مقالات دينية

رياضة روحية لزمن المجيء عبر النت للأب غدير الكرملي من ( 30_11 الى 24-12 )

الكاتب: ماري ايشوع
 
رياضة روحية عبر النت: زمن المجيء (30 تشرين الثاني-  24 كانون الأول 2014)
 
سلسلة الرياضات الروحية عبر النت
مع الرهبانية الكرملية في العراق
 
رياضة روحية لزمن المجيء 2014بعنوان:
»السير نحو الميلاد …
تعال يا رب، تعال وخلِّصنا!«

هذه هي الرياضة الروحية الخامسة مع الكرمل، في سلسلة رياضات روحية عبر النت، والتي بدأناها عام 2012. هذه الرياضة خاصة بزمن المجيء الذي يبدأ عشية الأحد الأول لزمن المجيء والمصادف في هذه السنة يوم30 تشرين الثاني.
 
بعض المعلومات عن السنة الطقسية بحسب الطقس اللاتيني:
السنة الطقسية تبدأ بالأحد الأول لزمن المجيء وتنتهي بالأسبوع الأخير من الزمن الإعتيادي. وطوال هذه السنة الطقسيةتحتفل الكنيسةبين هذين الحدثين بسر المسيح بأكلمه، أي من الولادته وإلى مجيئه الأخير (الذي يُسمى أيضًا المجيء الثاني).
تتكون السنة الطقسية من نوعين من الأزمنة: الأزمنة الكُبرى، والزمن الإعتيادي. الأزمنة الكبرى تتضمن: زمن المجي، الميلاد، الصوم الكبير وزمن القيامة، والتي نحتفل في كل واحد منها بِسِرٍّ معين من أسرار الخلاص، بينما الزمن الإعتيادي، بحد ذاته، لا يحوي أي سرٍّ محدد، لكنه بالأحرى يحتفل بكل سر المسيح، خاصة يوم الأحد. إن الزمن الإعتيادي مقسوم إلى 33 أحد، بعمر المسيح، بالإضافة إلى الأحد الرابع والثلاثين وهو الأخير، ويقع فيه عيد يسوع ملك الكون، والذي تنتهي به إذن السنة الطقسية دائماً.
 
 
[email protected]
هو العنوان الألكتروني الخاص بالرياضات الروحية عبر النت، فنرجو الكتابة لنا على هذا العنوان فيما لو كان لديكم أية رغبة بخصوص الرياضات الروحية أو أي إقتراح ترغبون في إشراكنا فيه وشاركوه مع أحباكم وأصدقائكم ممن يودوا استلام الرياضات الروحية أو الكرازات الأسبوعية.
 
لعيش رياضة روحية مثمرة، ندعوكم إلى مواقف ثلاث:

تكييف المحتوى: بما أن إنتظاراتكم هي مختلفة تماماً، فالبعض سيجد مادة الرياضة سطحية والآخر سيجدها معقدة وغير مفهومة الخ.. أي ستكون هناك خيبة أمل عند البعض. عليكم إذن أن تميزوا وتختاروا، من محتوى الرياضة الروحية المُرسَل إليكم، ما يساعدكم في طريقكم الروحي.
صلوا:  سيكون للنصوص المستَلَمة فائدة ما، فقط إذا أخذتم بعض الوقت للصلاة مع هذه النصوص وبمساعدتها.  ليس هناك رياضة روحية حقيقية بدون وقت مخصص للصلاة الشخصية! مع النصوص المرسلة إليكم ستجدون جدولاً بالنصوص الطقسية اليومية لكل يوم من أيام زمن المجيء؛ يمكنكم إذن أن تقرئوا أثناء الرياضة، النصوص الخاصة بكل يوم والتأمل فيها قليلاً، وستكون لكم مثل الخبز اليومي.
 الشركة: نحن نسير سوية في طريق المجيء نحو ميلاد الرب يسوع من خلال شبكة من العلاقات الروحية. لنخصص بعض الوقت للصلاة من أجل بعضنا البعض، ومن أجل كل من يحتاج إلى صلاتنا، ولا ننسى بالأخص أن نصلي من أجل السلام في بلدنا وفي العالم، ومن أجل النازحين والمتعَبين بسبب أوضاع بلدنا الجريح.

أتمنى لكل واحد منكم رياضة روحية مباركة … وليتمجد أسم ربنا يسوع إلى الأبد!
 
