مقالات دينية

سر ملكوت الله وعقل الإنسان

سر ملكوت الله وعقل الإنسان

بقلم / وردا إسحاق قلّو

قال الرب ( فأطلبُوا أوَّلاً ملَكُوتَ اللهِ وبرّهُ ، وهذِهِ كُلّها تُزادُ لكُم ) ” مت 33:6″

   عقل الإنسان يدرك ما يرى من أشياء . فحتى وإن سمع الإنسان أمور أخرى لا ترى كأخبار الملكوت ، فيصعب عليه فهمها بعقله المحدود ، لذا لم يلجأ يسوع في تعليمه إلى شرح كل ما يتعلق بالملكوت ، إنما أعطى أمثلة كثيرة لكي يتخيَّل السامع هذا السر ولأهميتهِ ذكر يسوع ملكوت الله والسموات أكثر من مئة مرة مستخدماً الأمثال وخاصةً في أنجيل البشير لوقا.

   الفريسيون سألوا يسوع عن وقت مجىء ملكوت الله ، فكان ردهُ يشير إلى بداية التفكير بالملكوت ، فقال ( … فها أن ملكوت الله في داخلكم ) ” لو 21:17 ” إذاً الملكوت ينبعث أولاً من داخل الإنسان كبداية صغيرة ، أو كخطوة أولى ، لأن ملكوت الله هو ملك الله ، وملكه لا يقتصر في السماء ، بل على الأرض وفي الكون كلهُ . فالخطوة الأولى لنا إلى الملكوت هي الإيمان أولاً بأننا نسير نحو ذلك الهدف، وهكذا تكبر الفكرة لكي يكتمل الموضوع للوصول إلى تلك الغاية . أختصر يسوع الطريق بالأمثلة ، كمثال حبة الخردل ” لو 13: 18-19 ” ومثل الخميرة في نفس الأصحاح . كيف تكبر حبة الخردل لتصبح شجرة كبيرة . ، وكيف أن كمية الخميرة الصغيرة قادرة إلى تخمير كمية كبيرة من الطحين ؟ أنه تحول كبير وسريع لم يستطيع الإنسان أن يدرك كيف يحدث هذا التغير السريع والكبير . فالملكوت الذي يبدأ كبذرة أو خميرة في قلب الإنسان نتيجة الإيمان فالله قادر أيضاً كما نَمّا حبة الخردل ، ووضع طاقة في الخميرة لكي تغيير كل العجين ، هكذا خميرة الإيمان سينميها الله فينا لكي تكبر .

   قد يحسب البعض بأن إيمانهم وضيع فيشكّون بأنهم لا ينالون ملكوت الله . لكن في الحقيقة علينا أن نزرع والله هو الذي ينمي ،  وكما قال الرسول بولس (1 قور 7:3) وكما ينمي البذور المزروعة في الأرض دون أن نعلم أو نشعر بما يحصل تحت سطح الأرض . الأرض لوحدها تخرج العشب أولاً من الحنطة المزروعة لتنتج السنبل ، ثم القمح الذي يملأ السنبل ( مر 4: 26-29 ) وهذه الأمثال توضح لنا بأن ملكوت الله آت لا محال ، فعلينا أن ننتظر بشوق أساسه الإيمان لمعرفة وقت النهاية أو النضوج . إي لا يحصل دخول الإنسان فجأة ، بل ينمو في داخله يومياً وهو في حياة الجسد .

    ملكوت السموات هو المُلك ، أي السيطرة . سيطرة الله على عقول وقلوب الناس عن طريق محبته للبشر ، ومحبة الإنسان لله . فالمحبة تملك القلوب ، والملكوت هي مسيرة حياة وراء المسيح . ولكي يصبح قلب الإنسان ملكوتاً لله . فالذي يمتلك قلباً نقياً يعيش حياة التقوى  ( فأطلبُوا أوَّلاً ملَكُوتَ اللهِ وبرّهُ ، وهذِهِ كُلّها تُزادُ لكُم ) ” مت 33:6″ . وللملكوت معاني عديدة ، يسمى ( ملكوت السموات ) و ( ملكوت الله ) و ( ملكوت المسيح ) وبولس الرسول لا يفرق بين ملكوت المسيح وملكوت الله ( أف 5:5) . وملكوت الله الحاضر بيننا بحسب بعض النصوص الكتابية ( طالع لو 21:17 و مت 28:12 ) وفي بعض النصوص لم يحضر الملكوت بعد ، مثل ( حان الوقت ووقرب ملكوت الله ) ” مر 15:1″ . ويسوع يقول لبيلاطس ليست مملكتي من هذا العالم ( يو 36:18 ) فعلينا أن نفهم المقصود ، علماً بأن كل الأمثال عن الملكوت تدل على أن الملكوت هو حاضر بيننا وفي داخلنا وكذلك في وسطنا ، لم يُهَيمِن بعد كما ينبغي ، لهذا تنطلق حناجرنا بالدعاء قائلين ( ليأتي ملكوتك ) ” مت 10:6 ” .  

