمة يطلقها الطفل ، ولكن قبل المسيح لم يفكر احدٌ على ألأطلاق بالنطق بكلمة (أبانا)  ليهوة إله الكون العظيم . وبعد المسيح اصبحت كلمة التخاطب المتداولة حتى في المجتمعات اليونانية ، وهم في ذلك يقلِّدون المسيح ، فاستعاروا الكلمة ألأجنبية ، ليعبّروا عن علاقتهم الوثيقة بالآب . يسوع المسيح أظهر تغييرات عميقة في رؤيتنا لله . فقد اصبح الله قريب مِنّا . واليهود الذين يعرفون إلها بعيدا عنهم . جاء المسيح برسالة تقول بأنَّ الله يهتم بِعُشب الحقل ويُطعِم عصافير السماء ويُحصي شعور رؤوسنا .إنّ يسوع يكشف لنا عن إله جاء يبحث عنا ، اله منحنا الحرية حتّى كلَّفهُ هذا حياة إبنهِ .إله يحب ويشتاق أن نُحبُّهُ.وهو يقول لنا :” لوكُنتم عرفتموني لعرفتم أبي أيضا”يوحنا 14 :6″   

حادثة حدثت عندما كان يسوع معلقا على الصليب صادقت على ألألفة الجديدة بالكنيسة الوليدة .يقول البشير مرقس :أنّ يسوع عندما كان يلفظ أنفاسه ألأخيرة :” إنشقَّ حجاب الهيكل الى نصفين من أعلى الى اسفل.كان هذا الحجاب بمثابة لقدس الأقداس حيث حضور الله . وكما كتب الرسول للعبرانيين : إنَّ شق الحجاب يبين بما لايدع مجالا للشك ما حقّقه موت المسيح . لم يعد هناك حاجة الى ذبيحة ، ولم يعد رئيس الكهنة يرتعش ، وهو يدخل قدس الأقداس (سقط الحاجز بين الله والأنسان بذبيحة المسيح الفادي للبشرية ).ونحنُ الذين في العصر الحديث قد عشنا في ظلِّ علاقة وثيقة جديدة مع الله لمدة طويلة حتى ان الأمر أصبح عاديا بالنسبة لنا . فنرنّم لله ، ونتحادث معه في الصلاة . وفكرة الذبيحة بالنسبة لنا تبدو شيئا بدائيا . إنَّنا ننسى بسهولة كم كلَّف هذه الأمر المسيح لكي ياتي بنا الى ألأقداس ، لنستمتع بالحضور ألدائم في حضرة الله . نحنُ نعرف الله على أنّه ابونا المحب على اساس عمل المسيح (أمّا الذين قبلوه ، المؤمنونَ بإسمِهِ ، فأعطاهم سُلطانا أن يصيروا أبناء الله “يوحنا 1 :12″ …إنَّ يسوع يكشف لنا عن إله يبحث عنا ، إله منحنا الحرية حتى كلَّفهُ هذا حياة إبنهُ . إله حسّاس وسريع التاثير . وفوق كل هذا فإن يسوع كشف لنا عن الله الذي هو محبّة.

“لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.” يوحنا 3 : 16″ (3)

أمّا كوستي بندلي في كتابه “الله والشر والمصير ” يقول:

“إنَّ يسوع ، على هذه الشفافية الناصعة لنور الله ، كشف لنا حقيقة الله كاملة ، إن بسلوكه أو بتعليمهِ

1 – بسلوكه :

أ – جواب يسوع عن سؤال يوحنا المعمدان الذي كان ينتظر شأنه شأن فرقة “ألأسينيّين ” وهم رهبان يهود عاشوا في ذلك العصر (راجع مخطوطات قمران)، الذين كانوا يؤمنون أن يأتي الله بقوّة ساحقة ليبيد أعدائه ويقيم على أشلائهم مملكة البرّ “متى 3 : 10-12″هاهي الفاسُ على أُصول الشجر..” وقد إعترف ، يوحنا المعمذان ، بالروح على أنّ يسوع هو المسيح المُنتظر .”متى 11 :2،3″ .