السير نحو الميلاد …
ها إن السير نحو الميلاد قد بدأ… الكثيرون منكم قد عاشوا معنا خبرة الرياضة الروحية عبر النت. إنها لَفُرصَة كبيرة أن نعيش طوال زمن المجيء في التأمل في سر مجيء الرب يسوع وإتخاذه جسدنا، وكذلك الإصغاء إلى كلمة الله، ونحس أننا لسنا وحدنا بل عديدون في مختلف أنحاء العالم نقوم بنفس الشيء. وأن نقوم بذلك عبر النت هو بالتأكيد فرصة ونعمة، لكن في نفس الوقت، هو شيء متطلب…  فرصة ونعمة لأننا لسنا وحدنا في هذا الطريق: هناك الآلاف يسيرون معنا … فأنا لا أعيش إيماني وحدي، لكني أعيشه مع الكنيسة. لكنه أيضاً متطلب، لأننا يجب أن نقوم ببعض الخطوات والجهود كي نستطيع الإستمرار حتى نهاية الطريق دون أن نمل أو نتعب أونتوقف في منتصف الطريق.
فنحن في هذه السنة، سنتأمل كل يوم ولمدة شهر كامل في كلام الله، والكتاب المقدس بيدنا، وعلينا إذن الإنتباه على الرغم من مشاغلنا وظروفنا الصعبة، التي ستدفعنا إلى التوقف وترك كلمة الله إلى يوم آخر. هدف الملاحظات التالية هو مساعدتكم عملياً في السير في طريق الميلاد هذه السنة؛ وعلى أيِّ حال، المهم في هذه الإرشادات هي أن تجعلنا لا نمل ولا تُثبَط عزيمتنا وهمتنا وأن نستمر في السير حتى النهاية في طريق الميلاد. ربما سيبدو الطريق طويل، لكن تذكروا أننا نسيره سوية مع أناس كثيرين غيرنا وعلينا أن نصلي بعضنا للبعض الآخر.
 
ماذا يقترح عليكم طريق الميلاد هذه السنة؟
سنقترح عليكم في طريق الميلاد لهذه السنة 2014 نصوصًا يومية. ستستلمون الملف الخاص بالأحد (وهو الأهم والأكبر) يوم السبت عادةً (إذا كانت خطوط الإتصالات سهلة!)، وبعدها تستلمون كل يوم أو كل يومين النصوص الخاصة بالتأمل اليومي وهي نصوص قصيرة ترافقنا في تأمل النص الخاص بكل يوم.
إنجيل كل أحد سيكون هو النور الذي ينير أيام الأسبوع التي تليه.
 
 باختصار إذن ستستلمون ما يلي:
1) يوم الأحد:
*مدخلاً للموضوع الذي سنركز عليه طوال الأسبوع.
* تأملاً في إنجيل الأحد.
* نصًا من التراث المسيحي بالعلاقة مع الموضوع.
 
2) من الأثنين وإلى السبت: سنصغي إلى كلام الله بحسب قراءات اليوم:
 
*مدخلاً للنص الكتابي (القراءة الأولى أوالإنجيل المقترح لكل يوم).
*تأملاً قصيراً في النص الكتابي لليوم.
*صلاة نحاول تكرارها في ذلك اليوم، تُدخلنا في شركة مع كل السائرين معنا نحو الميلاد في مختلف الأماكن.
 
ما هي المواضيع التي ستقودنا تأملاتنا؟

المواضيع التي سنتأمل فيها طوال زمن المجيء مرتبطة بنصوص الآحاد:
– الأسبوع الأول(من30 تشرين الثاني– 6 كانون الأول): الله الذي يُخَلِّصمن خلال مجيئه لملاقاة الإنسان.
– الأسبوع الثاني (من 7 – 13  كانون الأول): الله الذي يُخَلِّص من خلال خلقه كل شيء جديداً.
– الأسبوع الثالث (من 14 – 20 كانون الأول):  الله الذي يُخَلِّص من خلال عقده عهداً مع الإنسان.
– الأسبوع الرابع (من 21 – 24 كانون الأول):الله الذي يُخَلِّص من خلال هبة ذاته للإنسان.
 
