الحوار الهاديء

لماذا لا يصوت العراقيون لدموع تحسين؟

عفاف السيد حسن     

للمرة الأولى تشترك مطربة عراقية شابة في مسابقة برنامج  ذا فويس الذي تذيعه قناة mbc وتصل إلى مراحل العروض المباشرة، بعد مشاركة ناجحة لعراقية كردية وهي برواس حسين في البرنامج الآخر عرب أيدول. باستثناء ذلك كان العراقيون متحمسين فيما يبدو للتصويت إلى الشباب الذكور المشاركين في البرنامجين، بل انعكس كمّ التصويت الهائل في وصول أربعة متسابقين عراقيين في نسخة ذا فويس ما قبل الماضية إلى أدوار متقدمة بفضل تصويت الجمهور، وحصل أحدهم على اللقب وهو (المغني) الشاب ستار سعد.. إلى حد أن أقرّت الأم بي سي على لسان مدير القناة التنفيذي بأن السوق العراقية  بالنسبة لها هي سوق واعدة، ما فتح تكهنات بإمكانية إطلاق قناة mbc عراق على غرار قناة mbc مصر..

ولكن في هذه النسخة تعاني دموع تحسين معاناة واضحة في دفع الجمهور العراقي للتصويت لها، وبالطبع فليس هذه المعاناة نتيجة لتواضع إمكانياتها الفنية، فدموع وباعتراف لجنة التحكيم تمتلك صوتا نادرا وفريدا قلّ أن يشبهه صوت آخر على الساحة الفنية العربية، إذن أين تكمن المعضلة؟

كثيرا ما يتردد أن التصويت في مثل هذه البرامج لا يخلو من نزعة وطنية، إنها أشبه بمباريات كرة القدم على سبيل المثال، يشجع أغلب الناس فرق بلادهم و يتسرب إحساس بالانتماء الوطني مشوب بلحظات سعادة غامرة حين يتحقق الفوز، وفي زمن مواقع التواصل ينشغل هذا العالم الافتراضي بتعبير الناس عن فرحهم ورفع اسم بلادهم عاليا على أثر فوز رياضي، وبالطبع فالفوز الفني لا يتخلف في شيء، فلماذا انهزم العراقيون أمام البحرين على ساحة ذا فويس؟ ولماذا التعاطف مع دموع ذات الصوت الشجي بمسحته العراقية الأصيلة هو في أدنى مستويات التعاطف والإعجاب، قياسا بالسنوات الماضية.. هل من سر مستتر وراء ذلك؟

نعم إن صح أن تكون تلك الأسباب سرا من الأساس! لنعد إلى عام 2014 أربعة متسابقين من دولة واحدة يصلون بتصويت الجمهور إلى مراحل متقدمة، ويبقى ثلاثة منهم حتى الحلقة الأخيرة، فأي عدد هائل من التصويتات تطلبها ذلك؟ بلا شك يتجاوز العدد مئات الآلاف، فأين هؤلاء اليوم من دموع؟ ببساطة متناهية أن العدد الأكبر من أولئك الذين صوتوا هم من الفتيات والنساء، ولم يكن التصويت لدى بعضهن بدافع الإعجاب بصوت المشترك بل للإعجاب بالمشترك كله على بعضه, والآن فهن ليس بوارد التصويت لامرأة مثلهن، إنه أمر يفتقد إلى الجاذبية والإغراء القديم.. لا يعني ذلك أن الشباب الذكور ليس لديهم نصيب في التصويت حينها، بل وهذا هو السبب الثاني أنهم الآن لا يرون في دموع تلك الفتاة المنحدرة من أعالي المنصور ولا القادمة من جبال أربيل، إنها مجرد غجرية ببحتها المألوفة وشجنها الفراتي، إنها الصورة الأقل جذبا لهم، والأكثر تعبيرا عن تلك الحقيقة الناصعة في سواد العراق والكاشفة عن عمق النظرة الدونية والتمييز الجنسي المتوارث في البيئة الاجتماعية العراقية،

ليس هذا قولا ابتدعه بل هو ما يردده الشباب الذين يتابعون برنامج ذ فويس، ببساطة أن صورة دموع لا تعجبهم وليس صوتها، إنها تفتقد الجاذبية التي لها مقاساتها لديهم. وبالتالي فلا ح*ما*س لبذل دولار واحد للمشاركة في رسم مستقبل أفضل يليق بموهبتها. ولا يختلف الأمر لدى القنوات الفضائية التي كانت دائبة على الترويج للمشتركين العراقيين حتى توقفت حملات دعمها عند دموع تحسين، لأن أغلب هذه القنوات تعكس وجهة نظر مناطقية مقيتة.. ولها حسابات أخرى معروفة.

أما السبب الثالث الذي يتآزر مع السببين السابقين فهو ما بدأت الحديث عنه، أي نعم إنها الوطنية التي لا أدري ما الذي تبقى من معناها لدى العراقيين! الحقيقة أنه لا شيء تبقى منها سوى ما تأكد بعد حرب د*اع*ش، من تماهي للعقيدة الدينية بالعقيدة الوطنية، فتغلبت الأولى وخرت الثانية صريعة بين يديها، لم يعد أيها السادة للوطنية في العراق من معنى يدفع الجماهير إلى اجتراح موقف حقيقي يعبر عنها.  كان البعض يظن مخطئا أن هزيمة د*اع*ش ستوحد العراقيين وتصهرهم في بوتقة الانتماء الوطني الجامع، وأما أنا فشخصيا توقعت ولا زلت مصرة على أن الأمر عكس ذلك تماما.. لقد عاد الوطن كما تعود اللعبة إلى الطفل الأناني المتطلّب، كانت في عينيه جميلة ومغرية تستحق البكاء والعويل، وأما بعد أن أصبحت مبذولة له فقدت بريقها ورونقها ولم تعد تعني شيئا مهما، وعليه البحث عن لعبة أخرى. لا تخلق الانتصارات العسكرية انتماءً للوطن، ولا تنصب خيمة الوطنية الأزماتُ والمحن، كل هذا كلام إنشائي فارغ المعنى، الوطنية هي حالة نضوج نفسي وعقلي وهي وعي يدرك صاحبه ضرورات التعايش والانتماء، إنها الشيء الأصيل في داخلنا الذي إن تراجع منسوبه فلن يطفح ثانية، أو قل كالإيمان الذي إن ثُلِم منه ثلمة ذهبت إلى الأبد ولن تعود مرة أخرى..

وأخيرا أواسي المطربة الرائعة دموع، الموقنة شخصيا من خروجها في الحلقة المقبلة، وأقول لها لقد عرفك الجمهور العربي وأصحاب الفن فاستغلي هذه الفرصة وظلي حيث أنت لترسمي أحلامك بعيدا عن لوثاتنا ومزاجاتنا المعبأة بالسخف والتمييز المقيت..   

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!