مقالات عامة

ذكـرياتي في رحاب الكـنيـسة ــ الحـلقة العاشـرة ــ سـفـرتي إلى البـصرة

الكاتب: مايكل سيبي
ذكـرياتي في رحاب الكـنيـسة
 
ــ الحـلقة العاشـرة ــ  سـفـرتي إلى البـصرة
 

مايكل سيبي

الخـدمات الكـنسية في ألقـوش في فـترة السبعـينات :
في إحـدى سفـراتي إلى ألقـوش مررتُ من عـند الكـنيسة ودخـلتُ فـيها فـرأيتُ إعـلاناً معـلـّـقاً عـلى الجـدار حُـدّدتْ به رسوم الخـدمات التي يقـدّمها الكاهـن للمؤمنين ( العـماذ ، التـناول الأول ، الزواج ) ومرافـقة الموتى إلى المقـبرات مجاناُ في حالة الكاهـن الواحـد المُرافـق ، أما إذا شاء ذوو الميت أن يرافـقـهـم كاهـنان أو أكـثر فـعـندئـذ يُستوفى منهم إستحـقاق خـدمات جـميعـهم ، ولما إستـفـسرْتُ من المرحـوم الأب هـرمز صنا عـن ذلك قال : إنّ كاهـناً واحـداً يكـفي لمرافـقة الميت وأداء طقـوس الدفـن ، أما المظاهـر والأبّهة ليست مجانية .
 
في كـنيسة بغـداد ! :
في 17/3/1979 إنـتقـلنا إلى منـطـقة بـبغـداد حـيث الكـنيسة قـريـبة من دارنا وبعـد أيام قـليلة صادف عـيد القـيامة فـكانـت فـرصة للمشاركة في الـقـداس لي ولإخـوتي فـقـرأتُ الرسالة ( باللحـن الكـبـيرالأصيل ) وقـرأ أخي القـراءة ( قـريانا – بالطريقة نفـسها ) وأخي الثالث مشاركاً مع بقـية الشمامسة ، فـتركـنا إنطباعاً جـيّداً عـند الكاهـن وأهالي المنطقة . ولما إقـتـرب موعـد زواجي أبلغـتُ الكاهـن فـطلب مني شهادة مطلق الحال فـقـط  ( وليس حـضور دورة ذات أشهـر غـير مجـدية ) فـتـطـلـّـبَ مني السـفـر إلى ألقـوش للحـصول عـليها ولمتابعة أمور الخـطوبة أيضاً … عـكـس ما كان البعـض يتوقـعـون مني الإنخـراط في سلك الكـهـنوت ، وإلـتـقـيتُ سيادة المطران أبلحـد صنا ودعَـوتـُه إلى مراسيم زواجي فـقال : أهـنئك أولاً ونحـن معـك ونشجّـعـك وإذا توفـرتْ لي فـرصة الحـضور سأخـبرك ،  ثم وبحـضوره إلتقـيتُ بالأب هـرمز صنا في ( القـونخ ) فـزوّدني بما أردتـُه ، لكـنه قـرأ في عـيني إستغـرابي من كاهـن بغـداد حـين طلب شهادة مطلق الحال مني وأنا إبن الكـنيسة معـروف في ألأوساط  الألقـوشية وفي بغـداد ، لا بل إنّ مكالمة تلفـونية قـصيرة كانت تـفي بالغـرض بـدلاً من معاناة السفـر ، فـقال لي : إن الهـدف من هـذه الشهادة هـو لحـفـظها في سجـلاّت الكـنيسة . وأثـناء ذلك سألوني عـن الكاهـن الذي سيـباركـنا فـنقـلتُ لهـم صورة مناسبة عـنه وأضفـتُ : أن الكاهـن المشار إليه لم يدرسْ سنيناً طويلة في السيمينير كـبقـية الكهـنة وبالتالي فإن ثروته المعـلوماتية كـراعي الكـنيسة غـير كافـية لخـدمة المؤمنين وعـليه ( حـسبما ذكـره لي الكاهـن بنفـسه ) كان قـد قـدّم طلباً إلى المرحـوم غـبطة الـﭘاطريرك مار ﭘـولص الثاني شـيخـو للسفـر والدراسة في إيطاليا فـرفـض طلبه ، فـعـلـّـق الأب هـرمز قائلاً : هـل أنهى دراسة الكـتب الموجـودة في العـراق كي يطلب المزيد منها في إيطاليا ؟ أما سيادة المطران قال : إن هـؤلاء لا يصلحـون للدراسة في الخارج وأن غـبطة الـﭘاطريرك يعـرفهـم جـيداً . وفي 29/6/1979 تـزوّجـتُ بمباركة كاهـن الكـنيسة يرافـقه المرحـوم الأب أسطيفان كـﭽـو في الكـنيسة نفـسها .
 