كيف نعيش هذه المسيرة نحو الميلاد؟
لعيش هذه الرياضة الروحية كل أسبوع، ربما من المستحسن أن تحددوا في يومكم وقتًا ثابتًا (نصف ساعة على الأقل)، وكذلك مكاناً مناسبًا، مخصَّصًا لعيش مسيرتكم نحو الميلاد.  ابدئوا  بقراءة محتوى ملف اليوم المرسل لكم: مدخل ونص كتابي. خذوا وقتًا للصمت كي تطلبوا من الروح القدس أن يساعدكم على استقبال هذه الكلمات كغذاء في مسيرتكم في ذلك اليوم.  أعيدوا قراءة النص ببطيء، ولأكثر من مرة. ركزوا على عبارة في النص، أثَّرَتْ فيكم أكثر من غيرها. تأملوا فيها أمام الله وليس وحدكم! لا تنسوا بأنه موجود فيكم ومعكم وأن هدف الرياضة أو الصلاة هو أن تدخلوا في علاقة معه وليس أن تصلوا مع أنفسكم وأفكاركم مهما كانت جميلة. راجعوا حياتكم ببساطة على ضوء النص. أنهوا التأمل اليومي باتخاذ قرار عملي بسيط يمكن عيشه في ذلك اليوم أو في اليوم التالي، واختموا بالصلاة المقترحة عليكم، أو أية صلاة أخرى تدخلكم في علاقة مع الله شاكرين له كل نعمه وحبه لكم.
 

الأسبوع الأول من زمن المجيء (من30 تشرين الثاني– 6 كانون الأول):
الله الذي يُخَلِّص من خلال مجيئه لملاقاة الإنسان.
 
* مدخل للموضوع الذي سنركز عليه طوال هذا الأسبوع:

“ما أقوله لكم، أقوله للناس أجمعين: اسهروا.”
ها هي الكنيسة، كل الكنيسة، مدفوعة بأمر الرب يسوع هذا، تبدأ مسيرة زمن المجيء …
اسهروا.. يطلب منا يسوع. لكن لماذا علينا أن نسهر؟
لأن الرب آتٍ .. وعلينا أن نستقبله. هذه هي رسالة الكنيسة. فالرب يسوع يأتي ليخلص العالم، وعلى الكنيسة أن تسهر كي تستقبل الخلاص باستقبالها المخلص. هنا يكمن فرحنا الحقيقي. فالمسيح، ولكي يخلص العالم، أراد أن يمر بنا، أن يمر بهذا الباب الذي هو قلبنا. إنه يأتِ ليلتقي بنا (ليلمسنا، ليتعرف علينا، ليمكث معنا) لكي يُخَلّص العالم. ونحن بدورنا، لا نستطيع إستعجال هذا الخلاص الذي نرجوه إلاّ بدخولنا في هذا اللقاء الحقيقي، الشخصي، الحميم مع الرب يسوع.
فكرة الدخول في علاقة حقيقية وحميمة مع الله ربما ستخيفنا. فعندما نعي المسافة الكبيرة الموجودة بين قداسة الله وطيبته وجماله، وبين فقرنا وضعفنا وخطيئتنا، هذا سيدفعنا للوهلة الأولى أن نتخلى عن هذا اللقاء ونعتذر ونتركه للآخرين. لكن الله لا يمكنه أن يخلص العالم بدوننا، بدون المرور بنا؛ لا يمكنه أن يخلص العالم بدون أن يلتقي بنا. لذلك أزال بنفسه هذه المسافة. هذه هي المعجزة العجيبة والمدهشة التي نحتفل بها في عيد الميلاد. فالله نفسه يتجسد، يأخذ جسدنا، يتحد به كي يزيل ويلغي كل مسافة. وسيتمم هذا الإتحاد بآلامه وموته. لكن السر، سر الخلاص، يبدأ هنا في الميلاد.
لا تنسوا أبداً بأن هذا اللقاء بين الله وبيننا هو الهدف النهائي لحياتنا على الأرض. في يوم من الأيام سنعيش إلى الأبد في حضوره .. متحدين به ..نصبح أشباهه، كما يشبه الأبن أباه، ونشاركه حياته نفسها. إن الخلاص الذي نرجوه ما هو إلا حياة في الشركة مع الله. لكن هذا اللقاء بين الله وبيننا هو أيضاً الوسيلة التي اختارها الله كي يحقق ويتمم هذا الخلاص.. إنه الخطوة التي اختارها الله لكي يتمم مخططه العجيب لنا. إن إلهنا هو إله يخلصنا ليس بعصاً سحرية، لكن من خلال مجيئه وبلقاءه بنا.. من خلال مجيئه لملاقاتنا.
إذن، سنحاول في هذا الأسبوع الأول من زمن المجيء، أن نكتشف هذا الإله العجيب، ونتأمله .. هو الذي يأتي لملاقاتنا، سنحاول أن نستقبله، وأن ننفتح على هذا اللقاء. إن الله يتمنى وينتظر ذلك منا. سنصغي إلى “كلمته”، كي نستقبل إرادته. سنحاول أن نثق به .. أن نؤمن به؛ سنحاول أن ننفتح لكلماته المُخَلِّصة. سنحاول كل ذلك سوية. في الكنيسة. من أجل العالم.
 

