مقالات دينية

الزواج الأسراري في المسيحية

الزواج الأسراري في المسيحية

الزواج الأسراري في المسيحية

بقلم / وردا إسحاق قلّو

 ( من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بإمرأته ، ويكون الإثنان جسداً واحداً ) ” أف 31:5 “

   في العهد القديم أمر الله المرأة بعد سقوطها في الخطيئة ، وقال ( إلى زوجك يكون إشتياقك ، وهو عليك يسود ) ” تك 16:3 ” . الله خلق حواء لكي تكون عوناً لآدم ( تك 18:2) وهنا لا يقصد بالعون خادمة ، بل لكي تجعله قادراً على إدراك معنى إنسانيته ودعوته إلى العيش في حب مشترك . الله خلق لآدم زوجة واحدة فلا يجوز تعدد الزوجات ، لكن سماح الله لآبائنا الأوائل من تعدد الزوجات كان من أجل إكثار النسل ، والرجال رأوا في تلك المحبة فرصة لإرضاء شهواتهم . وموضوع تعدد الزوجات لا يعني عندهم كسر الوصية . ولا يعتبروها خطيئة أي ( زنا ) بل الزنا في نظرهم هو أن يتعدى رجل على إمرأة رجل آخر كما فعل داود مع زوجة أوريا الحثي . وحتى الرب يسوع لم يناقش هذا الموضوع مع اليهود في زمانه . أما الأنبياء في العهد القديم فقد وقفوا موقف الضد من تعدد الزوجات عبر التصوير المجازي الذي يقدم الله كعريس على العروس ( شعب إس*رائي*ل ) . وعبر هذه العلاقة تم كشف البنى الشخصية للحب ، والمعيار الداخلي للإتحاد الزواجي ، لهذا يجب على الزوجين أن يكونان أمينين مع بعضهما لأن الله أمين مع شعبه . والشعب الإ*سر*ائي*لي الذي كان يترك إلهه من أجل عبادة الأوثان ، كان في نظر الأنبياء زنى .

   وفي العهد الجديد لم تشوّه تلك العلاقة بين الزوجين ، إنما يدفعها نحو الأفضل ، فيقول الرسول بولس ( ليخضع بعضكم لبعض بتقوى المسيح ، أيتها النساء ، أخضعن لأزواجكن خضوعكن للرب ، لأن الرجل رأس المرأة كما أن المسيح رأس الكنيسة التي هي جسده وهو مخلصها  . وكما تخضع الكنيسة للمسيح ، فلتخضع النساء لأزواجهن في كل شىء ) ” أف 5: 21-23″ . كما يأمر الرجل لكي لا يستخدم العن*ف المتعسف على زوجته ، لهذا قال ( أيها الرجال أحبوا نساءكم مثلما أحب المسيح الكنيسة ، وضحى بنفسه من أجلها ) فالعائلة هي كنيسة صغيرة ، كما هي المدرسة الأولى لتربية الأجيال . فالجر هو رأس العائلة فطاعة المرأة له هي دعوة لتبجيله وإحترامه دون خوف او مهابة . وهكذا حتى في العهد القديم كانت أمنا سارة تنادي إبراهيم ( سيدي ) .

   على الزوج أن يقدم الحب الصادق لزوجته بشكل يطابق حب المسيح للكنيسة والذي حققه في العشاء السري ، وقال ( لأن جسدي مأكل حقاً ، ودمي مشرب حقاً ) ” يو 55:6 ” . هكذا يجب على الزوجين تفعيل الحب الزواجي ، فالزوج يتحد بجسد زوجته كي يستلما هبة الحياة عبر وحدتهما الأسرارية ، فعندما يلتقيان أمام الكاهن على المذبح يبرزان نذورهما الأبدية بكل حرية ليعلنان عن الحب والأمانة حتى الموت . وهكذا يحققان مبدأ الخضوع لبعضهما البعض . فالطاعة بينهما تؤسس فعل الإصغاء لبعضهما ، أي الإنفتاح كل منهما على الآخر لإستيعاب حضور الآخر ضمن ممكّنات الوجود الشخصي . إنها طاعة الإنجيل .

