الحوار الهاديء

قراءة في كتاب (اللغة الكلدانية في المصادر والمراجع) للدكتور نزار ملاخا

قراءة في كتاب

اللغة الكلدانية في المصادر والمراجع

للدكتور نزار ملاخا

 

د. عبدالله مرقس رابي

قراءة في كتاب (اللغة الكلدانية في المصادر والمراجع) للدكتور نزار ملاخا

                          يعد الكتاب المعنون” اللغة الكلدانية في المصادر والمراجع” السادس من بين الكتب التي انجزها الدكتور نزار ملاخا، اذ سبق وألّف: الكلدان في المجتمع العراقي/ القرى والمدن الكلدانية في بلاد النهرين/ الكلدان في كتابات الاخرين / شذرات مخفية من تاريخ المسيحية في العراق/ موجز في تاريخ الحجاب والنقاب والبرقع. إضافة الى العديد من المقالات المنشورة في الصحافة الالكترونية والورقية.

يقع الكتاب في (297) صفحة من الورق المتوسط الحجم 21×15 سم. يتكوّن من المقدمة وثلاث فصول، خصص الأول للتعريف باللغة بشكل عام وخصائصها ومراحل تطورها، واما الفصل الثاني تحدث فيه عن اللغة في الكتب المقدسة. والفصل الثالث، خصصه للتعريف باللغة الكلدانية من حيث، زمن ظهورها، وابجديتها، وذكْرها في الكتاب المقدس، وثم اللغة الكلدانية في المصادر العراقية والعربية، ونظمها بحسب

تسلسل الحروف الهجائية العربية لأسماء المؤلفين، ليكون بيبليوغرافية تقود القارئ والمهتم الى معرفة المصادر والمراجع التي جاء في محتوياتها ذكر (اللغة الكلدانية) بيسرٍ. كما يحتوي الكتاب على ملحق يتكون من (33) صورة توضيحية عن المصادر والنصوص، وثم الفهرست المنظم بالأحرف الهجائية للمصادر وآخر للصور.

اتقن المؤلف عملية الاستخدام الدقيق للمصادر بالطرق المعتادة اكاديمياً، وطريقة التعامل مع النصوص بموضوعية وجدارة وثقة بالنفس المقرونة بالرغبة والارادة في البحث، مٌجنباً التأثيرات العاطفية والانتمائية في التحليل للأفكار ومناقشتها، مما نقل المعلومة لنا، لا كما يريدها ويفضلها، بل كما هي في واقعها الطبيعي، وكما جاءت في المصادر المذكورة.

يرقى الكتاب الى الكتب المهمة والنادرة، وبل الأول من نوعه الذي أبدع المؤلف في تأليفه جراء نباغته ونباهته وفطنته، اذ يعد وثيقة متميزة بالغة الأهمية، يمحى الكثير من الإشكالات والشكوك القائمة والنفي عند البعض وبالأخص أصحاب الاجندات السياسية والمتأثرين بذهنيات مقولبة أيديولوجياً، لا يمكنهم التحرر منها في موقفهم وافكارهم عن ذكر “اللغة الكلدانية” في المصادر والمراجع قديماً وحديثاً. وقد أجاد في الكشف عن أبرز المصادر والمراجع والمخطوطات التي أكدت على وجودها.

ولما كان أصحاب الشكوك والنفي يعتمدون على الكتب القديمة سواء أُلفت من قبل رجال الدين او غيرهم من غير الاختصاصيين لاعتبار تلك الكتب وثائق تشير الى عدم وجود ذكر للغة الكلدانية، فجاء ابداع الدكتور ملاخا في كتابه رداً بالغاً ومُثيراً ودامغاً ليبرهن بموضوعية وبجهودٍ متميزة على وجود واضح جدا على ذكر “اللغة الكلدانية” سواء كعنوان للكتاب او ذكرها ضمن محتوى الكتاب عند حديث الكاتب عن لغة القوم او اشارته الى مصدر آخر قد ذكر اللغة الكلدانية، وذلك من خلال مراجعته وفحصه لعناوين ونصوص  لأكثر من ( 400) كتاب ومخطوطة لفترات زمنية مختلفة، من مؤلفين متنوعين في خلفيتهم الدراسية والمهنية، أكاديميين وعاديين، عرب ومسيحيين من الكنائس الشرقية، ومستشرقين. اشتملت على مواضيع مختلفة في عالم المعرفة، فمنها، الدينية، التاريخية، الجغرافية، الاجتماعية، اللغوية، الاثنوكرافية، الحضارية والبلدانية، بعضها مترجمة الى العربية وبعض الاخر مكتوبة باللغة الإنكليزية.

اثبت المؤلف البارع بان اللغة الكلدانية جلية في وجودها منذ القدم، فهي لغة الكلدان الذين عاشوا في وسط وجنوب بلاد النهرين وعلى سواحل الخليج الكلدي (العربي اليوم) ومنهم من (عاش في أعالي ضفاف نهر الفرات الذين سُميوا بالآراميين نسبة الى الأراضي المرتفعة. وهم من الاقوام القدامى أصحاب حضارة متقدمة، لاتزال آثارها العلمية بارزة في الفكر البشري من العلوم الفلكية والزراعية والكيميائية والفيزيائية والرياضيات والقانون والاجتماع والعلوم التربوية والعسكرية والدينية). ويؤكد في كتابه الدكتور ملاخا على تطور اللغة الكلدانية كتابة وتحدثاً في المراحل التاريخية، وتأثرت وأثرت في لغات الشعوب الوافدة الى بلاد النهرين جراء غزواتها، وأصبحت في التاريخ القديم أكثر اللغات انتشاراً في بلاد النهرين لوجود الكلدان بمرور الزمن في كل نواحيها شمالًا وجنوباً، وبل اجتازت حدود البلاد لتشمل مناطق مختلفة. وهي اللغة التي يتحدث بها كلدان اليوم في الوطن الام العراق وفي بلدان الانتشار.

