الحوار الهاديء

القرار الانساني للمطران مار فرنسيس قلابات ،رسالة موجهة للجميع

الكاتب: الدكتور عبدالله مرقس رابي
ألقرار الانساني للمطران مار فرنسيس قلابات
رسالة موجهة للجميع
 
د . عبدالله مرقس رابي
باحث أكاديمي
 
                        واظبت أبرشية مار توما الرسول الكلدانية في ولاية مشيكن الامريكية في الاستمرار للعمل في خدمة شعبنا وأخص بالذكر بعد تهجيره من بلداته وقراه من قبل عصابات د*اع*ش الاجرامية، ليس لكونه كلدانياً أو سريانياً أو آشورياً ،بل لانه مسيحيٌ .ومن اليوم الاول من المأساة التي تعرض أليها شعبنا المسيحي بأثنياته الثلاث بدأت هذه الابرشية باستنفار كل طاقاتها وأمكاناتها الروحية والمادية لاجل أنجاز مهمات أنسانية وفي مختلف الميادين للمهجرين سواء من أستقر منهم في أقليم كوردستان العراق أو الذين لجأوا الى دول الجوار كمرحلة أولى لطلب الهجرة الى البلدان الغربية أو بقائهم هناك على أمل تحسن الاوضاع في العراق والرجوع الى ديارهم .
 ولتسارع الاحداث السياسية والامنية وأستمرار تواجد ابناء شعبنا من المهجرين خارج ديارهم على أمل تحرير بلداتهم ،ولتهاون وأهمال وتلكأ الحكومة العراقية وعدم جدية دول التحالف لشن حرب ضد العصابة الد*اع*شية لاسباب سياسية غامضة غير معروفه ، والصراع على آليات التحرير ومسك الارض بين العرب والكورد ،كثُرت وعود التحرير ولكن بدون جدوى.وبالمقابل ظل المهجرون يعانون الكثير بسبب ظروفهم غير المستقرة أقتصادياً وأجتماعياً وصحياً وتعليمياً وبيئياً ونفسياً ،مما أفرزت نتائجاً  وخيمة على جميع المستويات وفي كافة المجالات الحياتية وهم في أماكن تواجدهم السيئة.
 توالت المهمات التي قامت بها الابرشية على ألاثر البليغ لاستمرار معاناة شعبنا وفقدان الامل في رجوعه الى دوره  عن طريق جمع الاموال من أبنائها الذين تقاسموا الخبز مع أخوتهم المتضررين في حياتهم البائسة والسيئة للغاية في أماكن تواجدهم . وتُنجزالمساهماة بالطريقة غير المباشرة في تقديم التبرعات الى البطريركية الكلدانية وبدورها تقوم بمهمتها ، أو بالطريقة المباشرة حيث تقدم خدماتها مباشرة الى المهجرين في أماكن أقامتهم .
وقد توج راعي أبرشية مارتوما في مشيكن  المطران مار فرنسيس قلابات المساهمات المقدمة بقراره الانساني والابوي والرائع بكل أبعاده لتحمل مسؤولية كبيرة مهمة وشاقة وأساسية لكي تتوالى أبرشيته المسؤولية الكاملة للمساعدة الروحية والمادية بقدر المستطاع والمتاح للمهجرين من أبناء شعبنا من الاثنيات الثلاث المُقيمين في تركيا حالياً بطريقة مباشرة وبرعاية مباشرة من سيادته ومن كهنته ومن الغيارى من أبناء الرعية. 
وقد بذلت الابرشيات الكلدانية وبتعاونها مع البطريركية وتوجيهات غبطة البطريرك مار لويس ساكو جهوداً كبيرة بحسب أمكاناتها من أجل مساعدة المهجرين وبطرق مختلفة وأخص بالذكر ما قدمته في أاقليم كوردستان حيث تواجدهم فلم تتوانى أبرشية اربيل الكلدانية في مساعيها وخدماتها يوما ما في متابعة شؤون المهجرين في الاقليم ،بالاضافة الى المساهمات المالية للابرشيات الكلدانية في بلدان الانتشار .
ألا أن ما أقره راعي أبرشية مارتوما الرسول الكلدانية في مشيكن الامريكية له خصوصية متميزة لكونه مشروعا يُنفذ بعد قطع مسافات طويلة مقترنة بالمخاطر الامنية والصعوبات والتهديدات وتعرضهم للأنفجارات غير المتوقعة  لاضطرار تواجد الموفدين من الابرشية مباشرة مع المهجرين من أبناء شعبنا في تركيا ،تلك المنطقة الساخنة من العالم حالياً .وقد تعهدوا أبناء الابرشية الغيارى مع راعيهم وكهنتهم أن يزوروا المهجرين المنتشرين بين بلدات والمدن التركية مرتين على الاقل سنوياً.
