مقالات دينية

شيرين … قديسة من بلادي

شيرين … قديسة من بلادي

إعداد / وردا إسحاق قلّو  

صورة مسكنتا

من هي القديسة شيرين ، وهل هي القديسة مسكنتا ، وهل توجد أخرى بنفس الأسم ؟

سأعرض أولاً نبذة عن هذا الموضوع ، وبعد ذلك يليه ما ترجمه غبطة مار لويس ساكو من المصدر عن القديسة شيرين .  

في عهد الوالي الفارسي ( طهمزكرد ) سنة 409 م . كان الأضطهاد ضد المسيحيين مستمراً .  كان في تلك الفترة إمرأة مسيحية مؤمنة في كركوك لها ولدان أسمها ( شيرين ) كانت تعجن عجيناً ، فحينما سمعت بإضطهاد المسيحيين تركت العجين وأخذت معها ولديها وذهبت إلى المعسكر ، وأمسكت لجام حصان الوالي واستحلفته بالفارسية بألا يحرمها من طريق الشهادة مع ولديها . وبعد الإلحاح ضرب الوالي أعناقهم بالسيف فنالوا الشهادة . فلما رأى الوالي شجاعنهم وإيمانهم أعلن هو الآخر إيمانه بالمسيح ، فق*ت*ل هو الآخر ونال أكليل الشهادة . أما عن علاقة هذه الشهيدة مع كنيسة الموصل. في القرن العاشر شيّد في الموصل كاتدرائية كبيرة على أسم الشهيدة مسكنتة وولديها . وفي أوائل القرن التاسع عشر أضحت الكاتدرائية البطريريكة لكرسي بابل على الكلدان وحتى عام 1960 حيث نقلت إلى بغداد . ويقال أن جثمان الشهيدة نقل إلى مصلى صغير ملاصق للهيكل الرئيسي في الكاتدرائية ، ويعرف الآن ب ( بيت القبر ) . يحتفل بعيدها يوم 25 من أيلول .  

تعد تلك الكنيسة في العراق الوحيدة التي تحمل أسم القديسة مسكنتا .  

 شيرين ... قديسة من بلادي

 كما توجد قديسة عراقية أخرى بأسم ( شيرين ) وهذا الأسم فارسي وكردي ، معناه ( حلوة ) . عاشت في القرن السابع الميلادي . إذاً هناك قديستين بهذا الأسم ، والفرق في الفترة الزمنية بينهن هو ثلاث قرون . الأولى علمانية متزوجة وشهيدة . والثانية علمانية أيضاً لكنها غير متزوجة . عاشت حياة التقشف وبطريقة أكثر شدة من النساك ، بل كانت مرشدة روحية للرهبان الذين كانوا يلجأون إليها . تربت في عائلة مسيحية بسيطة ، وكانت هذه القديسة تنهض باكراً للصلاة قبل أي عمل . وفي المساء يجتمع الكل للصلاة والشكر لمرور اليوم بسلام .  

   كانت اسرتها مواظبة للحضور في الكنيسة ، فتربت في الوسط الروحي الجميل ، فعزفت عن كل مباهج هذا العالم . وأخذت تلهج في آيات الكتاب المقدس وترنم به طول اليوم وأثناء العمل .  

   كتب عن سيرتها الراهب مرتيريوس سعدونا بأنها كانت تعيش في بلدة حلمون في منطقة نوهادرا في شمال العراق .  

   علم الجميع برزانتها وطهارة سيرتها فتقدم لخطبتها الكثيرين ، لكنها رفضت الزواج وأبلغت الوالدين بأنها تود أن تكون عروس يسوع المسيح . ولحب والديها لها تركوها تمارس حياتها بحرية . عاشت آلام الجوع فكانت تتناول قليل من الخبز وبعض الخضار المسلوق في كل مساء مع الماء . ورغم هذا كان وجهها يضىء بالنعمة من الروح القدس . وكان ذلك يثير إعجاب من يراها .  

   كانت صلواتها قصيرة مع مطالعة الأنجيل وتلاوة المزامير ، إضافة إلى قراءة قصص القديسين والشهداء .  

  كانت تستقبل الغرباء في منزلها . وكان وجهها يشع سعادةً غامرة عندما تخدم المساكين والفقراء ، وعندما رحل الوالدين إلى السماء أزدادت في نسكها وزهدها حتى كانت تطوي الأيام صائمة ، وغايتها من تناول الطعام كانت فقط لكي تستطيع أن تخدم المحتاجين .  