   يقول الرسول بطرس ( طهروا نفوسكم في طاعة الحق كيما يحب بعضكم بعضاً حباً أخوياً صادقاً ، فليحب بعضكم بعضاً حباً شديداً من صمين القلب ) ” 1 بط 22:1 ” . كما لا يجوز التفكير في حب آخر خارج نطاق الزواج . لا وبل حتى التفكير في الموضوع الذي يصل إلى حدود الشهوة . لهذا قال يسوع ( إن كل من ينظر إلأى إمرأة ليشتهيها ، فقد زنى بها في قلبه ) ” مت 28:5″ . لقد قصد يسوع في هذا مقاومة الخطيئة من مصدرها الذي هو الفكر الإنساني قبل أن تدخل مضمار النية والعزم ثم الفعل الفاحش .

   نعود إلى مفهوم العلاقة بين الزوجين . فطاعة المرأة لبعلها لا تعني إلغاء شخصيتها فتسكت على كل شىء وحتى في إبداء رأيها ، إنما المطلوب منها هو أن تصغي إلى زوجها وترمقع بعين الحب من خلال الطاعة والمحبة ، وكذلك على الزوج أن يحبها ببذل ذاته ( حباً ) من أجلها . إذاً الآن وصلنا إلى النقطة المهمة وهي أن الزوجين متساويين في بذا الحب رغم إختلاف الأدوار , فالزوج يبادر في إخلاء ذاته عبر حب زواجي مقدس للزوجة ، وهي بدورها تستلم هذا الحب وتجيب عليه بنفس الدرجة . ولا يعني ذلك إلغاء الفروق بينهما ، بل يحتفظ كل منهما بأصله وكيانه .

   بعد الزواج المسيحي يصبح الزوجان جسداً واحداً في الرب ، أي ثالوثاً مقدساً ، فالرب الذي ربطهم في سر الزواج المقدس ، لا يفرقهم إنسان ( مت 19: 4-6 ) فعليهم أن يعيشا كجسد واحد إلى الموت ، والموت وحده هو الذي يفرقهم . وموضوع ( الجسد الواحد ) لا يعنى به الجماع الجنسي بينمهما بل يتعدى مشاركة الأجساد وحتى الممتلكات ، إلى المشاركة في الحياة ، والأفكار ، والأفراح ، والأحزان … إلخ .

   سر الزواج هو علاقة النعمة في العهد الجديد . والنعمة في حياة الزوجين تكون مؤثرة جداً تساهم في تحقيق هدف أسمى وهو العمل الخلاصي للزوجين . وهذا العمل أُعِدَ منذ الأزل . فالعروسان هما أوعية حب الله في العالم ، مدعوون جنباً إلى جنب مع العذراء مريم في جعل حياتهم علامة سماح لله لكي يكون حاضراً في العائلة وهو سرها الأساسي . فكما أن الآب والإبن والروح القدس هم عائلة متكاملة مستقلين ومختلفين ، لكنهم يعيشون في حب كامل تجاه بعضهما البعض . وحبهم المتبادل يربطهم معاً مع الله في وحدة مشتركة لا يمكن أن تنفصل . وهكذا يجب أن نرى الزوج والزوجة شخصيتين مستقلتين تصبحان واحداً بالجسد والنفس ، فيتحد الزوجان عبر الزواج الأسراري برباط الحب الدائم مع المسيح . إن الحب القائم بين الأقانيم الثلاثة ملتزم ، ومخلص ، ونهائي ، وغير مشروط ، وهو نفس الحب الواجب توفره في الزواج المسيحي ، فالحب بين الزوجين يشكل علامة أسرارية تعكس الوحدة الأسرارية بين الثالوث في الله . فَسّر الزواج هو علامة منظورة للواقع المخفي بقداسة ونعمة المسيح .

التوقع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
1 تعليق
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
اسحاق الجنو استراليا. سدني
اسحاق الجنو استراليا. سدني
2023-11-04 04:20

عشت أبو أوجين عزيزا على هذه المقالة التي تخص كل مسيحي ومسيحية نالا سر الزواج المقدس. تحياتي

زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!