تحقق في الزيارة الاولى من قبل سيادة المطران مار فرنسيس والوفد المرافق له عدة أمور تهم المهجرين ،منها الخدمات الروحية ،وألاخرى التنظيمية بحيث تشكلت لجنة من المهجرين في كل تجمع لكي تكون مسؤوليتها تنسيق الاتصال مع ابرشية مار توما في مشيكن ومع الحكومة التركية المحلية ، والاتصال بين المدن والبلدات حيث وجود أبناء شعبنا . ومن المهام الاخرى التي كُلفت بها اللجان هي أعداد الاطفال الى التناول الاول والتعليم المسيحي . كما طالب وفد أبرشية مار توما البرلمان التركي بتصنيف المهجرين وفقاً الى القوانين التركية لكي يحصلوا على بعض الامتيازات التي تساعدهم ،فحصلت الموافقة بعد تصويت البرلمان على أعتبار تصنيف المهجرين بفئة الاقامة ،وعلى أثرها منحت هذه الصفة أبناء شعبنا أمتيازات مهمة أساسية مثل الرعاية الصحية والمساعدات الانسانية الاخرى كالمدارس والمأوى والحماية والسماح لهم باقامة طقوسهم الدينية.
وأما في الزيارة الثانية للوفد برئاسة المطران مار فرنسيس قلابات وبرفقة الاب فادي فيليب والاعلامي شوقي قونجا من اذاعة صوت الكلدان في مشيكن ، تبين من حديثي مع الاخ شوقي هاتفياً أن الوفد الزائر بذل جهوداً كبيرة تجلت بالخدمات التي قدمها لابناء شعبنا من الكلدان والسريان والاشوريين المهجرين وأشتملت جوانب روحية وأجتماعية وتنظيمية ، حيث زار الوفد أحدى عشر مدينة يتواجد فيها المهجرين ،وأُقيمت القداديس ،وتم الاحتفال بالتناول الاول للأطفال الذين هيأتهم اللجان التي شُكلت في الزيارة الاولى ،أذ تبين للوفد أن تلك اللجان عملت بجدية وأخلاص في أعداد الاطفال للتناول الاول والتعليم المسيحي وأقامة الصلوات والاتصال بينهم .ولكي تتواصل الخدمات الروحية المقدمة لابناء شعبنا ،فقد كُلف الكهنة الكلدان في النمسا لتغطيتها في اعياد الميلاد وعلى نفقة أبرشية مار توما الكلدانية في مشيكن .وقد تبرعت الابرشية ببدلات التناول لجميع الاطفال المشمولين ،كما وصل عدد العوائل التي تبناها ( برنامج تبني عائلة ) الذي يعتمد على التبرعات السخية لأبناء أبرشية مار توما في مشيكن الى تبني ( 200 ) عائلة ليس لها مُعيل .
كما ألتقى الوفد مباشرة مع أبناء شعبنا لاستطلاع ظروفهم وأحتياجاتهم الاساسية ، ونقلها الى المسؤولين الاتراك ،حيث ألتقى الوفد مع حاكم المدينة التي يتواجد بها المهجرين وعرضوا عليهم مطاليبهم وبذل الجهود الحكومية لمساعدتهم . وحرصاً من الابرشية في الحفاظ على التراث الديني والثقافي لكنيستنا الكلدانية تمكن الوفد من الحصول على بعض المخطوطات التاريخية والطقسية القديمة ونقلها الى الابرشية لاستنساخها والحفاظ عليها من الاندثار والتلف والضياع ،بينما لم تتمكن من الحصول على بعض منها لان الحكومة التركية وضعتها في صنف المخطوطات الاثرية.وأثناء عودة أعضاء الوفد مكثوا في فرنسا لكي ينقلوا معهم بعض من المخطوطات الثمينة  التي أمتلأت غرفة القس المرحوم بطرس يوسف بها والتي أدهشت أعضاء الوفد لعددها الكبير وتوسط سرير القس تلك المخطوطات ،فحمل الوفد قسم منها الى الابرشية للحفاظ عليها من الضياع وأستنساخها.وقد تكون محاولة جمع ونقل المخطوطات التاريخية والطقسية للكنيسة الكلدانية مكملا للمشروع الذي بدأه سيادة المطران مار ابراهيم ابراهيم الاسقف الفخري المتقاعد لابرشية مارتوما حرصاً منه الحفاظ عليها من الضياع والتلف في ظل الظروف الامنية والسياسية المضطربة دائما في الشرق الاوسط حيث أنتشار كنائسنا .