*تأمل في إنجيل الأحد الأول من زمن المجيء (30 تشرين الثاني)
مرقس 13: 33 – 37
في ذلك الزمان قال يسوع لتلاميذ بخصوص مجيئه الثاني:
“احذروا واسهروا، لأنكم لا تعلمون متى يحينُ الوقت. فَمَثَلُ ذلك كمثل رجل سافر : وقبل أن يترك بيتَه، فَوَّضَ الأمرَإلى خدمه، كل واحد وعمله، وأوصى البواب بالسهر.
فاسهروا إذاً، لأنكم لا تعلمون متى يأتي ربُّالبيت: أفي المساء أم في منتصف الليل أم عند صياح الديك أم في الصباح،لِئَلا يأتي بَغتَةً فيجدَكُم نائمين. وما أقوله لكم، أقوله للناس أجمعين: اسهروا.”
 
احذروا واسهروا …
إن كلمة “اسهروا” مكررة أربع مرات من قبل يسوع في هذا النص.
إنها “كلمة السر” بالنسبة ليسوع، والتي بها نستطيع أن نكتشفه كل يوم في حياتنا. قال يسوع هذه الكلمات مباشرة قبل أن يترك تلاميذه نحو الآب، فطريق آلامه (في إنجيل مرقس) يبدأ مباشرة بعد نصنا.
يا رب، ، أنك تُلِّح، وتطلب منا أن نبقى “حذرين ، ساهرين”.
في عشية جتسمانية، كنت تَعْلَم بأن تلاميذك لن يتحملوا ما سيحصل وسيتخلوا عنك. لكن مع ذلك، حاولت  أن تُنبههم وتحذرهم من الإستسلام: “اسهروا”، “اسهروا”، “اسهروا”، “اسهروا”!
أنت تعيد علينا اليوم يا رب، نفس هذا الطلب الملِّح.
 
احذروا …
استخدم يسوع هذه الكلمة مرات عديدة في سياق “الصراع”. فالسهر والحذر لا يمكن أن يتما دون صراع وكفاح. الحذر هنا هو نوع من الإنتباه واليقظة المفرطة في حالة الخطر. فعلينا إذن “أن ننتبه ونكون يقظين” كي نستطيع أن نسمع كلمة الله ، وإلاّ سنمر بجانبها أو لا نفهمها (مرقس 4: 12). يجب أن “نحذر” كي نتجنب “خمير الفريسيين”، وإلاّ سيتسلل داخلنا دون أن نحس بذلك. (مرقس 8: 15، 12: 38). يجب أن “نحذر” من هؤلاء الذين  يتنبؤون ويتكهنون بالمستقبل كما لو كانوا يعرفوه حقاً (مرقس 13: 5 ، 13: 23).
القديس بولس، سيستخدم هو أيضاً لغة مشابهة للتكلم عن السهر والحذر. سيقول أن علينا أن “نكون يقظين” .. “أن نستيقظ من النوم” (رومة 13: 11). كما لو كنا جميعنا أمام خطر الوقوع في السُبات؛ فخطر أن ينام ضميرنا أو يتخدر يواجهنا باستمرار. وبالتالي ردود أفعالنا في الدفاع لن تعمل بعد كما يجب … لهذا علينا “أن نستيقظ من النوم” أن نتيقظ. ولكي يتكلم عن “السهر”، لا يتردد القديس بولس من استخدام عبارات الحرب: “أسلحة” السهر (رومة 13: 12، أفسس 6: 10، 1 تسالونيقي 5: 6. 8).
أيها الرب يسوع، أنت تقول لي اليوم أيضاً “إحذر، تَيَقَّظ”. فالحياة المسيحية تتطلب صراعاً ضد قوىً، من الممكن أن تكون أقوى مني. إجعلني يا رب أبقى ساهراً دوماً، حتى نهاية حياتي، يوم أراك وجهاً لوجه.آمين.
 
