مقالات دينية

ظهور ملاك الرب لمار عمه مطرافوليط أربيل وطلباته

الكاتب: وردا اسحاق

 

 

ظهور ملاك الرب لمار عمه مطرافوليط أربيل وطلباته

إعداد / وردا إسحاق قلّو

بعد أن تناولنا بداية هذا القديس موضوع ( مارن عمة مطرافوليط حدياب ” أربيل ” ) وعلى الرابط التالي :

mangish.net/مار-مارن-عمه-مطرافوليط-حدياب-أربيل/

 

نستمر بدراسة سيرته في هذا المقال وبعد هذا سنختمه بمقال ثالث عنوانه

( الآيات التي أجراها مار مارن عمه بعصاه ونهايته ) .

 في أحدى الليالي بينما القديس مارن عمه مطرافوليط حدياب ( أربيل )  كان عاكفاً على الصلاة في قلايته ظهر ملاك الرب وجهاً لوجه برؤيا مجيدة سامية أ فامتلأ هيكل الطوباوي رائحة ذكية واضطرب هو كثيراً ، وقال للملاك : ” من أنت يا سيدي ؟ ” أجابه الملاك وقال : ” أنا ملاك الرب الذي أخدم كرسي أربيل الرسولي هذا ” فقال له القديس : ” وماذا يأمر سيدي عبده ؟ ” . أجابه الملاك : ” صدر أمر من الرب أن يبيد بواسطتك ويفني الشعب الخاطىء ، هذا الشعب الذي طغى إثمه على بلاد مركا . فقد صعد شرهم قدام الرب مثل شر السادوميين وسينالون على غرارهم عقابات نختلفة بحسب أوامرك “ ( مركا لفظة كلدانية تعني المروج ) وهو أسم يطلق على المنطقة التي تشكل مثلثاً متساوي الساقين قاعدته نحو الشمال في سلسلة جبال عقرة ، ورأسه نحو الجنوب عند ملتقى نهر الزاب الكبير ، واسمه مشتق من تربة المنطقة الخصبة والغزيرة المياه .

أجاب الطوباوي الملاك وقال : ( ان الرب قادر أن يبيدهم في ساعة واحدة ، كما أباد قوات الآشوريين ) ” 2مل 35:19″  فهل تحتاج إلى وساطة ضعفي ذاك الذي يده تسند العالمين ؟ وإذا تراءى لهم فإنهم ينوحون مولولين ، ومن منظره ترتعش الجبال وتهتز الأرض . فقال له الملاك : ( أنا الملاك الذي أرافقك في إدارتك كلها وفي إدارة الذين قاموا قبلك والذين سيخلفونك ، إلى أن تكمل الأزمنة وتزول ، وانا أكون معك في إبادتهم ) فأجابه الطوباوي ( ليس من العدل واللياقة أن أكون جلاداً لأولادي ، وإن أذبح هؤلاء الذين على يدي تقدسوا بالعماد وبوضع اليد ، وقد سقيتهم مياه تعليم المسيح الحية ، فحاشا لي أنا الخاطىء أن اعمل ذلك ) . فأن أهلاك الآشوري ” 2مل35:19″ وإبادة الشعب الأسرائيلي الذي جرى في عهد داود ” 2 صم 15:24″ والمدن الكثيرة التي دمرت ” تك 25:19″ والمعجزات العظيمة التي أجراها الله في شتى الأجيال لم تكن بيد البشر ، بل جرت بواسطة الملاك . فأذهب أنت واعمل ما تأمرني به  . قال له الملاك ( لا تحتج على أمر الرب لئلا تكون عنيداً ومخاصماً . فإن لم ينتقم منهم بواسطتك فسوف لا يعرفون إنهم هلكوا عدلاً ، ومن الضروري أن يصيروا عبرة لئلا يقتدي بهم غيرهم ) ولما قال له الملاك هذا ، اختفى عنه فلم يره بعد .

