مقالات دينية

المسيحي خمير في عجين العالم

المسيحي خمير في عجين العالم

بقلم / وردا إسحاق قلّو

قال الرب ( يشبه ملكوت السماوات خميرة أخذتها أٍمرأة ووضعتها في ثلاثة أكيال من الدقيق حتى اختمر كله  ) ” مت 33:13 “

      تُعَرِف الخميرة على أنها كائنات مجهرية وحيدة الخلية تنتمي إلى مملكة الفطريات ، توضع في الدقيق الذي يحتوي على سكريات قابلة للتخمر بواسطة الخميرة وذلك بعد إضافة الماء فتتفاعل مع السكريات ، فيعمل الخمير بخفية ،  ويكتمل عمل التخمير، فيكبر حجم العجين .

   وهذا ما حدث أيضاً منذ بداية المسيحية في المسيح الذي كان يتجول بين الناس وينقل إليهم كلمة الأنجيل فزرع في قلوبهم كلمة الله ، فكان كالخميرة بين اليهود والوثنيين . وهكذا غيّرَ العالم بمجموعة صغيرة من التلاميذ ، وبهم غيّر العالم كله.

   الخميرة أيضاً هي إشارة إلى الأفخارستية التي توحد عجين المسيحية ، على أن الأفخارستية هي الحياة المسيحية ومركزها ، بل هي أداة اتحد بها كل عجين المسيحية في العالم ليصبح جسداً واحداً ، وخميرته هو المسيح الساكن في عجين المسيحية  ليصبح غذاءً حياً لكل من يستحقه . جاء المسيح ليصبح خميرة حية للعالم كله، فهو مثالاً حياً لكل مؤمن به ، وهو المحبة والتضحية ، كما أنه ( الطريق والحق والحياة ) فعلى المؤمنين أن يقتدوا به ويعملوا بوصاياه ويختاروه لهم معلماً ومثالاً صالحاً وراعياً ومخلصاً لتعكس ملامحه في شخصيتهم فيصبحوا هم أيضاً خميرة للآخرين كما صاروا الرسل الأطهار من بعد العنصرة مباشرةً فبشارتهم كانت خميرةً حية لعجين العالم كله فكسبوا العالم بخميرة محبتهم وبدمائهم التي تحولت فعلاً إلى خميرة خفية في كل أصقاع العالم . روح المسيح يسكن في كل مؤمن ويحيا به ويقود افكاره وكلامه وأعماله ، حينئذ يستطيع المؤمن أن يقول مع الرسول ( فما أنا أحيا بعد ذلك ، بل المسيح يحيا بيّ ) ” غل 20:2 ” . فمن يريد أن يختمر بخمير المسيح فعليه أن يبدأ حياته معه ويتأمل بسيرته وأعماله وكلمات إنجيله التي هي نور للعالم . ثم يحمل صليبه ويتبعه ، هكذا سيتصل به لكي يستمد منه القوة والثمر كما لخصن الكرمة . ومنه يتسمد المحبة ليختمر بها العالم ، ومحبة المؤمن لا تنبع من ذاته ، بل هي فيض من المحبة التي يستقيها من إتحاده بيسوع الذي كانت رسالته شعاعاً مضيئاً للعالم كله ، ودمه ثمناً لخلاص جميع البشر .

  حقاً عمل المؤمنين في العالم يشبه كعمل الخمير في العجين ، فالخمير يتلاشى في العجين كله ليخمرّهُ . وهكذا الذين تندمج حياتهم مع المسيح عليهم أن يندمجوا مع العالم ليختمر في تعليمهم ، وخميرتهم هي التعليم الصحيح والبشارة الحقيقية لبني البشر . خميرتهم نقية وصافية ليست كخميرة الفريسيين ، والخميرة هي تعليم كلام الله  . فدور المؤمن في المجمتمع الذي يعيش فيه عليه أن يصبح واحداً منهم ، مهما كانوا لكي يخدمه بما يمتلك . وهم كالمرضى بحاجة لمن يعالجهم ، فعليه أن يعمل في وسطهم ، وكما كان المسيح يختلط مع العشارين والخطاة ليكسبهم وينورهم بنوره ، هكذا يجب أن يقبل المؤمن أن يختلط في عجين كل من هو بحاجة إلى عمل خميرته ليربحه . وكما فعل الرسول بولس الذي عمل حتى مع الوثنيين ، فقال ( … صرت لليهود كاليهودي لأربح اليهود ، وللذين هم في حكم الشريعة كالذي في حكم الشريعة لأربح الذين في حكم الشريعة ، وصرت للذين ليس لهم شريعة كالذي ليس له شريعة لأربح الذي بلا شريعة ، مع أن لي شريعة من الله بخضوعي لشريعة المسيح .. . أعمل هذا كله في سبيل البشارة لأشارك في خيراتها ) ” 1 قور 9: 19-23 ” . وهذا هو النموذج الرائع لعمل الخمير في كل المجتمعات . ولكي لا يفقد الخمير قوته يجب أن يعتنى أولاً بتخميره جيداً لكي يتمكن من الإمتزاج الحميم بالجماعة البشرية لغرض تنويرها بنور المسيح . إذاً يجب أن يمتلىء بالمسيح أولاً حتى يفيض فيضاً . لأن المسيح هو الذي سيشع من خلال الإنسان ليصبح الخميرإلاهي مقدس ومؤثر فيأتي بثمر كثير ، وبنتائج أفضل عندما يعيش المؤمن حياة الصوم والصلاة والسجود والمطالعة ليقترب من يسوع الحي الحاضر في الأفخارستية وفي كلمة الإنجيل المقدس . فبالإتحاد العميق مع المسيح في الذبيحة الإلهية وممارسة الأسرار ستغدق حياته حياة الإفخارستية التي ستقوي خميرته ليصبح ليس الخميرة فقط ، بل نور العالم وبحسب قول السيد لتلاميذه ( أنتم نور العالم ) لإنهم ( ليسوا من العالم ) ولكنهم ( في العالم ) ولا يجدر بهم أن ( يخرجوا من العالم ) ” راجع يو 17: 14-15 ” . يجب أن يبقوا في المجتمع البشري كما يبقى ( ملح الأرض ) في الأرض ،  وملح الطعام في الطعام ، كذلك تبقى الخميرة في العجين  .  مريم التي حملت يسوع وقدمته للعالم ، هكذا يجب أن يحمله كل مؤمن بثقة وإيمان ويقدمه للعالم . مريم هي الوسيطة لكل النِعَم ، ومن يديها نتقبل الطفل الصغير يسوع ونحمله مثلها إلى العالم بفرح . كذلك يجب أن نصبح مثله فنعيش حياة الطفولة الروحية لكي نتأثر في الآخرين لكي نستحق الحياة ، وهذه كانت وصية المخلص لنا ( … إن لم ترجعوا فتصيروا مثل الأطفال ، لا تدخلوا ملكوت السموات .. ) ” مت 3:18 ” . أي عندما تصبح لنا قلوباً طاهرة كقلوب الأطفال حينذاك سنصبح الخمير الفعال في عجين العالم .

 والمجد ليسوع الإله الحي .

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!