مقالات سياسية

نظرة على الانتخابات التي هندسها خامنئي!

يخطط نظام ولاية الفقيه، وهو في ذروة الأزمات المستعصية وفي أسوأ الظروف السياسية والاجتماعية، لإجراء انتخابات مجلس الخبراء والبرلمان تحت اسم “مجلس الشورى الإسلامي” في الأول من شهر مارس المقبل. لقد سيطر خامنئي، بصفته الولي الفقيه على هذه الانتخابات بشكل صارم وهندسها ولجأ إلى أصعب عمليات التطهير ونزع الأهلية لتحقيق هدفه. بحيث أن حتى الموالين لولاية الفقيه يشككون في صحة هذه الانتخابات، وهذا مؤشر واضح على أزمة شرعية حكومة خامنئي الاستبدادية باعتباره الولي الفقيه على النظام.

نظرة على الانتخابات التي هندسها خامنئي!

إن نظرة إلى الروح التي تتحكم بدستور نظام ولاية الفقيه تكشف لماذا يتم “هندسة الانتخابات”؟

بهذا الصدد، فقد جاء في ديباجة دستور النظام عن ولاية الفقيه: “استناداً إلى ولاية الأمر والإمامة المستمرة، يوفر الدستور الأساس لتحقيق قيادة الفقيه جامع الشرئط، الذي يعرفه الناس بالمرشد «مجاری الأمور بید العلماء بالله الأمناء علی حلاله و حرامه»، ويستعد ليكون الضامن لمختلف المنظمات التي لا تحيد عن واجباتها الإسلامية الأصيلة.”
بحسب المادة الخامسة من دستور النظام: في فترة غياب حضرة ولي العصر (عج) في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تكون إدارة الأمة وقيادتها من مسؤولية الفقيه العادل التقي، الواعي، العارف بالعصر، الشجاع، المدير وواسع الحيلة والتدبير، والذي وفقا للمادة 107 يحصل عليه.

وقد نصت المادة 57 من القانون المذكور:
“السلطات الحاكمة في جمهورية إيران الإسلامية هي: السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية، وتمارس صلاحياتها بإشراف ولي الأمر المطلق وإمام الأمة، وذلك وفقًا للمواد اللاحقة في هذا الدستور، وتعمل هذه السلطات مستقلة عن بعضها بعضًا.”

ومن خلال الإشارة إلى هذه المقدمة والصلاحيات غير المحدودة التي منحها دستور النظام للشخص بصفته “الولي الفقيه”، يطرح هذا السؤال المنطقي وهو:

هل هناك انتخابات حقيقية في إيران في ظل حكم ولاية الفقيه؟
عندما كان الخميني في السلطة تحدث مراراً في مدح ظاهرة “ولاية الفقيه” قائلاً: يجب أن يكون للفقيه سلطة في كل القضايا، حتى شؤون الأفراد الشخصية، لأن دور ولاية الفقيه يشبه دور الولي (الأب والجد للأب في الفقه التقليدي) على القاصر!
وهذا الحق كثير لدرجة أنه حتى لو اتفقت الجميع على ثمة أمر ومسألة ما لكن الفقيه رأي مختلف، فإن رأيه هو الصحيح!!
وذهب الخميني إلى أبعد من ذلك فقال: ليس دقيقاً مجرد القول أن ولاية الفقيه ليست شاملة جامعة بل ينبغي أن يقال “حكم الفقيه المطلق”!!
ولا يزال هذا الأسلوب في التفكير والرؤية للحكومة وحكم الفقيه هو المسيطر على كافة شؤون البلاد والجيش وحتى الشؤون الشخصية لأفراد المجتمع.
والقضية الفعلية الأكثر وضوحاً هي القضية التي تقع حالياً تحت عنوان «الانتخابات» على طاولة علي خامنئي بصفته الولي الفقيه المطلق.
وبالإشارة إلى “حكم الفقيه المطلق”، قال أحد أعضاء الحكومة السابقين ويدعى مهدي نصيري، والذي شغل منصب رئيس التحرير والمدير الإداري لجريدة كيهان العريقة من عام 1988 إلى 1994، عن انتخابات النظام هذه: “هناك أسباب كثيرة لبهرجة الانتخابات، لكن السبب الأهم هو أن هناك مبدأ في دستور الجمهورية الإسلامية يسمى السلطة المطلقة للفقيه. ووفقا لهذا المبدأ، فإن قائد الجمهورية الإسلامية هو رئيس الجمهورية فوق كل القوانين، وفوق الدستور، فوق القوانين العادية، وفوق كل المؤسسات… المجلس الأعلى للشورى، مجلس الخبراء الأعلى، مجلس صيانة الدستور، أمره لجميع المؤسسات”! ويضيف: “السؤال هو ما هي خصائص الانتخابات وتشكيل مؤسسة تسمى المجلس؟” ما هي النتيجة؟ إلا أنه مع هذه الانتخابات وتشكيل مثل هذا البرلمان، من المفترض أن يكون بمثابة تصويت استعراضي لنظام دكتاتوري واستبدادي ذو توجه فردي!