عندما سمع يوحنا المعمذان ، وهو في السجن ، بأعمال المسيح ، أرسل إليه بعض تلاميذه ، يسألهُ :”أأَنتَ هو ألآتي (اي المسيح المنتظر)، أم ننتظر غيرك؟. أدرك يسوع قصد يوحنا من سؤاله فما كان جوابه اليه؟:

“إذهبو أخبروا يوحنا بما تسمعون وترون : العُميُ يُبصرون ، والعُرجُ يَمشون ، والبُرصُ يطهَّرُون ، والصُم يَسمعون والموتى يقومون والمساكين يُبشِّرون . وطوبى لِمَن لايشكُّ فيَّ”. وكأنّه يقول له : إنَّك تنظرأن يُعلن الله عن نفسه بالغضب الساطع المُدّمِر : ولكنه بالفعل إنّما يكشف إقترابه بالرحمة المُحبّة والمحرّرة الممنوحة لمسحوقي ألأرض والتي سبق للنبي أشعيا ان تحدث عن بزوغها في يوم مجيء الرب “اشعيا 26 :19 ،29 :18 ، 35 :5 ،16 : 1”

يوحنا المعمذان شهد على حقيقة كون يسوع المسيح جاء من السماء اذ يقول :“من جاء من فوقُ، فهو فوقَّ الناس جميعا . ومن كان منَ ألأرض ِ ، فهو أرضيٌّ وبكلام أهل ألأرض يتكلَّم . من جاء من السماء ، فهو فوق الناس جميعا ، يشهد بما رأى وسَمِعَ ولا أحد يقبلُ شهادَتُه . من قبل شهادتَهُ شهد أنَّ الله صادق  ..”يوحنا 3 :31- 33″.

وهذا ما قاله يسوع المسيح لنيقاديمس رجل الدين اليهودي :

“ما صعَدَ أحدٌ الى السماء الاّ إبنُ ألأنسان الذي نَزل مِنَ السماء .”يوحنا 3 : 13″.

وقال يسوع للفريسون والعلماء اليهود:”…أنتم من أسفل أمّا أنا من فوق .. أنتُم مِن هذا العالم . وما أنا من هذا العالم ” يوحنا 3 : 23 “

أمّا شهادة الحق فلن تُفرض نفسها بالقوة الساحقة بل بشق طريقها عبر إخلاص حتى الموت …والقيامة .

بهذا البرنامج الذي رسمه وحققه المسيح لرسالته ، قلب المفاهيم الشائعة عن نمط تدخل الله في ألأرض ليقيم فيها مملكته . وإنّنا لنجد ذات البرنامج في تلك الخطبة التي القاها يسوع في مجمع الناصرة ودشن بها رسالته :“روح الربَّ علي لأنّهُ مسحني لأْبشّر المساكين ، أرسلني لأنادي للأسرى بالحريّة ، وللعميان بعودة البصر اليهم ،لأحرِّر المظلومين,وأُعلن الوقت الذي فيه يقبلُ الربُّ شعبه “لوقا 4 :18″

ب – جواب يسوع على طلب وجّهَهُ اليه يعقوب ويوحنا إبنا زبدي ، اللذان طلبا من يسوع المسيح ان يُنزل النار على قرية للسامريين لأنهم رفضوا استقبال المسيح والتلاميذ ، فانتهرهما يسوع (لوقا 9 :51-54) ووصفهما ب”اولاد الرعد”  وقال لهمها “: لستما تعلمان من أيّ روح أنتما ،” فإنَّ إبن ألأنسان لم يأتي ليهلك نفوس الناس بل ليخلّصها”.”الله ارسل إبنه الى العالم لا ليدين العالم ، بل ليُخلِّص به العالم ” يوحنا 3 :17″