استنتج المؤلف ان اغلب المصادر تُميز بين اللغتين الكلدانية والسريانية، وعليه دعا المؤلف الى استخدام مصطلح (اللغة الكلدانية )في الكنيسة والمطالبة بالتعميم على الاكليروس جميعا عدم تسمية لغتنا بتسميات اخرى ، والتع-اط*ي مع الجهات الرسمية وفقاً لهذه التسمية اللغوية بخصوص الكلدان .
اذ تذكرها لغتين منفصلتين والقليل منها تدمجها مع بعضها، بينما قسم منها تؤكد ان السريانية هي نفسها اللغة الكلدانية القديمة وسميت السريانية لان المسيحيين الاوائل تكلموا بها بدلالة ان كلمة السريان تعني المسيحية. ولهذا تعد اية تسمية تُطلق على لغتنا غير الكلدانية في العصر الحديث خطأٌ شائعٌ. وهذا يحدث حتى في المصطلحات في الدراسات الاكاديمية لسبب وآخر.

واخيراً أرى ان الكتاب يعد وثيقة بالغة الأهمية لما بذله المؤلف من جهود كبيرة ليجعل من هذا العمل الثقافي العلمي للمهتمين في العديد من العلوم المعرفية مثل علم اللغة، علم اللغة الاجتماعي، علم اجتماع اللغة، التاريخ والدراسات الحضارية والأنثروبولوجيا مصدراً مهما يمكن الاعتماد عليه. وتأتي أهميته من رفده المكتبات للقراء باللغة العربية بمصدر أساسي قيم ليضعه في متناول ايدي الباحثين، فاقتناء الكتاب وقراءته سوف تدر بأهمية للقارئ والباحث في الشؤون المعرفية المذكورة.

تمنياتي للدكتور نزار ملاخا المزيد من العطاء الفكري العلمي، بنفس المستوى من الاتقان، وكما أتمنى ان يُعيد طبع الكتاب الحالي لإضافة العديد من المصادر التي فاتته ولم تُتاح الفرصة له للحصول عليها، واخصها مصادر المستشرقين وغيرهم، فمثلاً على سبيل المثال، لا الحصر، أطروحة الدكتوراه لعالم اللسانيات الأمريكي العراقي الكلداني، القس اليسوعي شليمون صارا المعنونة (وصف الكلدانية الحديثة، مقاربة بنائية ووظيفية) في جامعة جورج واشنطن الامريكية، ونشرها عام 1969 بكتاب تحت عنوان (وصف للكلدانية الحديثة)، فاصبح من الباحثين الأوائل الذين درسوا لغته الام الكلدانية اكاديمياً، علماً انه امضى اكثر من أربعين عاما في التدريس في الجامعة نفسها، والف عدة معاجم وقواميس وابرزها الذي لاقى شهرته به تأليفه القاموس الثلاثي، قاموس عن لغة (امبيرا) وهي لغة سكان أمريكا الوسطى بعنوان (قاموس ثلاثي، للغات امبيرا، إنكليزي، اسباني) ومساهمته بفصل  في دليل أكسفورد، اللغة العربية الذي حرره (جوناثان اوينز). وايضاً، ما جاء به المستشرق (تشارلس واطسون برات) عام 1758 اثناء زيارته لقرية كرمليس، اذ جاء في كتابه في وصفه للقرية (سكانها يتكلمون اللغة الكلدانية الاصلية، كما يتكلمون اللغة التركية والعربية). وهناك العديد من المصادر التي تذكر الكلدان واللغة الكلدانية في مئات من الدراسات التي جمعها وحللها (ميشيل شفاليه) للمستشرقين الذين زاروا المنطقة.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
2 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
نزار عيسى ملاخا
نزار عيسى ملاخا
2024-04-02 23:05

سعادة البروفسور الدكتور عبد الله رابي المحترم، قد يعجز اللسان عن صياغة كلمات الشكر والتقدير لما سطرته أناملكم وجاد به فكركم النيّر في التقديم للكتاب بهذه الصيغة الراقية التي أعتبرها ليس فقط وسام شرف بل شهادة فخر واعتزاز وتقييم علمي رصين يصدر من عالِم في علم الاجتماع، إنّه مفخرة لي وشرف كبير أن يتم تقييم كتابي بهذا المستوى فوق الطبيعي، سعادة البروفسور: ما تطرقتم اليه في نهاية التقييم من نقاط أكيد ستكون موضع أهتمامي الخاص عند كتابة الجزء الثاني من الكتاب، الله يوفقكم ويحفظكم عز وفخر لنا جميعاً خالص تقديري واحترامي لشخصكم الكريم ولعلمكم الغزير ولكفاءتكم العالية في نقد الكتاب

زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!