استبعاد المرشحين بشكل غير مسبوق!

“مسرحية الانتخابات” هو مصطلح كان يستخدم في السابق فقط من قبل المقاومة الإيرانية ومنظمات مثل مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة، الذين يريدون إسقاط نظام ولاية الفقيه،
لكن اليوم، بعد الاحداث والتطورات الجارية طوال العقود الاربعة المنصرمة والعمليات الجراحية ذات الطابع الدموي، أصبح من كانوا في أعلى المناصب الحكومية في هذا النظام يستخدمون هذا المصطلح.
وباستثناء خامنئي والمقربين منه، فإن جميع الإيرانيين، مهما كان فكرهم وتوجهاتهم السياسية، داخل إيران وخارجها، يعلمون جيدا أن الانتخابات في إيران ليس لها محل في الإعراب.
كل شيء يدور حول التعيين والهندسة والعرض المسرحي المبتذل الذي يسمى “حقوق التصويت”؛ ومع ذلك، في مثل هذا النظام، فإن ما تسمى الانتخابات لا معنى لها في الأساس.
وقبل الإعلان الرسمي عن عدم أهليته فيما يتعلق بالانتخابات، كان الملا حسن روحاني قد أخبر بعض مساعديه أنه بعد احتجاجات 2022، ضاق ذرع ولاية الفقيه خامنئي (بلغ السيل الزبي) والآن لم يعد يهتم خامنئي وشركائه في الانتخابات الاستعراضية، أو أن يشارك فيها عدد قليل من الناس.
لكن لا بد من القول إن الانتخابات المهندسة هذا العام تختلف كثيرا عن كل الانتخابات السابقة، حتى يمكن القول إنها فريدة من نوعها!
على سبيل المثال، تم استبعاد وتطهير 26 من النواب الحاليين لـ “مجلس الثورة” والمفضلين لدى خامنئي!
والأهم من ذلك هو استبعاد الملا حسن روحاني، الذي كان دائمًا في أعلى المناصب الحكومية على مدار الـ 44 عامًا الماضية.
والآخر هو محمود علوي، الذي شغل منصب وزارة المخابرات خلال السنوات الثماني لرئاسة روحاني.
واللافت للنظر في وزارة المخابرات هو أن خامنئي شخصيا يعطي رأيا إيجابيا أو سلبيا في تعيين هذا الوزير. ولا يستطيع الرئيس أن يقدم أي شخص يرغب به إلى البرلمان للتصويت على الثقة.
الشخص الآخر الذي تم استبعاده هو الملا مصطفى بور محمدي الذي كان يشغل مناصب رئيسية مثل نائب وزير المخابرات، ووزير الداخلية، ووزير العدل، ورئيس هيئة التفتيش العامة، والمستشار الأعلى لرئيس السلطة القضائية، وغيرها.
ولكن الذي يجعل بور محمدي مختلفاً ومميزاً عن جميع مناصبه وعن غيره من غير المؤهلين؛ هو دوره الذي لا يعوض مع إبراهيم رئيسي في “لجنة الموت” في مجزرة صيف عام 1988 كممثل خاص لوزارة المخابرات وإعدام 30 ألف سجين سياسي أكثر من 90% منهم مجاهدي خلق.
كان هناك أشخاص في “لجنة الموت” يحظون بثقة الخميني. لكن في الوضع الحرج الحالي الذي يعيشه نظام ولاية الفقيه، فإن خامنئي لا يقبل حتى وجود مثل هذا الشخص في مجلس الخبراء ويستبعده!