ج- تصرف يسوع عند القاء القبض عليه كانت صورة المسيح (ألآتي) مقترنة في الذهنية اليهودية التي نشا عليها التلاميذ وتشبَّعوا منها ، كانت مقترنة بصورة ألأقتدار الكلي والجبروت . فالمسيح ، بموجب هذه الذهنية ، وإن لم يكن قد إتَّضح جليا بعد أصله ألألهي، إنَّما كان يُعتَبَر بحق ممثل الله في ألأرض ، والمُنفّذ ألأسمى لمقاصده في التاريخ . من هُنا ألأعتقاد الشائع بأنَّهُ سيسود في ألأرض دون مُنازع ،لأنَّ قُدرة الله ستسحق ألأعداء تحت قدميهِ . لذا لم يكن يؤبه لتلك المقاطع الغامضة من نبؤءة إشعيا النبي  المتعلقة بشخصية “خادم الرب ” المتألم ” وبغيرها من النبؤاة المماثلة ، التي تُصوّر المسيح على أنَّهُ “رجل اوجاع”راجع اشعيا 53″، وبالعكس كانت تُبرز الى الواجهة نصوص تؤخذ بمعناها الحرفيّ وهي تتحدَّث عن عزَّة المسيح وإقتداره الساحق ” قال الربُّ لربّي : إجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئا لقدميك “مزمور 110”  .”عصا قوّة يرسل لك الرب من صهيون فتسود وسط اعدائك  … معك الرئاسة في يوم قوّتك ..”..الخ

تلك هي بالضبط الصورة التي قفزت الى أذهان التلاميذ عندما تيقّنوا بأنَّ يسوع هو مسيح الله .يسوع خيّب آمالهم واحلامهم  ، فيُعلن المرّة تلو المرة عن قُرب آلامه وموتهه ، والتلاميذ لايفهمون . وكيف لهم أن يفهموا أن يفشل المسيح في إقامة ملك ظاهر في ألأرض . بمجرَّد التفكير بفشل المسيح كان يُزعزع مُجمل تصوّرهُم عن الله ، إذ كيف يُعقَل أن يقبل الله بفشل ممثّلُهُ ومُنفّذ أوامره دون أن يُزلزل ألأرض بالمتآمرين ويسحقهم سحقا ويبيدهم من أمام وجههِ …لقد كان إنباء يسوع عن إقتراب آلامه ، وما تراءئ لهم عبر هذا ألأِنباء من ضعف ظاهري لله نابع من إحترامه المُذهل لحُرّية المخلوق . لقد كان هذا ألأعلان بمثابة طعنة عنيفة للتلاميذ ، فثار بطرس وزجَر يسوع على كلامه هذا ، فنال منه جوابا قاسيا وبَّخَهُ فيه المُعلّم على إنقياده الى “أفكار الناس” (الناس الذين تشوّهت فيهم صورة الله فلم يعودوا قادرين على تصوّره بغيرصورة ألأله الساحق الماحق) دونَ “افكار الله “

يقول الله على لسان إشعيا النبي :

«“لأَنَّ أَفْكَارِي لَيْسَتْ أَفْكَارَكُمْ، وَلاَ طُرُقُكُمْ طُرُقِي، يَقُولُ الرَّبُّ.” إش 55: 8″

لقد صعقوا التلاميذ حين أتى الجُند ليلا ووضعوا اليد على مسيح الله دون أن تنشقُّ ألأرض وتَبتَلِعَهم . وكأنّى ببطرس ، في تلك اللحظة الرهيبة ، يقوم بحركة يائسة يُعبِّر فيها عن مرارة إنهيار أحلامِهِ ، فيستلّ سيفهُ ويضرب به أحد خُدام رئيس الكهنة فيقطع أذُنِهِ . وإذا بيسوع يُعاتِبُهُ في هذه المرّة ايضا فيقول له :

إغمد سيفك ّ ، فمن يأخُذ بالسيف يهلُك. أو تظُنّ إنّي لا أستطيع أن اسال ابي فيمدُّني في الساعة بأكثر من إثني عشر فيلقا من الملائكة ؟ (متى 26 :52)