   الملكوت يبدأ من هذه الأرض ، والله يعضد المؤمنين به ومهما كانت أعمالهم ، فمثل العمال الذين أرسلهم رب الكرم إلى كرمه ، فرغم إختلاف ساعات العمل لكل مجموعة لكنه كافأة الجميع بالتساوي . وبحسب فهمنا لهذا الموضوع أو وفق عدالتنا وقوانيننا ، نندهش عندما يساوي الذي عمل طول النهار مع الذي عمل ساعةً واحدة فقط . فنفسره ظلماً وليس عدلاً ، لكن تفكيرنا هذا ينسف مبدأ الحب والحرية، فلصاحب العمل كامل الحرية على ماله ، فإذا كافأ العمال الغير المستحقين للأجرة التي أتفق مع عمال الساعة الأولى فأنه حر ، وأنه كريم وعطوف لهذا لم يخطأ بحق أحد ، ولم يظلم أحد . فإذا غفر الرب يسوع للص اليمين في الدقائق الأخيرة وساواه كمن عمل في حقل الرب في الإيمان والتبشير وفي الصوم والصلاة وسهر الليالي فلأن محبته شاملة وكبيرة ، إضافة إلى أنه حر في مغفرة الخطايا ، فمحبته الواسعة لا تتفق مع عقل الإنسان . فمفهوم ملكوت الله المرتقب سيأتي في عالم يتشبث بالعلاقة بين الكفاءة والمكافأة . أي أن الخلاص هو للأبرار وحدهم كما يعتقد البشر وبحسب عدالة قوانينهم البشرية . لكن الملكوت بحسب منظور الله الذي يعيد للتائب حقوقه وحتى وإن كانت توبته في لحظاته الأخيرة . ومثال الأبن الشاطر يؤكد لنا كيف أعاد الأب حقوق البنوة وإحتضنه . كذلك السيد الذي أعفى عبده من كل الديون  لكن هذه الأمثلة التي تعبر عن محبة الله اللامحدودة تعطف إلى أمثلة أخرى تتحدث عن عدل الله ، فيها نجد أن الوصول إلى الملكوت ليس سهلاً فيصطدم القارىء لأنها

تخلق له مشكلة عنيفة لا يتوقعها ، فتطلب منه الإستعداد ، لأن الملكوت يظهرفي تلك الأمثال بهيئة مرعبة فيها دينونة مفاجأة ، فهل الجميع مستعدين لها ؟

كمثل البواب الذي أوصاه سيدهُ بالسهر . كما أوصانا الرب نحن المؤمنين بالسهر والأستعداد كالعذارى الشاطرات ، وذلك لأننا لا نعلم متى يأتي الرب الديان إلى البيت ليحاسب الجميع . لهذا ينصح الجميع بالسهر لئلا يأتي بغتة فيجدهم نائمين .

قال الرب يسوع لتلاميذه بهذا الخصوص ( ما أقوله لكم ، أقوله للناس أجمعين ، أسهروا ) ” مر 13 : 34-36 ” .الديان يأتي كالسارق فعلى الجميع التهيؤ لأستقباله ، قال يسوع ( وأنتم تعلمون أنه لو عرف رب البيت في أية ساعة يأتي السارق لم يدع بيته ينقب ، فكونوا أنتم مستعدين ، ففي الساعة التي لا تتوقعونها يأتي ابن الإنسان ) ” لو 12 : 39-40 ” . المثالان تبين لنا ضرورة السهر الدائم والإستعداد للقاء بالعريس الذي يدخل المستعدين معه إلى ملكوته ، ثم يغلق الأبواب . فعلى الجميع العمل في ساعات الوقت الحاضر التي نعيش فيها على هذه الأرض ونأتي بثمار جيدة ، ومن ثمارنا سيعرفنا .

أمثال الملكوت تحدثنا لكي ندرك بعقولنا جزء من حقيقة الملكوت لنسعى لها ونحن في الحياة الزمنية لكي يكون تفكيرنا مرتبطاً بالكنز الثمين الموجود هناك . أما الذي يحصر تفكيره في الخيرات الأرضية فإنه كالغني الغبي الذي ملأ مخازنه من خيرات الأرض ( لو20:12 ) فكنز الإنسان الثمين ليس ما يكنزه لمسقبل جسده الزائل ، بل لما هو لروحه الخالدة في السماء ، لهذا قال الرب :

( أكنزوا لكم كنوزاً في السماء . وحيث يكون كنزكم تكون قلوبكم ) .

التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) “رو 16:1”

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!