لماذا لجأ خامنئي إلى تنحية غير مسبوقة؟!

خوف خامنئي من انتفاضة الجيش الجائع والعاطل عن العمل والسكان الذين يبلغ عددهم عشرات الملايين تحت خط الفقر. والدليل على ذلك الطلب المتكرر من خامنئي وجميع أئمة الجمعة المعينين من قبله خلال صلاة الجمعة من جميع الناس للمشاركة في الانتخابات خلال الشهر الماضي.
في سجلات انتخابات النظام لم تكن هناك حالة مماثلة حيث جمع خامنئي شخصياً بعض أقاربه عدة مرات وفي فترة زمنية قصيرة جداً تحت ذرائع مختلفة وأكد أثناء ترديد خطابه على أنه “يجب على الجميع المشاركة في الانتخابات بصفتها واجب ديني”.
لذا؛ وعندما يلوح في الأفق خطر نزول الناس إلى الشوارع وجيش من الجياع والعاطلين عن العمل، فلا ينبغي أن يكون هناك أي خلاف على قمة هرم السلطة.
ولذلك فإن العلاج بالطرق الماضية والتخلص من الدمى الحكومية منخفضة المستوى والتكلفة لن يزيل هذا التهديد، ولم يكن أمام خامنئي حل آخر سوى التطهير بثمن باهظ.
كانت هذه هي الخبرة التي اكتسبها خامنئي من الاحتجاجات والانتفاضة التي عمت البلاد في “ثورة مهسا أميني”، لأنه أحس ولمس رجفة الثورة بكل كيانه.
ولهذا السبب، حاول خامنئي استخدام نفوذ وزارة الداخلية ومجلس صيانة الدستور لإقصاء وتطهير أي شخص لديه أدنى فكرة عن معارضة رئيس الحكومة وهرم السلطة.
وهذا “الدستور” هو آخر عهد الدكتاتوريين وتحديداً الدكتاتورية الدينية.

رد الشعب الإيراني على الانتخابات المزورة والمهندسة؟
لقد كثر الحديث عن عدم إجراء انتخابات بالمعنى الحقيقي لنظام ولاية الفقيه وهو ليس أكثر من مسرحية، وقد قيل وكتب الكثير في هذا الصدد.
لقد فصل الشعب الإيراني منذ سنوات جبهته عن الجبهة للملالي الحاكمين بكل فئاته ورسموا معها حدودا واضحة.
وأصبح هذا الترسيم واضحا عندما هتف الشعب الإيراني في جميع الاحتجاجات والمظاهرات خلال انتفاضة 28 ديسمبر 2017 إلى 7 يناير 2018، “أيها الإصلاحيون، أيها الأصوليون، لقد انتهت اللعبة!”
وبهذا يكون خامنئي قد خطى آخر خطوات التطهير ويعتمد على البقاء على رأس هرم السلطة، خاصة في مجلس خبراء القيادة، ودعمه في تقدم هذا الخط قوى القمع البوليسي والباسيج وحرس الملالي ضد الانتفاضات القادمة.
لكن هذا المنطق هش للغاية. لأنه في هرم السلطة عندما تتقلص قاعدته سيصل إلى نقطة لن يكون هناك من قاعدة حتى للهرم ذاته!
تماماً مثل القوانين التي تحكم الرياضيات والأشكال الهندسية! أي أنه عندما تصبح قاعدة الهرم صغيرة جداً تتغير طبيعته ويصبح خطاً. خط ضعيف وهش للغاية بحيث تحطمه العاصفة.
وذلك اليوم هو يوم نهاية دكتاتورية ولاية الفقيه. وسرعة التطهير وإزالة الدمى الحكومية تشير إلى أن ذلك اليوم قريب جداً!

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!