وقبل وصول الوفد الى مشيكن ،بعث المطران مار فرنسيس الاب فادي فيليب الى لندن لكي يلتقي مع الاطباء الكلدان هناك للسعي في تشكيل لجنة ( الرحمة ) من الاطباء لمساعدة شعبنا المُهجر في العراق وتركيا أو في أية بقعة أخرى يتواجد فيها .
لهذه الالتفاتة الانسانية التي تأتي على أثر ما قرره سيادة المطران مار فرنسيس لمساعدة أبناء شعبنا المهجرين في تركيا بقدر الامكان والمتاح ،تعكس أبعادها النفسية والاجتماعية والدينية والاقتصادية على المسيحيين المهجرين في تركيا ،حيث ان تواجد وفدا من الابرشية باستمرار وبمتابعة مباشرة من لدن المطران قلابات ، عبروا أبناء شعبنا من المهجرين عن فرحتهم  لوجود من يتذكرهم ويشعر بمآسيهم وظروفهم الحياتية الصعبة جدا وفي كافة المجالات ،وقد تركت في نفوس أعضاء الوفد أثرا كبيرا في الاطمئنان والقناعة والثقة بالنفس عدما ألتقت أمرأة آشورية في تركيا من المهجرين الاخ شوقي وقالت : لا اريد منكم شيئاً ،أنما أحب التعبير عن شكري وفرحتي بكم وبمساعيكم ورعايتكم ومتابعتكم لنا جميعاُ فالرب يحفظكم .
نعم من الصعوبة جدا أن يحققوا أبناء شعبنا المهجرين في الشتات طموحاتهم وأهدافهم بفعل المساعدات التي يتلقوها ،أنما تواجد مباشر من قبل أبرشية كنسية من الروحانيين وفي مقدمتهم الاسقف الابرشي والعلمانيين معهم للبحث والتداول عن ظروفهم المعاشية له أبعادا نفسية للتخفيف عن معاناتهم ومنحهم الثقة بالنفس والاطمئنان والمساعدة في تنظيم شؤونهم الحياتية وعلاقاتهم بالجهات الرسمية .
اعتبر شخصياً ما قرره سيادة المطران مار فرنسيس قلابات وأبناء أبرشية مار توما الكلدانية في مشيكن وتنفيذهم الفعلي والميداني ما تم أقراره لخدمة أبناء شعبنا المهجرين من الاثنيات الثلاث الكلدان والاشوريين والسريان ،حيث أكد الاخ شوقي قونجا شمولية وتغطية المساعدات لجميع مسيحيي العراق المهجرين وبدون استثاء،أعتبرها رسالة تاريخية بمعانيها الانسانية الى الجميع لتكون نموذجا يقتدي به الاخرون.
فهي رسالة الى جميع الابرشيات في الكنائس الشرقية من الاثنيات الثلاث لكي لا يأخذ الاسقف الابرشي من كرسيه موضعاً للسلطة التقليدية،وأنما خدمة أبناء الابرشية وأخص منهم المضطهدين والمهجرين من دورهم  حيث تواجدوا باللقاءات الوجدانية المباشرة والاطلاع على مشاكلهم واحتياجاتهم الروحية على أقل أحتمال.
أنها رسالة الى جميع الكهنة الذين يرون أن خدمتهم الكهنوتية تقتصر حيث المنطقة التي يتواجد بها أهاليهم ويعم بها السلام والهدوء الامني والراحة،متناسين في ذلك ،المطلوب منهم التواجد مع المضطهدين ، والمتألمين  والمرضى والمحتاجين الى المأكل والمأوى والغذاء الروحي الذي لا يمنحه للبشر غيرهم.
وهي رسالة موجهة الى ممثلي شعبنا في البرلمان المركزي في العراق واقليم كوردستان ،لكي يقتدوا بها وأن لاينسوا  ويهملوا من رشحهم الى كرسي البرلمان ليتمتعوا بمنافعه ،فكم منهم كلف نفسه يوما ما وتفقد أحوال هؤلاء المهجرين من أبناء شعبنا في دول الشتات ؟ ويفعل كما تفعل أبرشية مار توما في مشيكن في التواصل مع البرلمان التركي لعرض طلبات واحتياجات المهجرين .
