مقالات عن مانكيش

منكيش الجمال والعطاء / المطران مار يوحنا قلو /الحلقة 14

: الدكتور عبدالله مرقس رابي
منكيش الجمال والعطاء
المطران مار يوحنا قلو / الحلقة 14

الدكتور عبدالله مرقس رابي
باحث اكاديمي

ولد المطران ماريوحنا قلو في منكيش سنة 1922 في عائلة كرست من أبنائها في خدمة مذبح الرب(اسمه ” ميخو “والده هو الشماس ايشو ابن القس حنا قلو الذي سمي باسمه المطران ماريوحنا،  ووالدته( وردية) بنت توما ابن القس كوركيس رابي،والاب الراهب شليمون ايشو قلو المتوفي في 2- 5 – 1919 هو عمه أيضا.بعد أن أكمل الدراسة الابتدائية في منكيش ،دخل معهد مار يوحنا الحبيب في الموصل ،أُسيم كاهنا في 15 -5 -1947 مع رفيقه القس (عبدالاحد صنا )بوضع يد ( مار روفائيل ربان ) مطران العمادية ما بين ( 1947 – 1957 ).

ألمطران مار يوحنا قلو (كان كاهنا عند التقاط الصورة) واقفا بين ألأب بولص جنتو (على اليسار) وألأب داود بفرو (على اليمين) وهذا ألأخير كان تلميذا في السمنير آنذاك

خدم مدة طويلة في قرى أبرشيته التي ضحى كثيرا من أجلها متنقلا بينها في أيام الشتاء الباردة وعبر الثلوج المتراكمة ومستخدما الحيوانات للتنقل آنذاك لعدم وجود طرق مبلطة تربط تلك القرى، وقد نال محبة  واحترام الاهالي في القرى التي خدم فيها منذ أسامته ،ومن هذه القرى ( العمادية ، ارادن ، داويدية ، خرماش ، ميزي ، بادرش ، بيث عيناثا واينشكي )،وبعد اندلاع الثورة الكردية في مطلع الستينات من القرن الماضي ،أضطر سكان هذه القرى الى تركها والهجرة الى المدن الكبرى في العراق بحثا عن الامان لان المنطقة أصبحت ساحة المعارك بين الجيش والثوار الاكراد ،وعلى أثرها بدأ خدمته المطران ماريوحنا وهو كاهنا في قريته منكيش التي لم يفارقها أبدا بالرغم من كل المحن والظروف القاسية والمضطربة التي تعرضت لها أثناء الخدمة في كنيستها، فمكث فيها في أحلك الظروف وأقساها .

أقامه مطران العمادية ( مار روفائيل بيداويذ ) 1957 – 1966 نائبا عاما له ورقاه الى مرتبة الخورنة سنة1964 ،وعُين مدبرا بطريركيا لابرشية العمادية بعد وفاة المطران ( مار قرياقوس موسيس ) سنة 1968 – 1973 ،ثم أُنتخب مطرانا خلفا له لابرشية العمادية .وجرت رسامته في بغداد صباح الاحد 16 – 12 – 1973 مع رفيقه( مار يوحنا بولس ) مطران زاخو وفي كاتدرائية أم الاحزان على يد ( مار بولس شيخو ) بطريرك بابل على الكلدان ،وأتخذ من كنيسة مار كوركيس في منكيش مركزا لادارة الابرشية. وبعد وفاة المطران ( مار اسطيفان كجو ) مطران زاخو بحادث سيارة على طريق زاخو – بيرسفي سنة 1987 عُين المطران قلو مدبرا بطريركيا لابرشية زاخو سنة 1987 ،فأصبح راعي للابرشيتين،وجعل المطران مار يوحنا مقر اقامته في دهوك في كنيسة الانتقال ،وبعد أنهاء بناء كنيسة مار ايثالاها تحول اليها ،وذلك لانها ،أي دهوك تتوسط الابرشيتين مما تُسهل عملية الادارة الرعوية لهما .

كنت أزور المطران ماريوحنا قلو في قلايته في كنيسة الانتقال في دهوك في عطلة نهاية الاسبوع أثناء سفري الى دهوك ، فرأيته على الدوام منشغلا في ادارته الرعوية ،ولم يكن رجلا دينيا فحسب ،بل مرشدا أجتماعيا وأبا روحيا ،فتراه في صومعته المتواضعة تطالعك عيناه المبتسمتان دوما ،حين تحدق فيهما تنفذ في أعماقك سكينة روح هذا الانسان الذي دأب منذ تسلم منصبه على بذل الجهود ليكون في خدمة أبناء رعيته ،وأستطاع أن يكون مثلا لرجل الدين الذي جعل من الحياة الدنيا وسيلة لخلاصه ،ولم يجعلها غاية يخسر من أجلها الروح ،فهو بتواضعه الكبير ومحبته وصلواته قد منح الناس أملا جديدا وحبا أبويا .

