مقالات دينية

أستير أنقذت شعبها بحكمتها

أستير أنقذت شعبها بحكمتها

بقلم / وردا إسحاق قلّو

  لأستير سفر في الكتاب المقدس بإسمها يتكون من عشرة إصحاحات تتناول الموضوع الرئيس والأهم وهو قصة إنقاذها لشعبها اليهودي من خطة الوزير هامان .

إستير بنت أبيجائيل عم مردكاي بن شمعي يهودية يتيمة أتخذها إبن عمها إبنة له فتربت في بيته ، وكانا يعيشان في شوشن عاصمة بلاد فارس . وكان مردكاي يعمل في البلاط الملكي .

ممالك أحشورش الفارسية تتكون من 127 أقليماً ، تبدأ من الهند شرقاً إلى الحبشة غرباً يحكمها الملك أحشورش العظيم ، وسلطانه قد شمل كل تلك البلدان ، وكان يحكمها بالعدل ويحافظ على السلام لتعيش مملكته المتمدنة بلا إضطراب أو حروب فكان يعمل بالحكمة والإخلاص لخدمة كل تلك الأمم .

في السنة الثالثة من عهدة الملك أقام مأدبة لمدة 180 يوماً . وبعدها وليمة إلى أهل شوشن العاصمة لمدة سبعة أيام ، فيها أبذغ الكثير من الطعام والخمور التي قدمت بأقداح من ذهب ، وأقامت وشتي الملكة وليمة أخرى للنساء .

في اليوم السابع عندما دارت الخمر في رأس الملك ، أمر خصيانه السبع بإحضار الملكة وشتي وعلى رأسها تاج الملك ، ليرى الشعوب والرؤساء جمالها الفتان . لكن وشتي أبت أن تحضر ، فلما أبلغه الخصيان بالأمر إستشاط غيضاً . إستشار أولاً الحكماء العارفين ليعاقبها بحسب السنّة والقوانين لأنها رفضت طلبه . فقال مموكان بحضرة الملك والرؤساء ( أن وشتي الملكة لن تسىء إلى الملك فحسب ، بل إلى جميع أقاليم الملك أحشورش . لأن خبر المملكة سينتهي إلى جميع النساء ، فيحتقرن أزواجهن في عيونهن ) . إقتنع الملك ، فبعث برسائل إلى كل الأقاليم ليكون كل رجلٍ سيداً في بيتهِ . هكذا يجب ان تتعامل النساء ازواجهم بإحترام . طردت وشتي من القصر ، فبدأ البحث عن ملكة جديدة لتخمد غضب الملك . فتم إعداد عذارى بارعات الجمال في القصر تحت إشراف هيجاي خصي الملك ، وحارس النساء ، تقدم لهن الدهون المعطرة والأطعمة . قدم مردكاي عن أستير ( هدسة ) لأنها كانت يتيمة الوالدين ، كانت بارعة الجمال ، تعجب بجمالها هيجاي ، فقدم لها العطور ونقلها إلى أفضل جناح للنساء . وجعل لها الوصيفات السبع المختارات من بيت الملك . كان لكل فتاة دور للدخول على الملك بعد مضي أثني عشر شهراً عليها بحسب سنّة النساء . لأن التجميل الكامل لهن يتم ( ستة أشهر بزيت المُر ، وستة أشهر بأطياب وعطور تجميل النساء ) ومن ثم تدخل إلى الملك في المساء ، لتعود في الصباح إلى دار النساء . دخلت أستير إلى الملك فتعجب بها فوضع تاج الملك على رأسها وأحبها وفضلها على جميع الأبكار وجعلها ملكة مكان وشتي .

  تآمر بجتان وتارش خصيي الملك ، وهما إثنان من حراس الأعتاب ، وقصدا أن يلقيا أيديهما على الملك أحشورش ، فعلم مردكاي بالأمر وأخبر أستير الملكة فأخبرت الملك بإسم مردكاي ، فحقق الملك وتأكد من صحة الخبر ، فعلقا كلاهما على خشبة .

  عظم الملك هامان بن همدانا الأجاجي ، ورقاه وأجلسه فوق جميع الرؤساء الذين عنده وكان جميع خدم الملك يسجدون لهامان بأمر من الملك ، أما مردكاي فلم يجثو له يوماً ويسجد ، وصل الخبر إلى هامان فقرر الإنتقام ليس من مردكاي فحسب بل من كل اليهود في المملكة .