( للكاهـن قـرارات غـريـبة ) ! :
طـلبـتُ من أخي أن ينقـل إلى كاهـن الكـنيسة رغـبتي في الإلتحاق بالأخـوية ، ولما أخـبره ذلك ردّ الأب الفاضل عـليه قائلاً : يُمنع الموظفـون من الإنخـراط في صفـوف الأخـويات ! يا له من قـرار !! . إن سبب منعه لي من الإنضمام إلى الأخـوية ( في إعـتقادي ) هـو إنه لا يريد كـشف مستوى شخـصيته أمامي في وقـت يتطـلب منه التباهى أمام الشباب الصغار . وفي مناسبة أخـرى زارنا غـبطة الـﭘاطريرك مار ﭘـولص الثاني شـيخـو في دارنا يوم 6/11/1981 برفـقة معاونه آنـذاك ( المطران عـمانوئيل دلـّي ) والأب الكاهـن راعي الكـنيسة وبعـد صلاتهم دار حـديث قـصير بـينـنا ، ثم سألتُ غـبطـته لغاية في نفـسي : سيّدنا ، لماذا لا تـترجـمون نصوص قـدّاسـنا إلى اللهجة المَحْـكـية في البـيت كي يفـهـمها الناس ؟ ردّ عـلي وقال : إبـني ، إن لسان آبائنا سوف يضيع ، فالصلوات مفـهـومة لمَن يريد فـهـمها . وبعـد أسابـيع إلتـقى الكاهـن بعـمّي المرحـوم جـرجـيس خـندي وقال له : إنّ إبن أخـيك إشـتكى عـليّ عـند الـﭘـطريرك ! . وبتاريخ 22/8/1982 إلتحـقـتُ بخـدمة الإحـتياط في الجـيش ولم تكـن لديّ أي مشاركة كـنسية حـتى تسرّحـْـتُ يوم 5/11/1984 . وبالمناسبة فإن عـماذ أول ثلاثة أولادي كان في كـنيستـنا المشار إليها .
 