 
لأنكم لا تعلمون متى يحينُ الوقت …
كان تلاميذ يسوع قد طرحوا عليه هذا السؤال حول نهاية العالم ومجيئه الأخير: “قل لنا متى تكون هذه الأمور، وما تكون العلامة أن هذه كلها توشك أن تنتهي” (مرقس 13: 4).ويسوع لم يجب على هذا السؤال. هناك نبوءات مختلفة وفي كل الأزمنة، تحاول أن تتكهن بنهاية العالم. ويسوع أجاب على ذلك ولمرة واحدة ونهائية: “أنتم لن تعرفوا متى سيحدث ذلك.” فيسوع لا يريدنا أن نعيش في الأحلام، لا بالماضي، ولا بالمستقبل: بل يطلب منا أن نركز على “الوقت الحالي”، على “الزمن الحاضر”، على “اللحظة الحاضرة”، على “اليوم”:”اسهروا إذن، لأنكم لا تعلمون … كونوا دوماً جاهزين .. حاضرين.”
الأب شارل دي فوكو كان قد اتخذ العبارة التالية شعاراً له: “حاول ان تعيش كل يوم كما لو أنك ستموت هذا المساء.”
 
فَمَثَلُ ذلك كمثل رجل سافر : وقبل أن يترك بيتَه، فَوَّضَ الأمرَإلى خَدَمِهِ، كل واحد وعمله …
 
إن الله يبدو ظاهرياً “غائبًا”، مثل رجل سافر! صورة مؤثرة، يستخدمها يسوع، تُعَبِّر بشكل تام عن الشعور الذي نختبره في الكثير من الاحيان: “ما أبعدك يا رب! أين أنت يا رب!” لكن الإنجيل يبين لنا بوضوح بأن زمن الغياب هذا، بالنسبة ليسوع، هو ليس أولاً زمن المصائب والصعوبات والقلق، لكنه زمن المسؤولية: فكل واحد من الخدم استلم مهمة.. كل واحد أعطي عملاً يقوم به ويهتم به … كل واحد موكول إليه مسؤولية الإشتراك في بناء الملكوت.. كل واحد وعمله. ويمكن أن نفهم من القصة كما لو أن “السيد” سافر عمداً، لكي يعطي أهمية أو مكانة مهمة لخدمه، وحتى لا يكون دوماً فوقهم ويضغط عليهم.. وكأنه يقول لهم: هاكم، خذوا مسؤولياتكم، أنتم لم تعودوا أطفالاً، قرروا، فكروا، أنا أثق بكم… أعطيكم “كل سلطان لتحقيق مهمتكم”!
يا رب، إجعلنا نستحق هذه المسؤولية التي أوكلتها لنا: في عائلتنا، في عملنا، في مدينتنا، في هذه الجماعة أو تلك في الكنيسة.
 
وأوصى البواب بالسهر …
في الليل، “البواب” لديه أهمية كبيرة وخاصة جداً، بما أنه هو مَن تقع عليه مسؤولية “السهر” خاصة، كي يحمي البيت من أي هجوم محتمل، وأن لا يفتح الباب لأَيٍّ كان، وان يكون أول من يفتح الباب للسيد عند رجوعه من السفر. القديس مرقس اعتاد على أن يميز دور بطرس في جماعة الرسل الإثني عشر. فبتمييزه “البواب” عن الآخرين من “الخدم”، يريد أن يُلَمّح بأن يسوع يدعو رعاة الكنيسة وبشكل خاص إلى “السهر”: فبطرس، والبابا والأساقفة، هم المسؤولون الأولون عن “سهرِ وتَيَقُّظِ” كل “شعب الله”، على مثال البواب الذي يسهر على كل أهل البيت.
يا رب، أصلي لك من أجل مَن يقومون بهذه الوظيفة في الكنيسة اليوم.
 
