الحوار الهاديء

الشبكة العنكبوتية ( الانترنت) مرآة تعكس خلفيات مرتاديها.

الكاتب: عبدالاحد سليمان بولص
عبدالاحد سليمان بولص: الشبكة العنكبوتية (الانترنت) مرآة تكشف خلفيات مرتاديها
 
احدثت ثورة الاكتشافات العلمية مجالات واسعة تخدم البشرية في مجمل نواحي الحياة ومن ضمنها  لا بل قد يكون من أهمّ تلك الاكتشافات خدمة الانترنت التي جعلت العالم قرية صغيرة لما توفّره من سرعة فائقة في نقل الأخبار والمعلومات وبمجرّد الضغط على زرّ من أزرار الحاسوب الذي أصبح بمتناول الجميع.
كل واحد يستغلّ هذا الاكتشاف الكبير لأغراضه الخاصة حيث  عمل البعض على توسيع معلوماتهم وآخرون للتواصل والمراسلة السهلة دون تكلفة تذكر في حين أخذ منه البعض وسيلة للتنفيس عما في نفوسهم من عقد وخلافات مع الغير ليس بامكانهم حلّها بالطرق التقليدية لما تتطلبّه من جهد وتكلفة وعلى العموم يمكن تقسيم رواد المواقع الالكترونية الى ثلاثة أصناف رئيسية وفق المواصفات التالية:
الصنف الأوّل وهو الذي يتّصف بعقلية متفتّحة ويحترم المقابل مهما اختلف معه في الرأي وينتسب بمعظمه الى الدول المتمدّنة التي ترعى حقوق الانسان وتكفل له الحريات الشخصية ويبحث عن ما يزيد معلوماته في جميع مجالات الحياة وينشر انتاجه لكي يستفيد منه الآخرون ويناقشهم باسلوب حضاري هادئ محاولا اقناع المقابل بصحة آرائه دون أي انفعال أو تجريح لأنّ غايته هي الافادة والاستفادة.
الصنف الثاني هو ذلك الذي يحب الظهور والمراوغة واثبات الوجود يحاول فرض رأيه على الآخرين ويتّبع الأسلوب الاقصائي الذي تربّى عليه في خلفيته السابقة ويشمل هذا الصنف أكثرية المنحدرين من الدول الشرق أوسطية بما فيهم معظم أبناء شعبنا جاعلا من الشبكة العنكبوتية (الانترنت) منبرا لتصفية الحسابات عن بعد دون الحاجة الى مواجهة مباشرة مع غريمه التي قد تضعه في مواقف محرجة قد يصعب التخلّص منها بسهولة . يتغلّب على اسلوب هؤلاء في الكتابة التشبّث برأيهم وان أيقنوا بأنّهم على خطأ خاصة فيما يتعلّق بالانتماءات العرقية والطائفية أو التوجّهات السياسية وعند فقدان الحجة المقنعة يلجأ الى اتّهام غرمائه بالخيانة والعمالة والجهل وما شابه ذلك من التهم الجاهزة.
أمّا الصنف الثالث وهو الأخطر فانّه يشمل بعض المتشبّعين بعقليات الدول المتخلّفة ذات الخلفية الاحتوائية على شاكلة (اذا قال صدّام قال العراق) أو (أن كل عراقي بعثي وان لم ينتم) والويل والثبور لمن يخالفهم الرأي لأنّهم يعتبرون الانترنت ساحة قتال لا يخرج منها من يدخلها الا غالبا أو مغلوبا وقاتلا أو مقتولا وعند فشلهم في مقارعة الحجة بالحجة المقنعة يلجأون الى أسلوب الشتيمة واستعمال الألفاظ البذيئة التي يندى لها الجبين والصاق كل الصفات السيّئة التي يحملونها بالمقابل بدل الاعتراف بالفشل ومحاولة تفاديه في المستقبل . يندرج تحت هذا الصنف بصورة خاصة أدعياء القومية والطائفية ومدّعي الثقافة والفنون  . ضجيج هذا النفر الشاذّ يدلّ على الحالة النفسية المنحرفة التي تربّوا فيها لأن الانسان المهذّب والمتمدّن لا يمكن أن يحلّ مشاكله مع الآخرين عن طريق  السباب والشتائم والكلام البذيء  المنفر لأنّه وببساطة لم يألفه خلال النشأة التي تربّى عليها.
على كل من يرتاد المواقع الالكترونية أن يحترم المساحة الواسعة من الحرّية التي وفّرتها للجميع وليعلم بأنّها ساحة عامة مفتوحة للجميع وليست مقتصرة على ذوي التفكيرالضيّق غير قادرين على النظر للأبعد من أنوفهم.
ان الحرية التي نتمتّع بها خاصة نحن الذين نعيش في المهجر تفرض علينا محاولة تشذيب ما تمّ حشره في أدمغتنا من مفاهيم خاطئة وعلينا الاستفادة من تجارب مجتمعنا الجديد الذي يكفل حرية الرأي للجميع ويرفض حل المشاكل وسوء التفاهم بين الأشخاص عن الطرق المتخلّفة المماثلة للفصل العشائري أو بنخوة الأقارب والأصدقاء في الهجوم على الغريم وعلينا نسيان هذا السلوك المشين والتخلّص منه بأسرع وقت لأنّه آفة مرضية واجبة الاستئصال.
أدنى درجات الانحطاط يمكن أن يصلها أي انسان يدّعي الثقافة والرقي هي حين يلجأ الى استعمال كلمات جارحة ويسب ويشتم الآخرين حين يفشل في اثبات وجهة نظره التي يحاول فرضها على غيره ويرفض الاعتراف بفشله ويكابر رغم اقتناعه بأنّه على خطأ…

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!