مقالات دينية

في الصليب الحلقة الثالثة

من سفر التكوين أصحاح 3
22 وقال الرب الإله: هوذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفا الخير والشر. والآن لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضا ويأكل ويحيا إلى الأبد
23 فأخرجه الرب الإله من جنة عدن ليعمل الأرض التي أخذ منها
24 فطرد الإنسان، وأقام شرقي جنة عدن الكروبيم، ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة
لم يرشد الشيطان آدم وحواء إلى موقع شجرة الحياة في الجنة لأنهما لو أكلا منها سيعيشان إلى الأبد ولن يموتا بل أرشدهما للشجرة التي ستتسبب في شقائهما وطردهما لا من موقع الجنة بل الطرد من رحمة الله .
وهذا دليل أكيد بأن الشيطان هو عدو الإنسان منذ البدء وهو عدو الخير وكل خير ومن وضع ثقته في عدو الخير هذا سيتسبب في هلاكه نفسا وجسدا .
قبل مجيء المسيح عاث الشيطان في الأرض فسادا ربما استطاعت شريعة موسى تهذيب بعض أخلاق الناس لكنها لم تنجح في قلع الخطيئة من الجذور مما سبب انتصارا للشيطان في كل العصور وازدياد فساد الإنسان بانغماسه في الشرور وهذا ما بينه الكتاب المقدس في تاريخ البشرية كلها .
ربما يتسائل البعض لماذا منع الله آدم من الأكل من شجرة الحياة بل وأقام ملاكا من فئة الشيروبيم وبيده حربة متقدة لحراسة تلك الشجرة حتى لا يأكل آدم منها .
والجواب بسيط للغاية فآدم بعصيانه وخطيئته قد شوه صورته النقية التي خلقه الله عليها وتسلل إليه الفساد والألم والموت فلو أكل من شجرة الحياة سيحيا للأبد بفسادة وتفاقم الشر الأرض كلها لأجل هذا منعه الرب من الأكل منها بحراسة ملائكية مشددة .
لقد كانت شجرة الحياة هي رمز حي ومن بدء الخليقة للصليب الكريم الذي أصبح هو شجرة الحياة في العهد الجديد فهو المخبز الحي الذي ينتج الخبز السماوي الذي يأكل منه الإنسان ولا يموت .
يقول الرب :
هذَا هُوَ الْخُبْزُ النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ، لِكَيْ يَأْكُلَ مِنْهُ الإِنْسَانُ وَلاَ يَمُوتَ. إنجيل يوحنا 6 : 50
الخبز الناتج من فرن الصليب ونيران آلام الصليب هو الذي يعيد العلاقة والثبات بين الإنسان وبين الله والذي يأكله يحيا إلى الأبد ولا يموت وهنا لا نقصد بالموت موت الجسد فالجسد مائت لا محالة بل الموت هنا هو الأشد أي الموت الروحي بمعنى الانفصال عن الله ورحمته إلى الأبد يوم القيامة الرهيب ومن هنا نرى الكثير من الناس اللذين نراهم أحياء على الأرض هم في الحقيقة أمواتا في نظر الله لأنهم بعيدون عن رحمة الله وبعيدين عن الكنيسة المقدسة التي ترفعهم ليروا الله كجميزة زكا .
وللصليب ثمرة أخرى هي الخمر التي تفرح نفس المؤمن المتقدم باستحقاق وانسحاق قلب .
يمتزج هذا الخبز بالخمر من ذات صليب الرب فيعيد الثبات للمؤمن مع الله .
يقول الرب :
مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ، إنجيل يوحنا 6 : 54 ويقول أيضا :
مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ. إنجيل يوحنا 6 : 56
فالثمرة اليانعة من شجرة الصليب التي هي شجرة الحياة هي خبز وخمر سماويين .
صحيح أن الخبز نصنعه بأيدينا والخمر كذلك لكنهما في الكنيسة وبقوة الروح القدس الذي يستدعيه الكاهن بصلواته مع صلوات المؤمنين فيتحولان تحولا حقيقيا جوهريا غير منظور إلى ذلك الجسد المكسور والمطعون على الصليب وإلى الدم المنسكب من الجنب الطاهر الذي طُعن بالحربة .
وهنا شائت عناية الرب وتدبيره الفائق الوصف أن تلك الحربة التي طُعن بها جنب الرب الطاهر على الصليب قد أزالت الحربة التي بيد الملاك الحارس لشجرة الحياة قديما وأصبح الصليب فعليا في العهد الجديد هو شجرة الحياة التي يأكل منها الإنسان فلا ينفصل عن الله بل يثبت في الله ويثبت الله فيه فلا ينال منه الموت الثاني أي الانفصال النهائي عن الله يوم القيامة الرهيب ويعيش خالدا ولكن بشرط أن يتقدم للاشتراك في مائدة الصليب التي يقدمها الرب مجانا لكل مستحق ومستعد للتناول من هذه المائدة بخوف الله والإيمان والورع مستعدا نفسا وجسدا .
فلنكرمن صليب الرب بما يستحق من تكريم ولنستعد لرفعه عاليا أمام المؤمنين لننال منه قوة وثباتا في الله والرب مع جميعكم .
آمين

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!