 
فاسهروا إذاً، لأنكم لا تعلمون متى يأتي ربُّالبيت …
تكلم يسوع في بداية مثله اليوم عن زمنٍللغياب .. ويعلن أيضاً زمنًا للرجوع.. للعودة…
نحن نسير نحو هذا اللقاء. لا ننسى هذا الهدف.
يا رب، في يومٍ ما، سأراك، وجهاً لوجه، وسأعرفك حقاً، كما أنا معروف من قِبَلِك (1 قورنتس 13: 12). إن الحياة المسيحية ما هي إلاّ السير بإتجاه لحظة اللقاء هذه.
 
يأتي ربُّالبيت … في المساء أو في منتصف الليل أو عند صياح الديك أو في الصباح …
من الغريب أن يسوع لا يقترح رجوعاً إلاّ في الليل! مع أنه في تلك الأيام، وبسبب خطر الطرق، لم يكونوا يسافروا أبداً في الليل. إذن تركيز يسوع على رجوع السيد في الليل، وهي ملاحظة غير منطقية ولا واقعية بسبب ما ذكرنا، لها معنىً رمزيًا عميقاً، نراه في كل الكتاب المقدس: “الليل”، هو وقت الظلمات، وقت “قوى الظلام” (لوقا 22: 53، مرقس 14: 49، أفسس 6: 12). الليلهو إذن وقت التجربة، وقت الإختبار… ففي الليل خاصة علينا أن نكون “حذرين وساهرين”! العهد القديم ينتظر زمن مجيء المسيح كزمن فيه تنتهي الظلمات كي تترك المكان للنور. “أيها البواب، أيها الساهر، ماذا بقي مِنَ اللَّيْلِ؟”، يسأل النبي، كي يُعَبِّر عن هذه الفكرة (أشعيا21: 11). والقديس بولس، لكي يحُث على الرجاء من جديد، يقول: “قَدْ تَنَاهَى اللَّيْلُ وَاقتربَ النَّهَارُ”(رومة 13: 12). والكنيسة عندما تنعلن ميلاد المسيح في قداس الليل، ترنم نشيد أشعيا الجميل (9: 1): “الشعب السالك – أو السائر- في الظلمة، أبصَر نوراً عظيماً.”
السهر أثناء الليل. السهر أثناء الصعوبات… الحفاظ على الرجاء حتى عندما نكون في الظلام والعتمة… أن نصمد عندما يبدو كل شيء حولنا ينهار..وُلِد فجر جديد في ليلنا، لكي يُخَلّص شعبه، الله سيأتي. ما أجمل أن نؤمن بالنور عندما نكون في الليل! أعطنا يا رب هذه النعمة!
 القديس يوحنا الصليبي، الروحاني الكرملي الشهير، اشتهر بكتابته حول هذا الموضوع: الله هو هنا، خلال حياتنا الأرضية، مثل نَبعٍ خفي، حاضر بشكل أبدي ودائم، لكن في الليل!
 
عند صياح الديك …
 إن تلميح مرقس الإنجيلي، السكرتير الخاص لبطرس، مباشر وواضح. ففي عشية آلامه، في عشية جتسمانية، عندما “نام” بطرس بَدَل أن “يسهر” مع معلمه، في عشية هذه الليلة المأساوية حيث سيُذَكِّر صياح الديك بطرس بأنه أخفق في “السهر” (مرقس 14: 72)، يسوع يطلب من “بواب” الكنيسة أن يسهر. لكننا نعرف بأنه سيفشل في ذلك. كم تُذَكِّرنا خطية بطرس هذه أو نكران بطرس هذا عند صياح الديك، بأن الكنيسة هي إنسانية. وكم يدعونا هذا إلى أن نكون متواضعين ونقبل ضعفنا وضعف الآخرين أيضاً!
 
لِئَلا يأتي بَغتَةً …
إن الله يصل دوماً بغتَةً! بشكل غير منتظَر أو متوقَع! بشكل مفاجيء! ويمكننا القول ربما بأن هذه هي إحدى عادات الله: ففي كل مرة نظن فيها أننا فهمنا الله أو أمسكنا به، نكون فيها في الحقيقة لم نفهم أي شيء.
يا رب، اكشف لنا حضورك الخفي في حياتنا، وإجعلنا نكون دوماً جاهزين لزياراتك المباغتة.
 