وهي رسالة موجهة الى سياسي شعبنا والاحزاب السياسية التي باتت جلية أنها لا ترى في الشعب غير أنه وسيلة لتحقيق أهدافها والطموحات والمصالح الشخصية لمنتسبيها ، فكم من مسؤول لحزب سياسي تفقد مناطق تواجد المهجرين في دول الشتات الذين توافدوا يوم الانتخابات لانتخاب ممثلي أحزابهم ويقدموا ما بوسعهم لشعبنا المنكوب.؟ كما يفعل أبناء أبرشية مار توما ،ولم يرشح أحدهم نفسه يوما ما ليكون برلمانياً ليخدمه الشعب ، بل العكس وهم أشخاص عاديون يخدمون الشعب  في يوم محنته ومآسيه ويخففون من آلامه ويقطعون الاف الاميال لكي يلتقوا مع أخوتهم وفي ظل ظروف مفعمة بالاضطرابات الامنية .
أنها رسالة موجهة الى كتاب شعبنا من الاثنيات الثلاث الكلدان والاشوريين والسريان لكي يقتدوا بها ويكفوا عن تشبثهم بالتاريخ لاثارة النعرات التسموية الاثنية واللغوية والمذهبية والتسمية القومية التي يحفزها ويثيرها السياسيون لاجل كسب عواطف الناس الانتمائية ليس لشيء بل لتحقيق مصالحهم الشخصية والحزبية .والكف عن البحث في أصالة أثنيتهم الحضارية واللغوية في مقالاتهم ومحاضراتهم التي لا تخدم،ولا تنفع، ليركزوا على الحاضر ويخططوا لمستقبل شعبنا بدون تمييز.فالاثنيات الثلاث هم شعب واحد من منبع واحد.   وشعبنا المهجر والمضطهد ليس بحاجة الى التسمية أو الاصالة بل الى الخبز والماء والمأوى والاستقرار النفسي والاجتماعي والرجوع الى بلداته ودوره المسلوبة .
وهي رسالة الى من يكتفي بالانتقاد لمؤسساتنا الدينية ولا يرى فيها الا بعض الهفوات السلبية عند بعض الكهنة ويعرفون حق المعرفة أنهم بشر مثلنا معرضين الى الخطأ ، ويهمل ما تقوم به من الاعمال الكبيرة والاستثنائية لمصلحة شعبنا أضافة الى واجبها الروحي فهي تنطلق من مبدأ رعاية مؤمنيها في كافة ظروفه وأماكن تواجده.
وتعد رسالة موجهة الى الرابطة الكلدانية الفتية ،وبعد أنتهاء السنة المخصصة للتنظيم الاداري لها ،أن تبادر كما تعمل أبرشية مارتوما الكلدانية وتقتدي برسالتها هذه لخدمة أبناء شعبنا أينما تواجدوا وفي ظل مختلف الظروف .
كما أنها رسالة موجهة الى كافة المؤسسات والجمعيات الثقافية والاجتماعية الشمولية للاثنيات الثلاث ،او الخاصة بالقرى والبلدات في بلدان الانتشار للاقتداء بها لتباشر زياراتها الميدانية لابناء شعبنا المهجرين وتقدم ما بوسعها من خدمات واحتياجات..
وهي رسالة  موجهة للجميع لكي يتقاسموا الغذاء المادي ويمنحوا الغذاء الروحي لابناء شعبنا المهجرين عن ديارهم .
وهي رسالة تعبر بوضوح عن روح التعاون والتضامن والمحبة وقبول الاخر واحترامه بغض النظر عن أنتمائه الاثني ،فهم قدموا ويقدمون خدماتهم الى الاشوريين والسريان والكلدان بدون تمييز ،فنقتدي بها جميعا ،أن نقبل بعضننا البعض ونحترم الاخر وكما هو لا كما نريد بفرض ارادتنا عليه .
تحية لابرشية مارتوما الكلدانية في مشيكن ، تحية ومحبة لابنائها ،اسقفاً وكهنةً وعلمانيين ، وتحية للوفد الذي يتحمل دائماً مشقات الطريق والتحديات الامنية في تركيا ويعرض نفسه للمخاطر ،الا أنه تطوع من أجل أيصال لقمة العيش والاطمئنان بتفقد أخوتهم في الشتات في يوم محنتهم ليخففوا من مآسيهم .
كندا
في 10 أيار / 2016..

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!