مقالات دينية

قديس من بلادي … الأنبا حننيا آكل البقول والراعي مع الحيوانات

الكاتب: وردا اسحاق

 

 

قديس من بلادي … الأنبا حننيا آكل البقول والراعي مع الحيوانات

إعداد / وردا أسحاق قلّو

الأنبا حننيا الملقب ( بأبي الأيائل ) كان يسكن في مغارة صغيرة قرب كار الكهنة وكان بقربه صومعة الربان مار زخا الذي طال عمره وبلغ من الشيخوخة عتياً . لم يكن لصومعة الأنبا حننيا سياجاً ، ولا باب ، ولا ستار، ولا شىء آخر . كان يقتاد بالبقول وبقليل من الخبز كان يُجلَب له . كانت حياة ذلك الشيخ الطوباوي مثل حياة النعامة التي لا عش لها ولا مأوى ، بل تضع بيضها على الرمال الحارة بدون إهتمام ، بمقتضى الطبيعة التي حباها بها مبدع الكائنات ، فأنه كان يتيه في الليل خارجاً ويبيت مع الحيوانات على قمم الآكام ، ومن فرط ضنك سهره وجهده كان يفترش مكاناً صغيراً ويستريح مع الحيوانات التي ألفته ولم تعد تنفر منه . مثل ذلك الطوباوي المذكور في كتاب ( الفردوس ) الذي صلى إلى الله سائلاً أن تسالمه الحيوانات . ونال ما أراد . وصلى أيضاً لكي تسالمه النار ، وكان له ما طلب ، فكان يجمع الحطب ويضرم فيه النار ثم يصعد ويجلس فوقه .

حينما يتطهر قلب القديسين من أنواع الخطايا الخمسة  وهي : محبة المال والنهم في الأكل وشهوة الجسد والغضب والكبرياء ، عندئذ يضحي المرء مُرضياً لدى الخليقة كلها ، لدى الحيوانات الغير الناطقة ، كما نعلم ذلك من قصص القديسين كقصة الطوباوي شمعون القديم الذي كان أسد يخدمه ، ومثل الناسك الذي جاء ذكره في قصة مار ميلس الذي كان تنين يعيش بصحبته ولا يصيبه بأذى . كما قضى دانيال النبي ليلته في جب الأسود الجائعة دون أن تقترب منه . الله يجعل الملائكة لهؤلاء مساعدين ، بل يكون القديس هو مسكن للثالوث رب العالمين ، مثلما ساعد هذا الطوباوي في الشرفة ، كما علمنا فأختار مأكل الحيوانات والسكنى معها حباً لله .

 كان الأنبا حننيا معتاداً ألا يتناول الطعام إلا مرةً في الصباح في موعد معين ، فكان يوقد النار كل صباح ويغلي الماء ويصبه على عروق أشجار وكسر يابسة ، وهذا كان طعامه وموعد أكله . فهل يا ترى كان الأمر حقاً هكذا ، أو إنه كان يريد بذلك إخفاء سيرته إبتغاء جلب الأحتقار له ؟ هذا الأمر لم ندركه ولم يجزم به حتى أولئك الذين رووه لنا ، وكان جيرانه يحسدونه ويحتدمون غيظاً عليه ويفكرون كيف ان رجلاً طاعناً في السن يقضي حياته في المهم ! وكان حكمهم هذا بسبب النار التي كانوا يرونها وهم لا يدرون ما هو طعامه وما لديه داخل مغارته ، وكانوا كلما أتوا إلى الدير يقرفون ذلك الشيخ ويتشكون منه قائلين ( أن العيش بجوار هذا الشيخ يؤدي بنا إلى لجة الرخاوة وتفسخ الأخلاق ) . مرة وعندما حضر القديس مار أحا المطرافوليط ، قدموا له شكواهم من ذلك الشيخ القديس  . ( أختصرنا حياة القديس مار أحا بموضوعين على الروابط ):

https://f.mangish.net/forum.php?action=view&id=9937

https://f.mangish.net/forum.php?action=view&id=9943

فقال لهم المطرافوليط ( أذهبوا وأدعوه وأحترسوا لئلا يفلت من أيديكم ) وما أن سمعوا هذا الكلام حتى أنطلقوا بخى حثيثة وأدركوه وقبضوا عليه . وأخذ أحدهم منديله ورماه في عنقه وشرع الآخرون يخبطونه من الوراء قائلين له باستهزاء : ( أيها الشيخ الجاهل ، إلى متى نحتمل رذائلك ؟ ألم تعرف أن العدالة واقفة لك بالمرصاد ؟ أسرع فأن الحاكم بأنتظارك ) ، أما هو فلم ينبس ببنت شفة حتى بلغ العين التي تسمى ب ( عين ربان ) ولمح على مقربة منها قطيعاً من الأيائل فقال لها ( السلام عليك يا ساكنة القفار ويا جارتي وصديقتي . إنا كنا نعيش بسلام سوية ولم تنكري صداقتي او يبتعدي عني ، والآن وقد قبض علي الأبرار بعدل لأني مثلك آكل كل صباح ونعيش كمتساوين في العيش ومأكل ، فهلمي نذهب سوية إلى المحكمة . حتى إذا ما رأى الحاكم إننا عديدون يشفق علينا من أجل كثرتنا ، فقد لا يرحم فرداً لأنه فرد . هلمي إذن بأسم الرب ) .

دهش الأخوة من هذه الكلمات التي ليست كلمات ممسوس ، ورأوا تلك الحيوانات أقبلت نحوه راكضة ، ومثل كلاب لم ترى صاحبها منذ أمد طويل أخذت ترفع أيديها وتبصبص بأذنابها إلى كا الجهات وأحاطت بالقديس ، فلم يسعهم إلا أن يرخوا أياديهم عنه وخروا على قدميه طالبين منه الصفح عن كل ما بدر عنهم ، وحينما نهضوا لم يروه البتة . وهكذا أفلت من أيديهم ، ولم يعرف أحداً غلى اليوم إلى أين ذهب وأين رقد . ولما جاؤوا إلى المطرافوليط والحزن والأسى باديان على وجوههم والخجل قد اعتراهم بتوبيخ ضمائرهم واخبروه بما جرى ، انبهم بعن*ف وقال لهم :

( يوم كان آخرون قبلكم في محل سكناكم اتخذوا ذلك الشيخ قدوة لكل الصالحات وكانوا يلتجئون إلى صلواته في كل تجاربهم ، فكات يأتيهم الفرج . أما أنتم الذين تعيشون بعدهم في مغارة القديسين كما يجب ، بل أن تلصقوا عيوباص بالأبرار والطوباويين ، خسراناً لنفوسكم وخزياً لمقاصدكم . وليطالبكم الرب بالدرة اليتيمة التي افتقدتموها هذا الدير بحماقتكم . وأنكم ستخجلون من الشر الذي جنته أيديكم حينما تذهبون إلى موضع إقامة الضيق وترون هناك ما هي الأطعمة التي كان يقتات بها . ولقد نبهتكم بأن تحترزوا لئلا يفلت من أيديكم . ولكنت طلبت إليه أمامكم لخزيكم أموراً عظيمة والهية لم يأت أحد بمثلها في أزمنتنا هذه ) .

نطلب من هذا القديس أن يذكرنا في صلواته ولتشملنا شفاعته عند الرب

 

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!