فيجدَكُم نائمين …
أمام الله، نحن دائماً نائمين بعض الشيء… مُفاجَئين بزيارته لنا… علينا إذن أن نخرج من هذا النعاس .. من هذا السُبات الروحي، من هذا الفتور أو الخمول. علينا أن نتبنى أسلوباً فعالاً، نشيطاً، بدل أن نترك أنفسنا في أغلب الأحيان عُرضةً للنعاس.
يا رب، أبقِنا ساهرين .. منتبهين.
 
ما أقوله لكم، أقوله للناس أجمعين: اسهروا …
بالنسبة ليسوع، “حضور” الله هو موجود منذ الآن، في قلب الأحداث التي نعيشها: يا رب، إجعلنا ساهرين، يقظين لحضورك. نَجِّنا من هذا النعاس، من هذا الفتور، الذي يجعلنا نخفق في اكتشاف “مجيئك” المستمر. فها هو زمن المجيء ، زمن “السهر” يبدأ …
 
*نص من التراث المسيحي:
من كتابات القديس أفرام السرياني
اسهروا وتنبهوا لأن الرب آتٍ
  ليمنعَ السيدُ المسيحُ تلاميذه من سؤالهِ عن وقتِ مجيئه قال: ” فأما ذلكَ اليومُ وتلكَ الساعةُ، فما من أحدٍ يعلمهما، لا ملائكةُ السماواتِ ولا الابنُ، إلا الآبُ وحدَهُ. وليسَ لكم أن تعرفوا الأزمنةَ والأوقاتَ “(متّى 24/ 36؛ أعمال 1/ 7).
أبقى ذلك مكتوماً، لكي يحثنا على السهرِ، وليفكرَ كلُّ واحدٍ منا أن الأمرَ يمكنُ أن يحدثَ في زمنه. لو كشفَ الربُّ في أيِّ وقتٍ سوف يأتي لفقدَ مجيئه عنصرَ الشوقِ والرغبةِ فيه، ولما بقيَ موضوعَ رغبةِ الشعوبِ والأزمنةِ التي سيظهرُ فيها. قالَ إنه سيأتي، ولم يقلْ متى سيأتي. ولهذا تنتظرهُ جميعُ الشعوبِ والأزمنةِ بشوقٍ كبير.
  لقد حدَّد الربُّ علاماتِ مجيئه، إلا أنَّ موعدها بقيَ غامضاً. لأن هذه العلاماتِ تأتي بصورٍ كثيرة، وتأتي وتذهبُ وقد تكونُ قائمةً حتى اليوم. وسيكون مجيئه الأخيرُ شبيهاً بمجيئه الأول.
  في السابقِ انتظره الأبرارُ والأنبياءُ، وظنوا أن ظهورَه سيكونُ في أيامهم. كذلك ينتظره اليومَ بعضُ المؤمنين ويرغبون في رؤيتهِ ويظنون أنه سيظهرُ في أيامهم. ذلك لأنَّ زمنَ مجيئه غيرُ معروف. وهذا هو السببُ الأهم: لئلا يحسبَ أحدٌ أن الله مقيدٌ بزمنٍ أو بقضاءٍ ما، هو من تخضعُ لقدرته الأعدادُ والأزمنة. ما حدَّده هو يعرفه هو. فكيف يكونُ له مكتوماً، وقد حدَّد هو علاماتِ مجيئه ؟ وصفها هذا الوصف حتى يظنَّ ويتوقعَ كلُ جيلٍ وكلُّ زمنٍ أنه سيأتي في أيامه.
  اسهروا لأنه عندما ينامُ الجسدُ يسيطرُ الضعفُ على طبيعتنا. وليس ذلك بإرادتنا، ولكنه يتمُّ بقوةِ دفعِ الطبيعةِ نفسها. وعندما يسيطرُ على النفسِ سباتٌ عميقٌ مثلُ الضعفِ أو القلقِ والاضطرابِ يسيطرُ عليها العدوُّ. أمَرَ السيدُ المسيحُ بالسهرِ لكلا النفسِ والجسد: للجسدِ ليحذرَ النعاس، وللنفسِ لتحذرَ النعاسَ والضعفَ، كما قال الكتاب: “اصحوا، أيها الأبرارُ”(راجع 1قورنتس 15/ 34)، وأيضاً “استيقظتُ ولا أزالُ معكَ”(راجع مزمور 139/ 18) وأيضاً: “لا تفترْ همتكم. أما وقد أعطينا تلك الخدمة رحمةً فلا تفترْ همتنا”(2قورنتس 4: 1).
 ..

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!