وكأنّ المسيح يقول له : إنّ الله كُلّي ألأقتدار فعلا ليبيد أعدائي واعداءهُ …ولكن الله يعلو على إقتدارهِ هذا لأنّهُ محبّة “حنونيّة ” ،(ذلك هو “الحب الجُنوني ” الذي تحدّث عنهُ مكسيموس المعترف ونقولا كاباسلاس ) يحترم حُرّية المح*بو-ب ، الى حدّ القبول بمعاناة رفضهِ الكامل ، القاتل ، لها . من هُنا إنَّني لم أسأل أبي أن يتصرَّف خلافا لحقيقته ، وهذا هو معنى هُتافي “لا كما أنا أشاء ، بل كما أنتّ تشاء” .ذلك الذي أطلقتهُ في بستان الجسمانيّة حيث عُشتُ المخاض العسير الذي عبره سطعت في إنسانيّتي صورة الله على حقيقتها الناصعة العجيبة .إنّ سلوك يسوع المسيح هذا عبّر عن وجه الله الحقيقي المُتجلّي في إنسانيّة المسيح . من هنا لايُمكن أن تكون لنا معرفة صحيحة عن الله ، معرفة لاتشوبها اسقاطاتنا ، إلاّ تلك التي نجنيها من رؤيتنا لأنسانية يسوع . بهذا المعنى قال السيّد :”من رآني فقد راى الآب”يوحنا 14 :9″ وايضا:”لايعرف ألآب إلاّ ألأبن ومن أراد ألأبن ان يكشف له “متى 11 :27”. وعن المسيح قال الرسول بولس إنّهُ “صورة الله الذي لايُرى”كولوسي 1 : 15”: “الله واحد والوسيط واحد بين الله والناس وهو ألأنسان يسوع المسيح “1تيموثاوس 2 : 5”

2- بتعليمه

ومما يؤكّد كون يسوع أيَّد بتعليمه عن الله صحّة صورة الله  التي تتجلّى في سلوكه ألأنساني . فمثلا نرى أنّ محبة ألأعداء التي نادى يسوع بها إتّخذت نموذجا لها سلوك الله نفسه ،بحيث تبيّن بأن الله ليس ألأله المنتقم الذي يقابل الشرَّ بالشرّ ، بل هو ذاك الذي يُنعم بخيراته على ألأخيار وألأشرارعلى حدّ سواء ، ذلك الذي هو “رحيم “أي واسع القلب الى حدّ أنّه يشمل برحابة حُبِّه ألأبرار والأثمة . “أحبّوا أعداءكم ……فتكونوا بني ابيكم الذي في السماوات ،لأنّه يطلع شمسه على ألأشرار والأخيار ، وينزل غيثه على ألأبرار والفُجّار “مى 5 : 44-45”. …كونوا رُحماء كما أنَّ أباكم رحيم “لوقثا 6 : 35 -36 “(2)

هكذا يسوع المسيح وهو مسمّر اليدين والرجلين على الصليب ، أشفق على صالبيه الذين كانوا يستمتعون بتعذيبه وتعييره وإذلاله والأستهزاء به ، فطلب من أبيه السماوي ان يغفر لهم قائلا:” إغفر لهم يا ابي  لأنَّهم لايعرفون ماذا يعملون “لوقا 23 :34 “.

 

المصادر

الآيات المشار اليها بين ألأقواس هي مقتبسة  من الكتاب المقدس

وموضوع المقال مقتبس من  الكتب التالية:

( 1) كتاب “المسيح الذي لم اكن اعرفهُ ” للكاتب فيليب يانسي 

(2) كتاب “القضية…المسيح ” للكاتب لي ستوبل

( 3  ) المصدر (1) اعلاه

 (4)كتاب “الله والشر والمصير” كوستي بندلي

 

 
Exit mobile version