رسامة الأب يوسف توماس مطراناً :
في يوم 5/2/1984 كـنتُ في إجازتي العـسكـرية ، عـلمتُ أنه يوم رسامة القس يوسف توماس وترقـيَـته إلى درجة مطران ، إنها فـرصة جـميلة لا بـدّ لي أن أحـضرها وأشاهـد نظامها التي لم تـُـتـَحْ لي فـرصة قـبل ذلك أنْ أشاهـد مثـلها . حـضرتُ في الوقـت المناسب في كـنيسة أمّ الأحـزان وكامرتي الفـوتوغـرافـية معي . بدأتْ المراسيم ( قـدّاس ، صـلوات ، وضع الأيادي عـلى رأس المطران الجـديـد ، كـلمات بالمناسبة ) وأنا أصوّر اللقـطات التي كـنـتُ أخـتارُها بعـناية من مشاهـد الرسامة طيلة فـترة المراسيم تلك ، ثم ألقى المطران يوسف توماس أول كـلمة في حـياته الأسقـفـية والحـضور كـثيف وبمخـتلف المسـتويات ومن ضمنهـم ممثلي الدولة ، لاحـظـتُ فـيه رباطة جأش ، نعـم ولكـن مع بعـض الإرتجاف في شـفـته العـليا ، ولا غـرابة من ذلك فالمشْهَـد رائع والجـموع تـنظر إليه وتـنـتـظر منه كـلمته وفي موقـف كـهـذا تصبح الحالة النفـسـية غـير طبـيعـية . وحـينما يكـون الشخـص المرهـف الحـس في مركـز الحـدث يصعـب عـليه التـنسيق بـين الأعـصاب المنـتبهة والعـضلات  المشدودة . وبعـد أن خـُـتـمَتْ المراسيم خـرج المشاركـون في القـداس بموكـب إلى الساحة الخارجـية بنشيد ( شـبّح لمريا بقــُـذشـيه ) بقـيادة الأب يوحـنـّان ﭽـولاغ ثم وقـف المطران الجـديد هـناك ليتـقـبّـل التهاني ، فـباركـناه مع تهانينا بدرجـته الجـديـدة وانصرفـتُ ، ثم عـلمتُ أنه عُـيّن مطراناً عـلى أبرشية البصرة . وإنـتـظرتُ أكـثر من ثلاثة أشهـر وخـلال إحـدى إجازاتي هـيأتُ صوَره ( في ألبوم ) وسافـرتُ إلى مقـر مطرانيته في البصرة فـوصلتـُها مساءاً واستـقـبلني بفـرح وشاهـدَ الصوَر فأعـجـب بها كـثيراً وقال : إنها أفـضل من جـميع الصوَر الأخـرى لباقي المصوّرين لأنكَ – والكلام لا يزال لمطران – شماس وعـندك خـبرتك في فـقـرات القـداس وبالتالي تعـرف تسلسلها ، لذلك فأنتَ تـتهـيأ للقـطة المناسبة المقـبلة .
قـلتُ له أنّ إجازتي قـصيرة والأفـضل أن أغادر إلى بغـداد ، قال : إذا غادرتَ الآن ! خـذ الصوَر معـكَ ، ومن إجابته عـلمتُ أنه ليس راضياً من كلامي ، ثم قال : من المستحـيل أن تسافـر ، بل أريدك عـندي بضعة أيام ، قـلتُ له : وهـذه أيضاً مستحـيلة ، ولكن لن أخالف كلامك و يسعـدني كـثيراً أن أجالسك بعـض الوقـت . قـضينا سوية ساعات طوال نـتـكلم في شتــّى المواضيع ، ثم رتـّـب الساعـور ( أو حارس المطرانية ) مكان نومي فـوق السطح ، وفي الصباح الباكـر حـضرتُ قـداسه فـكانـت تلك آخـر مرة رأيته ثم إستأذنتُ منه وغادرتُ متوجهاً إلى بغـداد .
 
 
بعـض الصوَر للأب يوحـنان :
شـئـتُ أن أبعـث بعـضاً من صوَر المطران الجـديـد مار يوسف توماس إلى الأب يوحـنان ﭼـولاغ وكانت العلاقة حـميمة جـداً بـينهـما ، فـسلـَّمتها له زوجـتي في كـنيسة مار إيشعـيا / الموصل مع هـدية بسيطة فـعـلـّـق مازحاً وقال : هـل أن هـذه الهـدية ثمن الصوَر ؟ 
 