كان يحضر عندها عدد كبير من الرهبان وكانت تستقبلهم بخجل وتقدم لهم الطعام والماء . هم كانوا يطلبون منها الصلاة معهم حتى يلتمسوا طريقة ورعها وخشوعها في وقت الصلاة ، ويسمعون منها كلام النعمة الخارج من فمها . كان يزيد حبها لله ، وكان هذا واضحاً من شكلها الخارجي ، فكان كل من ينظر إليها يتعجب من هيبتها ورزانتها وطهارة سيرتها ، فكانت موضوع إحترام كبير من رؤساء الأديرة وأعتبروها أماً روحية لهم . كما كانت هي أيضاً يزورهم في أديرتهم ، فكانت تنال كل تكريم ومحبة . كانوا يطلبون منها أن تبقى معهم فترة أطول لكي يطرحوا عليها أسئلتهم ، وكيفية محاربتها للعالم الشرير ، وكانوا يعتبرونها مكرمة من الله ، وكانت مستحقة لهذا الإكرام .  

كما كتب غبطة الكردينال مار لويس روفائيل ساكو عن هذه القديسة في مجلة نجم المشرق عام 1999. ونشر مقالاً آخر عنها في موقع البطريركية الكلدانية ، وهذا نص المقال :  

شيرين: ناسكة قديسة في كنيستنا من القرن السابع

 

كتب حياتها شاهد عيان

الكاردينال لويس روفائيل ساكو

تقديم

كنت قد نشرت مقالا عن الناسكة شيرين في مجلة نجم المشسرق العدد 17 لسنة 1999 ص 78-81، والآن اود ان أعود اليه بمناسبة تذكار سهدونا عرّابها (10 تموز)، للتعريف بهذه القديسة شبه المغمورة في تاريخنا. من الجدير بالذكر أننا أدخلنا مجموعة من قديسي وقديسات كنيستنا في التقويم الطقسي لسنة 2020  ليُخلد ذكراهم العطرة. اتمنى ان يقرأ رهباننا وراهباتنا قصة هذه الناسكة القديسة ( شيرين ) أسم فارسي و.

– كردي يعني الجميلة – الطيبة، نعرفها بواسطة كتاب “السيرة الكاملة للراهب – الأسقف سهدونا” المتوفى نحو سنة 650. فهو يذكر انها كانت تعيش في كوخ قريب من ضيعته “هلمون – حلمون” التابعة للمقاطعة الكنسية (بيت نوهدرا) وكانت أمه صديقة  لهذه الناسكة، وتتردد اليها لتستنير بارشاداتها. وهو نفسه، عندما كبر وترهب ودرس العلوم اللاهوتية في مدرسة نصيبين، كان يزورها باستمرار ويسترشد عندها

ورد خبر الناسكة شيرين في التاريخ  السعردي، في سياق شفاء (ابن يزدین) رئيس أمناء الملك کسری برویز (628-590): “کشف له سيدنا المسيح لذكره السجود، خبر إمرأة نخريطة (ناسكة) مقيمة في بعض الجبال، فصار اليها وتبرَّك بها . وذكر إن قميصها كان من كولان البردي، وغذاءها من عقاقير الجبل” (ص 139-138) . كما جاء في كتاب الرؤساء (ص42-41) خبرها المعاصر لسهدونا ما يلي: “حينما صعدتُ الى الجبل لاُناجي الله . وجدتُ إمرأة قديسة كانت قد نسجت لها قميصاً من الأعشاب ، وكان طعامها من عروق (الأشجار) والأثمار … وكان مار پهب معتاداً على زيارة هذه الطوباوية بين الفينة والفينة ، وقد احس بقوة شفاعتها وقال عنها : إنها كانت في العالم ، ولكنها لم تكن من العالم ، فلم اُلاحظ قط أنها رفعت عينيها لترى وجهي، لان منظر الله كان قد سبی عقلها”.

ونظراً لأهمية  سيرة  هذه الراهبة الناسكة من كنيستنا المشرقية ، قمت بترجمة خبرها الى العربية عن  السريانية “ السيرة الكاملة ” لسهدونا  وهو شاهد عيان.

