مقالات دينية

دموع التوبة غذاءُ الروح

دموع التوبة غذاءُ الروح

بقلم / وردا إسحاق قلّو

  قال الرسول بولس لتلميذه ( وإن أتذكر دموعي أجدني في غاية الشوق لأن أراك لأمتلىء فرحاً ) ” 2 تيم  4:1″

   كل إنسان بحاجة إلى التوبة للعودة إلى الله بإنسحاق ، فالتوبة الحقيقية تبدأ بالقرار الذاتي للعودة إلى الطريق الصحيح بالإعتراف أولاً من كل القلب بعدم العودة إلى ممارسة تلك الخطايا .  فالتوبة الصادقة أمام الله يجب أن تمس قلب وفكرٍ وضمير الإنسان فتدفعه إلى البكاء على ما إقترفه من خطايا ، فيذرف دموعاً غزيرة أثناء تأمله أو إعترافه بخطاياه وكما فعل القديس بطرس عندما أنكر سيده ثلاث مرات .

    الدموع تنبع من العيون أثناء الصلاة الصادقة ، أو عند التفكير بحجم الخطيئة التي إقترفها . فمع الدموع يدخل الإنسان إلى عمق الذات فيدرك حجم خطيئته التي أهان بها الله ، فالدموع التي يذرفها التائب خارج الجسم ، تطهره من الداخل . وتلك الدموع شيئاً فشيئاً تبلغ إلى دموع أسمى وأنفع منها ، لا تتوقف ، ولا تجف نهاراً وليلاً لأنها مقدسة ، لهذا تزداد بلا توقف لأنها تُعَبّر عن شوقٍ متزايد إلى حب الله .

    قديسين كثيرين كانوا يرافقون صلواتهم القلبية بالدموع . وتلك الدموع التي كانت تولد لهم وجعاً وألماً في الرأس ، فتلك الدموع الأولى تدعى دموع التطهير ، لكن عندما يتقدم صاحب تلك الدموع في مسيرته تلك سيجتاز إلى مستوى آخر من الدموع ، ستأتيه دموع الفرح ، ومعها يصير وجهه الكئيب جميلاً ومضيئاً كما سيرى كل إنسان أمامه منيراً ورائعاً روحياً ، ثم تأتي مرحلة دموع أخرى أسمى منها ، وللبلوغ إليها يتعلق الأمر بمقدار غصب الذات ، والغيرة الروحية الصادقة ، والحرارة الإيمانية التي يحملها كل مؤمن .

   كثيرين من الناس اختبروا دموع الفرح ، كمن يرى ابنه المفقود لسنين طويلة أمام عينيه فيذرف دموع الفرح ، أو عندما يحصل أحد أبنائه على النجاح ، وهناك من يبكون دموع الفرح في عرس أبنائهم . كما أن الأخبار والوقائع التي تستحضرها ذاكرة الإنسان تدفعه أيضاً إلى أن يذرف دموع الفرح .

   للدموع مراحل تتوسط مرحلة الأهواء . فالدموع الأولى هي دموع التوبة والتطهير ، فكل إنسان مؤمن عندما يسقط في الخطيئة عليه أن يُفكر مدى بعده عن الله ، وكم أقترب من الشرير ، وكم أحزن الذي مات من أجله على الصليب ، وكم أفرح الأبليس ؟ وهذه الأفكار تصل به إلى مقدار الج#ريم*ة التي اقترفها ، وبعدها تأتي دموع النِعمة ( … ولكن حيث كثرت الخطيئة إزدادت النعمة جداً ) ” رو 20:5 ” . دموع النعمة عذبة وحلوة للغاية ، عبر عنها أحد الآباء وقال ( إلهي ، لا أرغب شيئاً سوى الفردوس ، لا أريد شيئاً سوى أن أذرف دمعاً كهذا ) .

   الدموع غذاءُ الروح ، فكما أن الجسد يتغذى بالطعام ، هكذا يتغذى الروح بالدموع . فعلينا نحن المؤمنين أن نمتلك دموعاً عندما نصلي أو نتعمق في التأمل لكي نعتاد أن نبكي في خطواتنا التي نرفعها إلى الله وهكذا نتقدم نحوه .

    الدموع هبة من الله لقديسيه الذين كانوا يطلبون منه أن يهبهم بدموع كثيرة لكي يبكوا ليلاً ونهاراً حتى صار للبعض القدرة على البكاء وحيثما يرغبون .

   المجاهدون الروحيين كانوا يرافقون صلواتهم بالدموع ، ليس من أجل خطاياهم هم ، بل من أجل خطايا العالم كله . ومن أجل إيمان الذين لم يعرفوا إبن الله الذي مات من أجلهم ، وموهبة الدموع تهجر عيون من يبرد في الإيمان .

   من الكتاب المقدس نذكر بطلاً من أبطال الدموع ، وهو داود الملك الذي اقترف بعض الخطايا المميتة في حياته ، كالزنى والق*ت*ل ، فقبل أن يعترف بتلك الخطايا التي أهان بها الله الذي اختاره من دون اخوته ليصبح مسيح الله وملكاً وكاتب معظم المزامير ، وقائداً عسكرياً ناجحاً وبارزاً وحّدَ كل أسبط أسرائيل ويهوذا . لهذا أرسل الله إليه نبيه ناثان الذي نبهه ، فأعترف في الحال بخطاياه ، فغفر له الله على لسان النبي الذي قال له ( الرب قد نقل عنك خطيئتك . لا تموت ) ” 2 صم 13:12 ” . بعد ذلك انطلق داود المختار الذي سيأتي المسيح من سبطه بالبكاء كأبن لله الذي أحبه وغفر له ، وبكائه أستمر طول حياته ، فقال ( صارت دموعي لي خبزاً نهاراً وليلاً ) ” مز 3:42 ” .

   لم يستريح داود من البكاء ، ولم تنشف مقلتاه من ذرف الدموع ، فظل يبكي على خطاياه إلى يوم مماته . فكان يبلل فراشه بدموعه متذكراً لخطاياه التي كان يراها أمامه في كل حين ، فقال ( خطيئتي أمامي في كل حين ) ” مز 3:51 ” . وكان يطلب من الله أن يحفظ تلك الدموع عنده في زق ( مز 8:56 ) . ولم يخجل داود بالإعتراف بخطاياه وبدموعه التي عبّرَ عنها بتوبته المرافقة بالدموع التي كان يذرفها بدون خجل ، بل وضع مزامير كثيرة عن التوبة التي ترافقها الدموع . رأى بعض المفسرين بأن لدموع داود علاقة بماء المعمودية . يقول القديس غريغوريوس النزينزي : توجد معمودية خامسة ، وهي عاملةُ بالأكثر ، معمودية الدموع ، حيث كان داود يبلل كل ليلة فراشه ويغسله بدموعه .

عبّرَ داود عن توبته التي دفعته على ذرف الدموع ، فقال ( أستمع صلاتي يارب ، وإصغي إلى صراخي . لا تسكت دموعي لأني غريب عندك ، نزيل مثل جميع آبائي ) ” مز 12:39 “

التوقع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1 “

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!