مقالات دينية

توبة وصوم أهل نينوى ( ܨܘܡܐܵ ܕܒܵܥܘ݂ܬܵܐ ܕܢܝܢܘܵܝ̈ܐ )

توبة وصوم أهل نينوى ( ܨܘܡܐܵ ܕܒܵܥܘ݂ܬܵܐ ܕܢܝܢܘܵܝ̈ܐ )

  بقلم / وردا إسحاق قلّو

ܡܵܪܲܢ ܡܪܵܚܸܡ ܐܸܠܲܢ ܀ ܡܵܪܲܢ ܩܒܘ݁ܠܵܐ ܒܲـܐܘܼܬܼܲܢ ܀ ܡܵܪܲܢ ܫܦܘ݁ܪ ܒܥܵܘ̈ܕܹܐ ܕܝܼܘ݁ܟܼ ܀

مارن مراحم إلّن . مارَن قبولا باؤوثن . مارَن شبور بعَودي دِّيوخ

    التوبة قرار شخصي أو جماعي للعودة إلى الطريق الصحيح . ففي الكتاب المقدس نجد أرتباط واضح بين التوبة والمغفرة . لا مغفرة بدون إعلان التوبة ، لهذا يقول الكتاب ( توبوا وارجعوا لتمحى خطاياكم ) ” أع 19: 3 ” . و الكتاب المقدس لا يكتفي بهذا الطلب ، بل يطلب اعمالاً تثبت للتوبة مصداقيتها ، فيقول ( أصنعوا ثماراً تليق بالتوبة ) ” مت 8:3″ . كالصفح والصلاة والصدقة والصوم ، وهكذا يعيش التائب حياة طاهرة ويقترب من الله . وفي هذا المقال نجد أن غاية إرسال الله ليونان إلى أهل نينوى كان لأنذارها لكي تتوب . والتوبة تغيّر قرارات الله  . فالذي يبقي في الخطيئة ، ينتظره الحساب والهلاك ، لأن أجرة الخطيئة هي الموت .    

   الله يحب كل الناس ، ويريد خلاص الجميع ، عكس ما كان يؤمن به يونان بأن الخلاص هو لشعبه المختار فقط ، وكان هذا أحد الأسباب التي دفعته إلى التمرد ، والعصيان ، والحقد ، والأنتقام من أهل نينوى . أما سبب إصرار الله في إرسال يونان وليس غيره ، هو لكي يعطي يونان درساً بليغاً  فلا يتحدى إرادته ، لهذا أطال صبره عليه ، ولم يسحب منه درجة النبوة ، ولم يقصيه من مهمته تلك ، بل أراد أن يقوده إلى طريق الصواب والمحبة لكي يفهم الدرس جيداً ويتوب هو أولاً قبل أهل نينوى ، فرغم إستغلال يونان طول أناة الله الذي كان يتعامل معه بكل شفافية ودقة وترتيب ، كان الله أيضاً مسيطراً عليه ، وعلى البحر ، وعلى القرعة التي جعلها أن تكون من نصيبه ، وعلى العاصفة ، والحوت ، وأخيراً حتى على اليقطينة التي أحبها يونان .

   في جوف الحوت تاب يونان وصلى إلى الرب وصام ثلاثة أيام ، ومن صومه جاء صوم الباعوثة ثلاثة أيام ، وليس من صوم أهل نينوى الذي لم يحدد لنا السفر مدة صيامهم . وبقائه في الحوت ثلاثة أيام كان صورة ونبؤة لبقاء يسوع في باطن الأرض ، فيقول الكتاب ( لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام ، هكذا يكون إبن الإنسان في قلب الأرض ) ” مت 4:12 ” . 

    تاب يونان وصلى صلاة ملؤها الإيمان والثقة بالله ، قائلاً : ومن جوف الهاوية ابتهلت فسمعت صوتي … فاكتنفني الغمر وأحاطت بي تياراتك ولججك …عندما وَهَنَت نفسي في داخلي ، تذكرت إلهي ، فحلقت صلاتي إليك ، إلى هيكلك المقدس الكائن في أورشليم . بهذا الإيمان المطلق أستطاع أن يحوِل صلاته إلى ثقة مرجوة  ، فقال ( أما أنا فبصوت شكرٍ أذبح لك ، ومانذرته أوفي به ، لأن للرب الخلاص ) ” يون 9:2 ” .

