مقالات عن مانكيش

منكيش الجمال والعطاء / الحلقة 21 / تطور التعليم

الدكتور عبدالله مرقس رابي
منكيش الجمال والعطاء / الحلقة 21
تطور التعليم
الدكتور عبدالله مرقس رابي
باحث أكاديمي
تعد البيانات المتعلقة بالتعليم من المؤشرات المهمة للحكم على التطور الثقافي والاجتماعي للمجتمع، حيث أصبحت نسبة المتعلمين العالية في المجتمع هي المقياس الاساسي لوضعه ضمن المجتمعات المتقدمة ، وهو من العوامل الاساسية التي تُحدث التغيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والنفسية في أية مجموعة بشرية .أذ أن للتعليم أثرا كبيرا في التنظيم الاجتماعي للاسرة من حيث معدلات الزواج والعلاقات السائدة بين الزوجين ،وبين الاباء والابناء من جهة أخرى،وفي معدل الانجاب في الاسرة ،وتؤثر الحالة التعليمية في المراكز الاجتماعية والاقتصادية للافراد ،فأصبحت من العوامل الاساسية  لانتقال الفرد ضمن سلم الطبقات الاجتماعية لاكتسابه المهن الراقية التي تؤهله لتحقيق مكانة أجتماعية مُؤثرة في المجتمع، ويؤثر التعليم أيضا في مواقف الفرد وأتجاهاته الفكرية ونظرته الى الحياة ،فهو العامل الاساسي في تغيير القيم والتقاليد والعادات الاجتماعية .
كانت منكيش ولا تزال من النواحي العراقية التي أبدى أهلها أهتماما منقطع النظير في التعليم ،بدليل تقبل الاسر في الماضي ودفع أبنائها من الذكور والاناث الى التعليم بمرور الزمن سواء من قبل المقيمين في البلدة أو المهاجرين لبلدان الانتشار،فاينما ينتهي المطاف بهم يكون التعليم من أولوياتهم الحياتية ،فيدفعوا بأبنائهم للدراسة وتحصيل المعرفة مهما كلف ذلك من التضحيات . وقد تغيرنمط الحياة الاجتماعية في منكيش منذ دخول التعليم اليها تدريجيا ،فلغاية سنة 1968 حيث تأسست اول متوسطة فيها ،كان التلاميذ الذين ينهون دراستهم الابتدائية يتوجهون الى المدن لاكمال دراستهم ،وبل لا يزال كل من ينهي دراسته الاعدادية يتوجه الى المدينة لاكمال دراسته الجامعية ،وثم يبدا البحث عن العمل في المدينة لعدم وجود فرص العمل بمستواه الدراسي في البلدة ،وعليه كان التعليم عاملا مهما ومشجعا للهجرة من منكيش نحو المدن العراقية .
مدارس منكيش
التعليم الابتدائي
لم يُذكر وجود مدرسة رسمية تديرها الدولة في منكيش قبل العشرينات من القرن الماضي ،بل أن الكنيسة تولت مهمة التعليم فيها أسوة بالمناطق الاخرى المسيحية حيث  للكنيسة دورا كبيرا في الاهتمام بالتعليم ،فقد أدارت الكنيسة في منكيش مدرسة كانت بنايتها تقع شمال الكنيسة الحالية والى الشرق من دار ” همي شلي ” تماما ، ولا توجد معلومات عن زمن بنائها وعدد تلاميذها ،الا ما حدثني عنها والدي ” مرقس ميخو رابي ” الذي كان أحد تلاميذها قبل العشرينات فقط ، حيث ذكر ، من المعلمين فيها القس هرمز كيشي والشماس المعروف ديشو مرا .ولعبت دورا كبيرا في تعليم أبنائها العلوم الدينية ولغة الطقوس الدينية ” الارامية ” وبعض المواد التاريخية والفلسفية وكان الهدف الاساسي لتلك المدرسة هو أعداد شمامسة لكنيسة مار كوركيس ،وبعضهم رُسموا كهنة متزوجين بحسب الكفاءة والرغبة.
بعد أستحداث منكيش كمركز للناحية مطلع العشرينات من القرن الماضي ،تأسست أول مدرسة رسمية بأسم “مدرسة منكيش الابتدائية ” واستاجرت الدولة بناية المدرسة الكنسية المار ذكرها اعلاه ،وعليه تقلص دور المدرسة الكنسية لاستحداث المدرسة الرسمية فأخذت الكنيسة بالاستمرار بتعليم اللغة والطقوس الدينية للطلبة ضمن دورات تقيمها بأشراف الكهنة ،وكانت تلك الانشطة التدريسية الدينية تُقام في عطلة الاسبوع شتاءاً وأيام الصيف في بناية الكنيسة نفسها،الى جانب تدريس الدين واللغة في المدرسة الرسمية .