  1. لماذا نتكلم عن الرجال فقط ، ولا نتأمل في طبيعة الجنس اللطيف ، ونكتشف جمال الفضيلة المتجلى في هؤلاء النسوة القديسات ، اللائي وطئن بأقدامهن الخطيئة والشيطان (تكوين10/3). إني أخجل من نفسي عندما أقارن ضعفي بسيرتهن . انه ضروري أن نُظهِر هذا الجمال لتمجيدهن ولخزينا.
  2. من بين كل هؤلاء، يكفينا مثالٌ واحد : الطوباوية شيرين، الشبيهة بالسميع التي استجاب لها الله . نزعت شهوة الجسد من خيمتها، وأستأصلت شوکتها ، وبطحت العدو الخفي الذي يحارب القديسين ، بعبادتها الجلية وصلواتها الخفية ، ولصقت رأسه بالأرض واخزته جداً. [إبليس] الذي ظفر بالمرأة الأولى [حواء]  وغرس فيها الضلال ، أدانته هؤلاء النسوة بفضل مولود البتول (المسيح) الذي قوَّى طبيعتهن.
  3. كانت هذه المرأة الشيخة قد قاربت الثمانين من عمرها عندما تعرفتُ عليها . ويصعب علي أن أصف ما عاشته منذ شبابها حتى بلوغها هذا العمر. إننا نحتاج الى سفر خاص لكتابة سيرتها كاملة ، وهذا ليس الهدف الذي رسمناه لبحثنا ، إنما نحتاج الى شاهد نقدمه للجميع كدليل على السيرة الكاملة ، شاهدٍ نُظهر جماله  للقراء. اليكم بعض تفاصيل حياتها، نعزز بها روايتنا ، تماماً كما سبق وفعلنا مع القديسين الرجال… وبكلمات قليلة نحثّ على الإقتداء بهم.
  4. كانت شيرين تقدم شهادة رائعة لكل من يقصدها، وبذلك تخلق فرصة لتمجيد الله بأعمالها العجيبة . كان الجميع يحترمونها الى حد كبير. كل رؤساء الرهبان معاصريها ، والناس القديسين الذين تكلمنا عنهم أعلاه ، كانوا يأتون من بعيد للسلام عليها ، ولطلب صلاتها ، لأنهم كانوا يعدّونها اُماً مباركة ، جديرة بالإنعامات الإلهية . وعندما كانت تخرج مرة في السنة لزيارة جيرانهال کي تتبارك هي ايضاً منهم كما تتطلبه وصية المحبة ، كانوا يحيطونها بهالة من الوقار، ويخدمونها کتلاميذ نشيطين ، متيقنين أن الله قد عظّمها
  5. رذلت هذه القديسة الناسكة العالم كلّه من أجل محبة الله ، مُعتبرةً إياه نفاية كي تربح المسيح (فيليبي 8/3) ، مُبعدة عنها كل شيء حتى تكون مكرَّسة له بالكامل وبمحبة مطلقة . سلكت في الزهد سلوكاً ثابتاً تاماً . وما كان يصعب على المتمرسين في الفضيلة ، كان يسهل عليها لأنها كانت تعيش الكمال منذ البداية ، وطبعت صورة الله حيّة في نفسها.
  6. لاشت آهواء النفس كلها بواسطة جلد قاس ، وقضت على شهوة البطن التي تعصى على الكثيرين . ولم تكن تهدي معدتها الا وجبة بسيطة من الطعام تتناولها مرة كل أربعة أيام ، وأحياناً مرة في الاسبوع ، تسند بها جسدها ، وليس استجابة للشهوة .  تقوم هذه الوجبة على رغيف مصنوع من العدس ، تعدُّه مساءً مع بعض الخضر المطبوخة وماء للشرب . وبالرغم  من هذا الطعام البسيط ، كان ينعكس على وجهها بهاء مدهش ، بنعمة الروح الذي كان يغذيها الى درجة أن من كان يشاهدها كان يتصور انها كانت  تتنعم بطعام فاخر
  7. إختارت شیرین بجدارة نمط “آل دانیال” (دانیال 81-15) . مثلهم كانت النعمة تقوِّيها ، فكان وجهها يتلألأ نوراً وجمالاً وصحة أكثر من سائر الناس . ومن حسن حظي ، شاهدتها واقفة تصلي لفترات طويلة ، وقد انهكتها السنون . وحدها تقدر أن تقيس نعمة الروح التي كانت تقوِّي إرادتها . أما أنا الذي كنتُ  أتردد اليها مراراً لتَلَقّي بركاتها ، فكنتُ شديد الإعجاب بالاعمال الشاقة التي كانت تقوم بها بسهولة.