   كان يونان على يقين تام من قبول الله لتوبته لأنه نبي عجيب ، كونه رجل الإيمان العميق  ، لهذا أختاره الله ولم يشأ أن يختار غيره رغم تمرده ، وحساب الله وقراراته لا ندرك عمقها نحن البشر . نعم تاب يونان وخرج من جوف الحوت وذهب لتنفيذ الأمر وأنذر نينوى العظيمة ، ولماذا سميت بالعظيمة ثلاثة ( طالع يون 2:1 و 2:3 و 3:3 ) علماً بأنها مدينة أممية وثنية منتنة بالخطايا التي صعدت إلى عرش الله . وكذلك سماها عظيمة للمرة الرابعة في الآية الأخيرة التي ختم بها السفر . فهل لكبر حجم المدينة وكثرة سكانها ، أم لشهرتها وقوتها العسكرية ، أم لكونها وثنية فتابت وآمنت بالله وقدرته أكثر من يونان الذي أنذرها ؟

   بسبب يونان تاب البحارة الوثنيون أولاً فبدأوا يتذرعون طالبين من إله يونان الخلاص ، ومن ثم أهل نينوى الذين صدقوا إنذاره ، ويونان غضب عليهم بدلاً من أن يفرح لنجاحه في إرساليته . بينما فرح باليقطينة التي ظللته لوقت قصير .

   تاب أهل نينوى فأعلنوا الصيام ، وارتدوا المسوح من ملكهم إلى صغيرهم ، ورفضوا طريق الخطيئة تائبين عائدين إلى الله الذي لم يكن إلههم ، لكنهم كانوا يعرفونه . لما رأى الله توبتهم عن أعمالهم الرديئة ، قبل التوبة وندم عن الشر الذي تكلم أن يصنعه بهم فلم يصنعه . تابوا وعادوا إلى الله كتوبة الأبن الشاطر الذي أعلن توبته فقرر العودة إلى حضن والده تائباً متضعاً . فخطوات التوبة الحقيقية تبدأ بمراجعة النفس ، والندم ، ثم القرار لتنفيذ أمر التوبة وبكل إنسحاق وكأهل نينوى ، ثم التنفيذ بكل عزيمة ، ولا يجوز تأخير التوبة كما يقول أبن سيراخ في سفره ، بل السرعة مطلوبة خاصةً في التوبة .

   قال مار أفرام السرياني ( اليوم هو لك ، أما الغد فلم تدري لمن يكون ) فعلينا أن لا نؤجل توبة اليوم إلى الغد . يجب أن نسرع في طلبها قبل أن يطلبنا الموت ونحن خاطئين . الله طويل الأناة ، يعطي لنا الوقت للتوبة ، فعلينا أن نستغل الوقت لنتوب فنتطهر .

  رفع الله عن أهل نينوى الغضب بسبب توبتهم ، هكذا بالتوبة والأعتراف والأعمال الصالحة  نعود إلى حضن الله ، لهذا قيل ( إثمروا ثماراً تليق بالتوبة .. ) ” لو 8:3 ” فالتائب هو الإنسان المتضع الذي يشعر بأنه الأدنى بين الناس تسنده صلاته التي تقربه من الله ، والذي أنقذ يونان من جوف الحوت كانت توبته وصلاته . وأهل نينوى أنقذتهم بوبتهم وصومهم وتذرعاتهم ، فعلينا أن نتخذ من قصة أهل نينوى درساً لنا ولا نعود أيضاً إلى الخطيئة كما عادت نينوى بعد التوبة فدمرها الرب كسدوم وعمورة إلى الأبد ولم يبقى منها إلا أجزاء من أسوارها لتشهد لها ، وهذا ما فعله الله أيضاً ببابل العظيمة الخاطئة .

  لنقتدي بأهل نينوى فنصوم صوم الباعوثة متذرعين إلى الرب لكي يشملنا عطفه وحنانه ويطهر بلاد النهرين من كل البلايا ليعود السلام والفرح والإيمان الحقيقي إلى القلوب فيحصل الفرح في السماء ولشعبنا المظلوم .

ولإلهنا المحب الغافر المجد دائماً .   

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!