 في السنة الثانية عشر لحكم الملك ألقوا ( فورا ) أي القرعة أمام هامان فأبلغ الملك بوجود شعب مشتت فريد بين الشعوب في المملكة ، سننهم تخالف سنن جميع الشعوب ، ولا يحافظون على سنن الملك . فإن حسن عند الملك ، فليكتب أمر بإهلاكهم ، وأنا أزن عشرة ألاف قنطار من الفضة لمن يتولون العمل . فتحمل إلى خزائن الملك . وافق الملك ونزع خاتمه من يده ودفعه إلى هامان ، وقال له الفضة لك والشعب أيضاً ، تفعل بهم كما يحسن عندك . أرسل هامان الرسل  مع كتب مختومة ومكتوبة بكل اللغات واللهجات إلى كل الأقاليم وحدد يوم 13 أيار يوم إبادة اليهود .

  علم موردكاي بكل ما يحدث فمزق ثيابه وألقى عليه مسحاً ورماداً وخرج إلى وسط المدينة وصرخ صراخاً عظيماً مراً . وحزن كل اليهود في كل الأقاليم وصاموا وبكوا ولبسوا الرماد والمسح . وصل الخبر إلى الملكة فارسلت لمردكاي الكسوة وينزع عنه مسحهُ ، وصل كلام مردكاي إلى أستير وأخبرته ليجمع كل اليهود في شوشن ليصوموا لأجلها لكي تدخل إلى الملك على خلاف السّنة .كما صلى مردكاي وصلت أستير بعد أن لبست ثياب العبادة . ثم نزعتها لتعد نفسها لتسربل بمجدها إلى الملك بعد أن دعت إلى الله الذي يرى كل شىء ويخلص شعبها  . وافق الملك لها بالحضور أمام عرشه فبدأت تمدحه وتصفه كأنه ملاك الله ، وقالت أضطرب قلبي هيبة من مجدك لأنك عجيب يا سيدي .. وفيما هي تتكلم إنهارت من ضعفها ، فإضطرب الملك ، وقال لها ( ما بك يا أستير الملكة وما بغيتك ؟ ولو كانت نصف المملكة ، فإنها تعطى لك ) . فأجابت ( إن حسن عند الملك ، فليأت الملك وهامان هذا اليوم إلى المأدبة التي أعددتها له ) . فقبل الملك ، وقال لها في المأدبة ( ما طلبك ؟ ) فقالت أن حسن عند الملك فلتأتوا غداً أيضاً إلى مأدبتي ، فوافق الملك . خرج هامان ذلك اليوم فرحاً مسرورالقلب . أحضر أصدقائه وزوجته زارش وحدثهم عن ثروته وعن الإمتيازات التي حصل عليها من الملك ، وفوق كل هذا فأن أستير الملكة لن تدخل أحداً سواي مع الملك إلى مأدبتها . لكن كل هذا ليس بشىء عندي ما دمت أرى مردكاي اليهودي جالساً بباب الملك ، وكان مردكاي يرفض السجود له .  فقالت له زارش وجميع الحضور ( لتصنع خشبة إرتفاعها خمسون ذراعاً ، وغذاً كلم الملك فيعلق عليها مردكاي ، ثم إدخل إلى المأدبة فرحاً ) فحسن القول عند هامان .

 قرأ الملك كتاب أخبار الأيام ، فوجد مكتوباً أن موردكاي كان قد أخبر عن بجتانا وتارش خصيي الملك اللذان قصدا إختيال الملك ، فقال الملك ماذا صنع من الإكرام والتعظيم لمردكاي لأجل هذا ؟ فقال الخدم له : ( لم يصنع له شيء ) .

فقال الملك ، من في الدار ؟ وكان هامان قد جاء إلى دار بيت الملك ليكلم الملك في أمر تعليق مردكاي على الخشبة التي أعدها له . بادره الملك بالسؤال ( ماذا يصنع للرجل الذي يرغب الملك أن يكرمه ؟ ) فظن هامان بأنه المقصود في التكريم ، فقال للملك ( الرجل الذي يرغب الملك أن يكرمهُ ، يأتونه بثياب الملك التي لبسها الملك ، وبالفرس الذي يركبه الملك ، ويوضع تاج الملك على رأسه … ) فقال له الملك إسرع وإصنع ذلك لمردكاي اليهودي الجالس بباب الملك . ولا تهمل كلمة من كل ما قلتهُ . ففعل هامان كل ما أراده الملك لموردكاي ، وبعد ذلك عاد هامان إلى البيت حزيناً وأخبر أصدقائه وزوجته .  