محاضرات في المعـهـد الكـهنوتي :
في عام 1984 وحـتى مطلع عام 1985 عـرضتُ خـدماتي للأب شليمون وردوني ( حالياً مطران ) كـمدرس متطوّع لتدريس مادة الفـيزياء بمراحـلها المخـتلفة لطلاب المعهـد الكهـنوتي في الميكانيك وليوم الجـمعة فـقـط فـوافـق وإتفـقـنا عـلى أن تكـون المحاضرات ما بين إنـتهاء الطلاب من الفـطور والصلاة الصباحـية وإلى فـترة الغـداء ، وكـنت مسروراً لأن طبـيعة طلاب السيمينير المقـبلين عـلى الرسامة الكـهـنـوتية تخـتلف عـن تلك لطلاب المدارس العامة فالرغـبة موجـودة ولا وجـود للمشاكـسة في قاموسهم عـلى الإطلاق ، ثم بعـملنا هـذا إنما نبني ذكـريات جـميلة للمستقـبل كما فـعـل الأب ماهـر حـين شاهـدتـُه للمرة الأولى في أستراليا قال لي : كـيف الحال أستاذي ، لستُ ناسياً محاضراتك الفـيزيائية عـندما كـنا طلاباً في المعـهـد الكهـنوتي ، فـقـلتُ له مازحاً : الأن حان الوقـت لآخـذ حـقي ، صلـّي لي مجاناً ، فأجابني قائلاً : تـتـدلـّـل . ويجـب أن أذكـر أنـني حـينما كـنت أنـتهي من محاضراتي كان الأب شليمون لا يقـبل إلاّ أن أتـناول طعام الغـداء معـهم ثم يأخـذني بسيارة الدير ويوصلني إلى داري .
 
في حي آسـيا وألحان الأوشعـنا :
في شهـر أيار من عام 1985 إنـتـقـلنا إلى حي آسيا حـيث أمتار معـدودات تـفـصل داري عـن كـنيسة مار يعـقـوب أسقـف نصيـبين والتي لم يكن فـيها كاهـن مقـيم وإنما كان أحـد كـهـنة المعـهـد الكـهـنوتي يقـيم القـداس فـيها كـل يوم أحـد والأعـياد . وفي إحـدى السنين من نهاية الثمانينات وفي وقـت ما قـبل موسم الـ أوشعـنا خـطب الكاهـن بعـد قـراءة الإنجـيل وقال : سنبدأ بتعـليم ألحان الـ أوشعـنا يُرجى ممّن يجـد في نفـسه الكـفاءة والوقـت للتعـليم كـل يوم جـمعة أن يُقـدّم نفـسه لترتيب جـدول الأوقات والـدروس ومجاميع المتعـلـّمين …… فـتـقـدّمْتُ بعـد القـدّاس وكـلـّمتُه باللهـجة الألقـوشية  وقـلتُ : رابي ، داري قـريـب جـداً من الكـنيسة وأنا متـفـرغ كـل يوم جـمعة ويمكـنـني أن أشارك في الـتعـليم !!! إلاّ أن الأب الفاضل وقـبل أن يسألني عـن أيّ نشيد أو لحـن سأعـلـّمه أو بأيّة لغة أو لهجة أو بأية درجة صوتية أو مقام ؟ أو بأي زيّ سأحـضر ، هـل بالبـيجاما أو بالـ شالا وشـّـﭘـّـوكْ أو بالشروال !  المهم بماذا أجابني أبونا عـلى إستعـدادي هـذا ؟؟؟ قال لي مباشرة وفـوراً وقـبل أن يفـكـّـر : [[ لا نريد ألحاناً ألقـوشـية ]] ! فـسكـتّ ُ !! لأنه بدا لي وكأنّ عـنـده موقـفاً سلبـياً مسبقا تجاه ألقـوش ، هـذا أولاً ، وثانياً يـبـدو أنه يجـهـل تراثها ، وثالثاً قـد لا يريد من أولادنا أن يشربوا المياهَ من منابعـها الرائقة العالية بل من بعـد تلوثها في السواقي والوديان الجارية [ بدْ شاتخ مايي مْـنـَـبوءا د خايي … ولا منْ شـَـقــْـياثا ديشِ لــْـكـوﭭِـيّ ] وسأذكـر لاحـقاً موقـفاً آخـراً غـير مشجّع مع الكاهـن نفـسه في أثـينا / اليونان عام 2000 حـين كـلمته عَـبر الـتـلـفـون باللهجة الألقـوشية ، عـلماً أنه هـو الـذي عـمّـذ إبنـتي الصغـيرة في عام 1988 وبالكـنيسة نـفـسها .
 
 ..

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!