مغادرة الطوباوي دار المطرانية في أربيل وهربه وتدخل الملاك وردعه :

عندما رأى القديس ذلك وعلم أن الكلمة خرجت من لدن الرب ، ترك خفية صومعته وقد أغرورقت عيناه بالدموع وهصر الحزن قلبه وخرج ليلاً ليعتزل الناس ولا يكون أداة للعمل الذي طلبه الملاك . فسار يحث خطاه متوجهاً شرقاً نحو الجبل وهو يذرف الدموع السخية ويتمتم بالصلاة والإبتهال ، ولكن كما أعاد الرب ( يونان ) النبي الهارب من بطن الحوت إلى وعظ الناس في نينوى ” يو 10:2 ” وأنجز به كلمته ، كذلك أعاد هذا الأسقف الهارب إلى خدمته ، ليس بالحوت ، بل بالنار . فبعد أن مشى سحابة النهار دون قوت أو ماء ، بلغ وادياً فيه مجتمع مياه يحيطها القصب . فدخل ذلك الغاب الصغير لكي يسد رمقه بالنعناع والخضار الذي حواليه . وإذا بالملاك النوراني الذي كان يرافقه كالسابق وقف فوقه وقال له :

( أنى لك أن تهرب من أمام الرب ؟ فأن السماء والأرض مملوءتان منه ، وأراك تتصرف كجاهل وقاصر ؟ ) فأجابه :

( أني ، وأن أضطررت إلى الموت والهلاك ، لن أصبح راعياً شريراً فأكسرُ مفاصل غنمي ، أو جزاراً للخراف البريئة التي أأتمَنني الروح القدس عليها ) . فقال له الملاك :

( كان باستطاعتي الساعة أن أنتشلك مثل حبقوق وأضعك في صومعتك ، أيها الشيخ الساذج ، غير أني لا أريد أن تأتي خدمتك قسراً بل طوعاً ) . وما كاد الملاك ينهي كلامه حتى أحاطت بالقديس نار اضطرمها الملاك ، وصارت تلتهم الغاب . وقال له الملاك :

( أتذهب الآن أم أحرقك مع هذا الهشيم ؟ ) ولما أخذت حرارة النار تلفح جسم الشيخ ، أجهش بالبكاء ووعد أنه ذاهب لأنجاز الأمر ، فأخذه الملاك وبساعة واحدة وضعه في صومعته . مكث فيها قليلاً ثم ذهب إلى العمل المملوء أسى الذي انتدب له . فعَبرَ الزاب الكبير وتوجه أولاً إلى منطقة ما وراء الزاب الواقعة شرقي مركا ، وصعد إلى قرية كبيرة واقعة في الجبل تسمى بيرتا ( تقع 20 كم شرق عقرة على منتصف الطريق بينها وبين الزاب الكبير ) وبات في الكنيسة حسب عادته ، وأوحى أليه في الحلم أن هذه هي أحدى القرى التي تغيض سيدك ، فأرمها بسهام لعناتك وبادر في الخروج منها . وما إن بزغت الشمس حتى ركب حماره وخرج منها . وأدار وجهه نحوها وقال : ( أيتها القرية المملوءة أثماً ، لا يصح فيك ديك مبشر بالسلام ، ولا يسمع فيك صوته إلى الأبد ) . فخرجت نار من زواياها الأربع فوراً والتهمت المساكن في ساعة واحدة . وإلى اليوم لم يسكن فيها أحد .