أستقبلت المدرسة التلاميذ بحسب التعليمات الرسمية للدراسة ،ولمن بلغ السادسة من العمر ،وكان الاقبال للدراسة واضحا لدى أبناء منكيش منذ ذلك الحين ،ولا توجد أحصائيات عن عدد التلاميذ في تلك المدرسة  ،وكانت مبنية من الطين واللبن ،،وكان المدير ،ألياس مدالو ” ومن المعلمين ” يوسف الرئيس ” من ألقوش في سنة 1933  . ويبدو أن تلك البناية بدت لم تصلح للدراسة بدليل ان المدرسة انتقلت عام 1935 – 1936 الى دار ” يونان مرخو ” وبعدها الى دار ” يوسف جركو ” .
وبعد تبرع ” بولص دنو ” بأرضه ،تم تشييد مدرسة جديدة من الحجر والطين ،وقد بلغ عدد التلاميذ فيها سنة 1942 ” 100 ” من البنين والبنات . وكان من معلمي هذه المدرسة ” يوسف يوسف جركو ” الذي يعد أول معلم منكيشي ،وفي سنة 1947 بلغ عدد المتعلمين في منكيش بحسب الاحصاء الرسمي ” 135 ” متعلما من الذكور ،و ” 14 ” متعلمة من الاناث ويعادلون 14.6% من مجموع السكان في القرية من الذين تتجاوز أعمارهم “5 ” سنوات ،مما يدل على أنخراط الاناث في الدراسة من أهالي منكيش الى جانب الذكور ، واما في السنة الدراسية 1949 -1950 بلغ عدد التلاميذ ” 139 ” ومن ضمنهم “8 ” بنات وهن ، مفيدة شمعون في الصف الثاني، سرة أيشو في الصف الثالث، فكتوريا بطرس في الصف الثالث، فضيلة حنا في الصف الثالث، كاترينة هرمز في الصف الثالث ، وارينة أسحق في الصف الثالث، نازي أيشو في الصف الثالث، شموني توما جركو في الصف الخامس . ومن معلمي هذه السنة ” شمعون افندي “و ” بهنام سليم حبابة ” من أهل الموصل الذي عُرف بحبه وتعلقه بمنكيش ،أذ كتب مقالا وصفيا قصيرا عنها ونشر في مجلة النجم الموصلية عام 1954 .

وفي سنة 1951 شيدت مدرسة جديدة في ارض وقف للكنيسة جنوب القرية تماما ،وفي السنة الاولى من الدراسة فيها تعرضت الصفوف الى تسرب مياه الامطار في الشتاء ،فتوزعت الصفوف في دور القرية وتحديدا في دار كل من :كوركيس جونا رابي ،هرمز توما قاشا ، يوسف توما مقدو ، داود شلي ، عوديشو شمعون صنا، وهي الان خربة ،وفيما بعد شيدت مدرسة جديدة عصرية كبيرة من الكونكريت المسلح ،وتكونت من ” 12 ” غرفة وقاعة كبيرة .وقد بلغ عدد التلاميذ عام 1952 ” 176 ” تلميذا ،وكان مدير المدرسة ” يوسف جركو ” ومن معلميها ” بولس ديشو مرا “.  ونظرا لتزايد عدد الاناث في الدراسة ، وقد تاسست مدرسة منكيش للبنات سنة 1957 – 1958 وخصصت دار ” عوديشو صنا ” الواقعة في محلة السوق لها ،وثم أصبحت مدرسة مزدوجة في البناية الحديثة مع ابتدائية البنين ،وبلغ عدد التلميذات في السنة الدراسية المذكورة آنفا ” 150 ” تلميذة .