 في اليوم الثاني جاء الملك وهامان إلى المأدبة الثانية ، فقال الملك لأستير ( ما بغيتك ، يا أستير الملكة فتعطى لك وما طلبك ِ ؟ ) فقالت له : ( أن تهب لي حياتي ، هذه هي بغيتي ، وحياة شعبي ، هذا هو طلبي ، لأننا مبيعون أنا وشعبي للإبادة والق*ت*ل والهلاك ولو كان مبيعن عبيداً وإماء ، لكنت سكَتُ : إلا أن مضطهدنا لا يعوض الضرر اللاحق بالملك ) . فأجاب الملك أحشورش وقال لأستير الملكة : ( من هو وأين ذاك الذي أرتأى في قلبه أن يفعل هكذا . ) فقالت له ( الرجل المضطهد العدو هو هامان هذا الشرير ) . فإرتعد هامان ، وقام الملك من المأدبة غاضباً إلى حديقة القصر ، فبقي هامان يتوسل إلى أستير لأنه رأى أن الشر قد تم عليه من قبل الملك . عاد الملك ليرى هامان المنهار على السرير الذي عليه استير . فقال ( أيغتصب الملكة أيضاً عندي في البيت ؟ ) وبعد هذه الكلمة تم تغطية وجه هامان ( ويعني ذلك حكم عليه بالموت ) . قال أحد الخصيان للملك ( ها أن الخشبة التي صنعها هامان لمردكاي ، الذي تكلم لخير الملك ، منصوبة في بيت هامان ، إرتفاعها خمسون ذراعاً ) ، فقال الملك ( علقوه عليها ) فعلقوا هامان على الخشبة التي أعدها لمودكاي ، وسكن غضب الملك . وفشلت المؤامرة .

  أعطى الملك بيت هامان إلى أستير التي أخبرت الملك بقرابتها من مردكاي ، فنزع الملك خاتمه الذي كان قد نزعه من هامان وأعطاه لمردكاي ، وأقامت أستير مردكاي على بيت هامان . عادت الملكة لتكلم الملك عن مصير اليهود في الشتات , فقال الملك لأستير ومردكاي اليهودي ( هاءنذا قد أعطيت أستير بيت هامان . وأما هو فقد علقوه على الخشبة لأنه مد يده على اليهود ، فإكتبا أنتما في أمر اليهود كما يحسن في أعينكما باسم الملك ، وإختما بخاتم الملك ، لأن الكتابة المكتوبة بإسم الملك والمختومة بإسمه لا رجوع عنها . تم ذلك ليخلص الشعب اليهودي من مؤامرة هامان . وكتب مردكاي رسائل إلأى جميع اليهود الذين في جميع اٌاليم الملك أحشورش ، وسنّ عليهم أن يعيدوا في اليوم الرابع عشر من شهر آذار ، واليوم الخامس عشر منه ، في كل عام ، وفي اليومين اللذين استراح فيهما اليهود من أعدائهم ، والشهر الذي تحول لهم الحزن فيه إلى فرح ، والنوح إلى خير . ويعيدا في كل جيل وكل عشيرة وكل أقليم وكل مدينة ، وأن يومي ( فوريم ) هذين لا يبطلان من بين اليهود ، ولا ينسخ ذكرهما من نسلهم .  فأتخذ اليهود ما إبتدأوا بإجرائه وما كتب به إليهم مردكاي سنة لهم . وكتبت استير الملكة ومردكاي بكل سلطانهما لإثبات رسالة ( فوريم ) الثانية هذه وبعثت بالرسائل إلى كل الأقاليم لتبشرهم بكلام السلام ، وكما أوجبوا على أنفسهم وعلى نسلهم أمور الصيام والنحيب ، وأثبت أمرها إنشاء ( فوريم ) هذا وكتب في السفر . وهكذا أنقذت أستير شعبها اليهودي ، وإنتقمت من العدو الأكبر هامان . وكل هذه الأمور تم تدوينها في سفر خاص سمي بإسمها ، سفر ( أستير ) .

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!