 ومن هناك قصد قرية بيث طحوني الواقعة شرق عقرة ، وكان يسكنها قوم من الشهارجة لهم في المنطقة ممتلكات كثيرة . وكان لأحدهم واسمه ارمنازوي إمرأة من كفرعوزبل وهي تعرف القديس معرفة جيدة وكانت أبنة أشراف . وكان في قرية بيث طحوني دير للراهبات ، وكان زوجها يقترف الزنى بأحدى أولئك الرواهب . فلما دخل الطوباوي الكنيسة ، أتته تلك المرأة مجيئها عند أبيها ومربيها . وبدأت تشكي من زوجها على تلك النجاسة الخفية التي يتعاطاها وكيف أنه تركها ليتمرغ في الزنى . فدعاه القديس وبدأ ينصحه ويوبخه قائلاً ( أنك لست تتصرف حسناً ، فإنك عوض الزواج الشرعي تفرح الشيطان بمضاجعات غريبة ، وتشجب نفسك أمام الله وتفقد نعمة الأنتساب إليه ) . ولكن الرجل ، عوضاً عن أن يقبل التوبيخ ويقر بخطيئته ويطلب الصلاة ويعد التوبة . شرع يقذف القديس بمسبات قبيحةٍ وأدت به إلى الجسارة إلى رفع يده محاولاً ضربه . فقال له القديس ( أني واثق بالرب أنك أنت وكل قريتك ستهبطون أحياء إلى الجحيم مثل قورح وداثان وأبيرام ) . أما المرأة فلما رأت ذلك . وطرقت سمعتها لعنة الشيخ القديس عرفت أن أمره لا يعتم أن يتحقق ، فقالت له : ( أبت ، وماذا نعمل أنا وأبناي هذان ؟ ) قال لها : ( بادري إلى الخروج إلى دير قوراي ولا تتخلفي ههنا ساعة واحدة لئلا تبيدي ) . وفي الصباح إذ كان الحاصدون في الحقول ، سمع صوت كصوت رعود قوية وانفتحت الأرض أمام القرية ، وتزلزل الجبل المشرف عليها كأنه ينهار عليها . ولما كان حاصدو الدخن يتفرسون فيها عن بعد رأوا فارسين يمتطيان صهوة حصانين من نار متقلدين سيوفاً نارية وواقفين ، الواحد من فوقها في الجبل ، والآخر من تحت . فقال الواقف فوق لزميله الوقف في الأسفل : ( أنت أهدم من أسفل وأنا من فوق ) . وهكذا تلاشت في الأرض قرية بيث طحوني مع سكانها إلى اليوم . وكل الذين يتذكرون هذه الحوادث يروون لنا أن دخاناً ورائحة كريهة كانت تتصاعد منها طيلة شهرين وصارت مثلاً وعرة إلى الأبد .

ومن هناك رحل وجاء إلى قرية بيث عيناثا الواقعة إلى غرب عقرة ب (12) كم ، والقريبة على قرية باشوش . وأظهر له الله ما ستؤول إليه . فوقف راكباً دابته على الأكمة المشرف عليها ورفع يده إليها ولعنها قائلاً : ( ليثر الرب عليك رياحاً شديدة فتهدم بيوتك كلها ويهلك سكانك ولا يسكنك أحد بعد إلى منتهى الأزمان ، وترث قرية باشوش أراضيك ) . وفي الليلة التالية هبت عليهم ريح جنوبية شديدة فعاثت فيها ودمرتها واصبحت ميراثاً لبني باشوش إلى اليوم .

انتقل إلى قرية أخرى اسمها حبوشتا ( تقع شمال شرق كنيسة مار ساوا في شلمث ) فأمره فيها أيضاً فألقى عليها كلمات الغضب فأنقلبت قاعاً صفصفاً ، وتركها .

وقال له الملاك أن يذهب إلى قرية ( بيث أدري ) وهي غير باعذري التابعة لبلدة عين سفني ، ومعناها ( موضع البيادر ) . كانت هذه قرية والد مار أبراهام الجاثليق ، وكان أبيه شابور الذي كان يسجد للشمس . كان في القرية مدرسة صغيرة تضم (12) طالباً بأشراف معلم . فدخل عليهم فوجد أن المعلم يتهيأ لقراءة نصاً من سفر اشعيا ،  أمرهم الطوباوي بمغادرة القرية والذهاب إلى قرية شلمث المشرفة عليكم ، لأن سقوط أصحاب القرية وشيك ، وفي اليوم التالي جاء قوم من الشمال ، كما جاء في النص الذي قرأوه ، وق*ت*لوا صاحب القرية ، وأصبحت قرية خربة لا يسكنها أحد حتى اليوم .

 ومنها جاء إلى ( ميا قريري ) قرية الأكرم زادوي ، وكانت فيها مدرسة شهيرة . وكان لزادوي اثنتان وسبعون قرية في مركا وفي كوكمل وفي نينوى ، ولا نعلم الذنب الذي حدا القديس إلى لعنها قائلاً : (  إنك ستهبط من كل هذا المجد الذي ترفل فيه وتنزع منك قراك وأخيراً تهلك جوعاً ) وقد تحقق ذلك بنوع مدهش ، إذ قد اضمحل غناه وزال مجده ووقعت قراه كلها بيد الغرباء وهو بعد حي يبصر ذلك . وكان الشهريج شابوران من قرية قوب يقص عليّ بشأنه إنه وصل في شيخوخته إلى فقر مدقع حتى إنه أمضى يوم رأس الصوم بدون خبز . فجاءه أحد الذين تربوا في بيته بحفنة حنطة وقَلاها على الجمر ، وبها قضى رأس الصوم الأربعيني .