وأما في سنة 1995 من خلال المسح الميداني الذي قمت به ،وجدت بنايتين جديدتين للابتدائية واحدة للبنات والاخرى للبنين ، وبناية للروضة ،ولكن بسبب الظروف السائدة لم تُستغل للدراسة ،بل كان التعليم مختلطا في المدرسة القديمة وبلغ عدد تلاميذها من الذكور والاناث ” 125 ” فقط ، ويبدو أن عدد التلاميذ قد أنخفض بالنسبة للسنوات السابقة ،ويرجع السبب الرئيسي الى انخفاض عدد سكان منكيش بسبب الهجرة الى الخارج. وفي 22 / 11 / 2009 بوشر بوضع اساس لبناية جديدة للابتدائية في منكيش مكونة من ثلاث طوابق . وبحسب الاحصائية التي اوردتني من مديرية الناحية ،تبين وجود سنة 2013  ثلاث مدارس ابتدائية والاساس وبلغ عدد التلاميذ فيها ” 422 ”  من الذكور والاناث ،ويشمل العدد التلاميذ المسيحيين والاكراد المقيمين في منكيش .
التعليم الثانوي
كان أبناء منكيش بعد أنهاء دراستهم الابتدائية يتحولون الى مدينة دهوك لاكمال دراستهم وقسم منهم الى بغداد بعد ان هاجرت العديد من الاسر اليها ، وبالرغم من المعاناة المالية وصعوبة الظروف في المدينة وزيادة متطلبات العيش فيها ،الا أنهم تمكنوا من مواصلة الدراسة وحققوا أهدافهم العلمية والمهنية . ،واما أبناء الاسر غير المتمكنة أقتصاديا فلم يكن باستطاعة ابنائها من مواصلة الدراسة ،وقد ظلت هذه الحالة سائدة في منكيش الى سنة 1969 ،حيث بادر المطران ” مار قرياقوس موسيس ” بعد أن شعر بمعاناة أبناء البلدة في التواصل الدراسي ،فقرر فتح مدرسة متوسطة في البلدة لكي يوفر لابنائها فرصة مواصلة الدراسة وهم بين أحضان اسرهم ورعايتهم ، فكان في الحقيقة مشروعا عظيما وكبيرا لسكان البلدة لتوفير من نفقات الاسرة المنكيشية التي تخصصها للدراسة  ،أضافة الى الرعاية المباشرة  لهم وازالة معاناة الذين لم تتوفر الامكانات المالية للتحول الى المدينة ،فاصبحت الفرصة متوفرة للجميع لمواصلة الدراسة مهما كان مستواهم الاقتصادي .

المطران قرياقوس موسيس في احدى زياراته لابتدائية مانكيش يرافقه الخوري (انذاك) حنا قلو

ففي سنة 1968 حصل مار قرياقوس بفضل جهوده الرائعة على الموافقة الرسمية من الجهات الحكومية لتأسيس مدرسة متوسطة منكيش ،وبالتعاون مع الكنيسة حيث تبرعت بقطعة ارض وقف لها لبناء المدرسة عليها ،وساهم الاهالي بالعمل الشعبي ،اضافة الى تبرعهم بالاموال اللازمة لتوفير المستلزمات البنائية الاخرى ،تمكنوا من بناء المتوسطة من الطين واللبن ،وتكونت من خمس غرف ،وكان موقعها في الحي المسمى ” الشرطة ” الواقع الى الجنوب الشرقي من البلدة،وقد بادر في السنة الاولى من افتتاحها في التدريس معلمو المدرسة الابتدائية ،وفي السنة التالية عينت مديرية تربية محافظة دهوك اثنين من المدرسين أحدهما مختص في اللغة العربية ” داود ” من اهالي دهوك و” عبدالكريم ” المختص في الاجتماعيات من أهالي الموصل،وبوجودهما أُستغني عن معلمي الابتدائية  .وعلى مر السنين أكتمل النصاب من التدريسيين من مختلف الاختصاصات العلمية.
وفي سنة 1971 شيدت بناية جديدة من الحجر والكونكريت وكان موقعها في البيادر الجنوبية الواقعة على الطريق العام وتكونت من خمس غرف ،وثم شيدت سنة 1973 بناية كبيرة للثانوية مزودة بالمختبر وملحق للقسم الداخلي لابناء القرى المجاورة ،وملعب وحديقة ،وكان موقعها مقابل متنزه الاطفال على الشارع العام .وكان أول مدرس من أهالي منكيش الذي تعين في الثانوية هو ” مرقس حنا تبو ” في اختصاص الرياضيات، وقد كان حريصا على الطلبة للمواظبة على الدراسة وتشجيعه المستمر لهم ومتابعتهم لمواصلة الدراسة لاهميتها المستقبلية لهم .وتلاه “جورج يونان ” في اختصاص الفيزياء وكان أيضا من المدرسين الحرصين على الطلبة ومتابعتهم للدراسة وتشجيعهم لمواصلتها ،وثم تعين ” ميا شمعون قاشا ” في اختصاص الكيمياء و” كوركيس شابو خنجرو ” وانطوان يعقوب خنجرو في اختصاص الجغرافية و” خوشو أسكندر ” .
وفي عام 1980 شُيدت اعدادية منفصلة عن المتوسطة ،وهي الاخرى بسبب الظروف الامنية والحرب الايرانية العراقية لم تتوفر الفرصة لفرز الطلبة ،فظلت ثانوية مشتركة ومختلطة للبنين والبنات ،وبلغ عدد الطلبة فيها لعام 1995 ” 50 ” فقط .بينما بلغ عدد الطلبة في كل من المتوسطة والاعدادية لسنة 2013 بحسب احصاءات مديرية الناحية 377 طالبا وطالبة . ..

 

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!