  8. كانت تُسرع الى الصلاة ، وتبقى يقظة في صلاة “الفرض” الطويلة ، ولا أبالغ إذا قلتُ : إن هذا كان شغلها الشاغل : تلاوة المزامير، وصلاة التنهدات ، إذ كانت تقضي معظم الليل في الصلاة وترتيل المزامير، وتنصرف في النهار الى قراءة الكتاب المقدس ، وممارسة حياة الأبرار والقوانين الموضوعة لتنشئة الأخلاق وغرس تقوى الله في النفس.
  9. كم كانت هادئة وطيبة ، طاهرة وبسيطة للغاية ، سخيّة بمحبتها وصداقتها مع كل من يقصدها، حاضرة دوماً لاستقبال الزوار، جاهدة للتخفيف عنهم . وحده من شاهدها يعرف ذلك.
  10. كان قاصدوها من كل حدبٍ وصوب ، رهبان وحجاج على درب الرب ، معتبرين إياها اُماً قديسة . وكانوا يلتفّون حولها من كلِّ جهة ، ويركعون مثل أطفال أمام قداستها لنيل بركتها وجني الفائدة . وكانت تستقبلهم ببشاشة ، وتقدم لهم خدماتها ، مضيفة إلى غذاء الجسد ، غذاءً روحياً : بالأول تسند جسدهم، وبالثاني تبني نفوسهم بالقول والمثال . ولم يكن يغادرها أحد من دون أن يحمد الله، ومن دون أن يحمل  زوّادة مفيدة جداً من خلال ما رآه وسمعه.
  11. كان معظم زوّارها الدائميين من النسوة ، لأنه أسهل عليهِنَّ التحدث إليها لكونها من جنسهنَّ ، كنَّ يجنين فائدة عظيمة من الاصغاء اليها ومشاهدتها . كنَّ توَّاقات الى الإقتداء بها قدر المستطاع. هذا ما شاهدَته والدتي التي أقدِّسها ، فقد التهبت لمَّا رأتها واحبَّت سيرَتها جداً ، وسعَت ان تقتدي بها بحسب مقدرتها . لقد كانت تحثّني وانا صغير، على أخذ القرار باتباع هذا النمط من الحياة (المكرَّسة) التي عاشته هذه المرأة.
  12. كانت والدتي تخاف كثيراً من ان أندفع طبيعياً الى محبة العالم ، لذا كانت تردد على مسامعي بدون انقطاع قائلةً : “يا بني ، إن الموت خير لي من الحياة إذا رأيتك – لا سامح الله – أسيراً بمحبة العالم كسائر الناس” . وكانت تأخذني باستمرار الى هذه المرأة ذات الوقار، التي كانت تسكن بالقرب من ضيعتنا ، لتستمطر عليَّ بركاتِها برؤيتها وكلماتها ، ولتغرس في قلبي ، الإنجذاب الى السيرة الكاملة . كان الشوق يشتدُ فيَّ ، يوماً بعد يوم حتى استطعتُ وأنا طفل ، أن اُحقق هذا الشوق الطبيعي،  
  13. ولأني لم اتمكن من تحقيق النجاح في السيرة الكاملة الا القليل ، ولم أحفظ منها إلا الثوب واللقب ، رأيت أنه لا بد ان استشهد ، في هذا الكتاب ، الى جانب الفضيلة التي تتضمنها الكلمات الإلهية ، بذكرى القديسين الذين عاشوها بشكل سام ، وبكل عن*فوان ، توبيخا لي ولأقراني (الرهبان) الفاترين الذين يظنون ان تقوى الله تكمن في الثوب . لذلك وصفت بايجاز في البحث السابق سِيَر القديسين القدامى ، لأظهر السيرة الكاملة ، ثم لم أتردد أن أذكر سيرة أناس فاضلين يعيشون في أيامنا وبيننا ، مثل هذه المرأة البطلة ، الحكيمة حسب قول الرب ، التي عرفت ان تبني حياتها على الصخرة الحقيقية، فيرتفع بناء فضائلها ممجداً أمام كل مشاهد.

 مترجمة  عن السيرة الكاملة : النص السرياني ص 44-49 

  

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!