كان المطران مار يوحنا قلو حريصا على المؤمنين في ابرشيته ،فيحثهم على الالتزام الديني والمحافظة على التراث الديني و الاجتماعي ،وعُرف في محبته لوطنه وأرضه وقريته ،فغالبا ما نادى وعمل في سبيل جمع شمل الاهالي الى قراهم بعد أن هجروها الى المدن ,ولم يكن من المشجعين للهجرة الى بلاد الاغتراب أبدا ،فكم كنت أراه يتحسر عندما يسمع أحدا من أبناء منكيش قد هاجر ،وكان يتألم كثيرا عندما ياتيه أحد ليودعه وتتدفق الدموع من عينه قائلا لا أشجعكم على مغادرة بلدكم ،ولكن ما العمل هذا قراركم وما لي الا أن أُصلي من أجلكم .

نال المطران مار يوحنا قلو رضى الجميع  وأحترامهم ، أبناء الابرشية والمكونات الاخرى من سكان محافظة دهوك  ،وقد حقق مكانة عالية تليق براعي الابرشية ،حيث كون علاقات وارتباطات مع كافة المسؤولين في الحكومة ،وأصحاب النفوذ وشيوخ العشائر الكردية مبنية على التفاهم والاحترام المتبادل ،فتمتع بسمعة طيبة في اقليم كوردستان، وكان رايه في القضايا الهامة مسموعا لدى كل المستويات الرسمية وغير الرسمية عند استشارته،وركز في كل المناسبات على العيش المشترك وتحقيق الامان والتضامن والاخوة بين الجميع ،ومبادرا على خلق الاستقرار الاجتماعي وكثيرا ما كان يحاول تجنب حدوث المشاكل الاجتماعية ،وتراه دائما المبادر في حلها اذا وقعت من خلال علاقاته الواسعة مع كل الاطراف.

أُنجزت مشاريع كنسية متعددة في عهد المطران مار يوحنا قلو، وقد تم ترميم كنيسة ماركوركيس في منكيش وبنى دارا للكنيسة ،وأستقر فيه وثم أصبح دار الكهنة عندما انتقل الى دهوك. وأنشأت كنيسة مار ايث آلاها في مدينة دهوك لتصبح الكاتدرائية الى يومنا هذا.وبنت في أيامه جمعية الكاريتاس كنيسة مار يوسف في الحي العسكري في مدينة دهوك،وكنيسة ماركوركيس في شيوز والعذراء ام الرحمة في سميل وثم مركز التعليم المسيحي في منكيش .ولتعرض كنائس ابرشية العمادية الى الهدم بسبب ظروف الحرب أو من قبل الحكومة المركزية في حملة الانفال ،حرص المطران ماريوحنا قلو الى بنائها من جديد ومنها ،كنائس: مار قرياقوس في كوماني،ومريم العذراء في بيناثا ،ومارت شموني في اينشكي ،ومار كوركيس في بادرش ، وقلب الاقدس في أرادن، ومار كوركيس في تنه ، ومار يوحنا في داويدية ، ومارت شموني في بيبوزي ، وماركوركيس في آزخ والقديسة تريزةالطفل يسوع في هرماش،هذا وبالاضافة الى رسامة عشرات الشمامسة في الابرشية.

وعليه بذل المطران مار يوحنا قلو جهودا أستثنائية في خدمة رعيته لمدة 55 سنة في ظل ظروف متغيرة سياسيا وامنيا منذ سنة 1947والى أن تقاعد في سنة 2002 وفقا للقوانين الكنسية لبلوغ العمر التقاعدي من الخدمة.ولكن كانت ارادة الرب لكي ينتقل الى ملكوته السماوي في صباح يوم السبت المصادف7 -9-  2002 على أثر حادث سيارة في طريقه من بغداد الى دهوك .وفي موكب ضخم من المؤمنين والمسؤولين وأبناء قريته وابرشيته نُقل جثمانه الطاهر الى قريته منكيش التي أحبها كثيرا ،ودفن في كنيسة مار كوركيس في جهة مذبح ماركوركيس مابين الباب الشرقي المخصص للرجال وجرن المعمودية تحديدا.

ألمطران مار يوحنا قلو عند لقائه بالحبر ألأعظم البابا يوحنا بولس الثاني ومعه الاب داود بفرو ..

 

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!