وكان هرطوقي ( يقصد به المؤلف توما المرجي إنه من المذهب” المنوفيزيتي ” ) كان جالساً على عمود من الجص في قرية بيث قرداغ ، وإلى الآن يشاهد فيها المرء صخرة كبيرة منحوتة ومدرجة يبلغ ارتفاعها ستة أمتر وضلع مربعها مترين ، وبيان هذه الصخرة كانت قاعدة لبرج هذا الناسك الذي أمضى سنتين فوق ذلك البرج ، ولم يكن عمله وسكناه هناك إلا لمرضاة الأبالسة . لعنه الطوباوي عند مروره من هناك ، فقال ( ليضرب الرب ذلك البرج الذي أنت عليه جالساً خارج التعليم الأرثوذكسي بحجارة البرد فتسقط وتتدهور ، وتخرج نار من البرد فتلتهم جسدك وتكون عاراَ وعبرة للأجيال الآتية ) والذين كانوا شهود عيان قالوا لي أن الشيخ المبارك لم يكد ينهي كلامه حتى ظهرت سحابة صغيرة دكناء وصعدت مقبلة من جبل متى ( الجبل المقلوب ) ترافقها رعود شديدة وبروق محرقة . وجاءت واستقرت فوق العمود ، فأنهار العمود بأحجار البرد الكبيرة الطاغية وتبددت أحجار بنيانه . ثم خرجت نار من البرد ونشبت بجسد ذلك الشقي واحرقته . وهكذا أصبح سخريةً ومضرب مثل .

أما شرزاد الذي سمي بعدئذ كيوركيس ، فلما رأى ما حدث ، قال للمطرافوليط : ( يا سيدي ، أتبلغ هذا الحد القوة التي ترافق القديسين ؟ ) فأجابه : ( وماذا رأيت إلى الآن يا بني من الأعمال الرسولية ؟ ) فقال له كيوركيس : ( إذا كان الأمر كذلك فحي هو الرب أني لأصير راهباً وأكفر بالعالم وبكل ما نملك ) فقال له القديس : ( أن تفعل ذلك وتصبح راهباً فسيجعلك الرب رئيساً على كنيسته كلها ) . وتحققت نبؤة القديس عن هذا الطوباوي أيضاً فإنه ذهب وتتلمذ في دير بيث عابي . ولما صار رئيس الدير صرح قائلاً لرهبان ديره : ( بدأت رجلي تدرج في مراقي الرئاسة حسب كلام الطوباوي مارن عمه ) فأصبح مطرافوليطاً لعيلام مدة خمس وعشرين سنة ، وأرسل يقول لبني ديره أن درجة أخرى تنتظرني حسب كلمة القديس . ولما توفي ربان أيشو عبر نون ، أو ” إيشوع برنون الذي ولد سنة 743 م  ، أصبح كيوركيس بطريركاً خلفاً له . وأرسل إلى ديره يقول : ( انظروا أيها الأخوة ، فقد تمت بالفعل النبؤة التي فاه بها عني مار مارن عمه ) .

وخرج الطوباوي مارن عمه من حنس وصعد إلى منطقة بيرتا حانقاً على قرية حطرا . فرشقها بسهام لعناته قائلاً لها : ( لا يكن فيك خبز ، وكل من يتجاسر ويسكن فيك لتبد حياته بالجوع والمرض ) . فشملت اللعنة أيضاً هذه القرية واصبحت يباباً إلأى الأبد . وبعدئذ رجع الطوباوي إلى مقره كالجندي الصنديد ، بعد أن دمر أعداء سيده ومحق قراهم إلى الأبد وفرق البقية منهم أيدي سبا .

إلى اللقاء في مقال ثالث عن هذا القديس ، عنوانه ( الآيات التي أجراها مار مارن عمه بعصاه ونهايته ) .

 لتكن صلواته مع أبناء كنيستنا المقدسة     

 

   

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!