مقالات دينية

عيد الصليب وعمل المصلوب والصليب في خلاصنا

عيد الصليب وعمل المصلوب والصليب في خلاصنا

بقلم / وردا إسحق قلّو

     تحتفل كنيستنا المقدسة بعيد الصليب المقدس يوم 14 أيلول من كل عام ، وتمتاز بلادنا بإحتفاء خاص نجد فيه مظاهر الفرح والإبتهاج ، ففي ليلة هذا العيد تقام مهرجانات خاصة فتتحول سطوح الكنائس والبيوت وقمم الجبال إلى شعلات من النار وحديثاً تطلق سهام نارية تتصاعد نحو السماء لتعكس أنوارها الملونة بألوان زاهية وكأنها نجوم تنفجر لتتلألأ فوق الناظرين .  ولهذا العيد طقوس خاصة وتراتيل وصلوات ، تكريماً للصليب الذي اختاره المسيح لكي يكون مذحباً له وعليه يتم خلاصنا ، وبتكريماً لخشبة الصليب نكرم إلهنا الفادي الذي علق عليه على جبل الجلجلة . ونضعه فوق كنائسنا وأديرتنا ومفوق مذابحنا وعلى صدورنا ، هو سند لنا ، و حارس للمسكونة كلها . الصليب هو مجد الملائكة والبشر ، ونكبة كل الأبالسة والهراطقة العائشين في ظلمة الأبتعاد عن إنجيل المسيح . فما هو عمل المصلوب يسوع والصليب في حياتنا ؟  

   كان المعروف عن خشبة الصليب أنها مشنقة الرعاع المجرمين الخارجين القوانين العامة في العهد القديم يحسب المصلوب على الخشبة ب ( الملعون ) فلهذا لا يخطر ببال اليوناني أو اليهودي وكذلك الروماني بأن ينسّب لها معنى إيجابي . ففي نظر اليوناني صليب المسيح هو ضرب من الجنون الوحشي ، وعند الرومان ، مجرد عار ، أما في نظر اليهودي فهو لعنة إلهية للمصلوب عليه ( تث 23:21 ) . فلم يكن معقولاً لدى هؤلاء وغيرهم بأن المصلوب على ذلك الصليب يكون إلهاً متجسداً وبحسب أرادته سلم نفسه للصلب لكي ينال منه الموت كعبد أو مجرم أو كمتمرد على شرائع السلطات الزمنية ، لكن في الحقيقة قدم نفسه للموت لكي يموت عن الجميع ، فلو لم يحمل تلك اللعنة لظلت البشرية في الأثم ، وتحت اللعنة السماوية ( أش 6:53 ) فالمسيح المصلوب دفع الثمن . إذاً صلب المسيح صار دعوة للإعتراض على حياة الأنانية ، فالمقصود بالصلب هو لتذليل النفس عن ضعف ، وكانت غاية يسوع المصلوب من هذه العمل لكي يعيش الإنسان الساقط في الخطيئة في حياة جديدة وعصر جديد عصر النعمة والمصالحة وبدون قلق وحتى أمام الموت ، لأن الموت نال منه المسيح بموته على الصليب . وموته هو قمة التضحية من أجل حرية الآخر وذلك بسبب محبته المطلقة لبني البشر عبر عمل الفداء والموت . فمن حجر عثرة حقيقي نشأ إختبار مدهش وغير متوقع للخلاص . فأصبح طريق الصليب طريقاً ممكناً إلى الحياة الحقيقية .

   الرسول بولس رأى في جوهر الرسالة المسيحية رسالة في المصلوب . فوجه الصليب في نظره هو وجه الذي يختصر حياة يسوع الأرضية . فلو أختصرنا الرسالة المسيحية لقلنا إنها ( لُغة الصليب ) .  

   في ساعات ضعف المسيح على الصليب أكتُشِفَ ضعف الله ، وضعف الله هو أقوى من قدرة الإنسان ، فأثبت أخيراً أن قدرة الله على الصليب غلبت كل المتحدين ، وغلب سلاح الموت بقوة القيامة . فالذي ينظر اليوم إلأى الصليب في ضوء الحياة المسيحية الجديدة لعرف أنه يعني لجميع المتكلين عليه قدرة الله وحكمته . ففي موضوع الإيمان بالمصلوب ، وعمل الصليب الكفاري يصبح الإنسان قادراً على استخدام حريته في سبيل الآخرين ودعوتهم إلى السير خلف المصلوب . فرسالة القيامة مرتبطة بالمصلوب ، والفصح لا يمحو الصليب ، بل يثبته ويضفي عليه معنى ، فيجب ألا تظلل رسالة القيامة رسالة الصليب ، لأن الصليب ليس مرحلة عابرة أو مؤقتة نحو الخلاص ، ولا طريقاً إلى الثواب ، بل هو توقيع المصلوب الدائم . لا يمكن أن ينظر الإنسان نظرة صحيحة إلى الفصح إن لم يحفظ في باله يوم الجمعة العظيمة . أن الذي يرى في سر الصليب الغامض تعبيراً عن نعمةٍ ومحبة ذلك الإله الذي لم يدين أحداً ، بل نقبلهم من أول مرة ووضع ثقته فيهم وأحبهم . ذلك الإنسان لم يعد خادماً أو عبداً مصلوباً ، بل صار إنساناً حقيقياً ومثالاً للجميع . وصار أبناً لله الجالس في عرشه .  

   إن ما يميز بين المسيحية والديانات الأخرى هو أن مؤسس المسيحية مات مصلوبا ً، وقام إلاهاً قديراً ، ودخل في مجد الله ، وظل حياً . بينما كل مؤسسي الديانات الأخرى عاشوا وأنتهوا إلى الأبد . فليس للصليب قدوة ومثالاً حياً فحسب ، بل هو أصل الإيمان بالمصلوب . فالصليب يؤصل الإيمان في واقع الحياة اليومية بما فيها من نزاعات . الصليب هو ضوء القيامة ولكن القيامة تبقى في الوقت ذاته في ظل الصليب . فبدون الإيمان بالصليب ننزع عن الذي مات عليه وقام من بين الأموات طابعه المميز والحاسم . وبدون الإيمان بالقيامة ، ننزع إيماننا بالمصلوب . ذلك العنصر الذي يؤيده ويبرره . وأخيراً نقول للمصلوب : 

بصليبك المقدس خلصت العالم 

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!