مقالات دينية

تحديات المغبوط مار كوركيس لدقلديانوس


وردا اسحاق     

 

 

 

تحديات المغبوط مار كوركيس لدقلديانوس

مار كوركيس أو مار ( جرجس ، جرجيس ، جيورجوس ، جورج ) من القديس العظام المكرم والمعروف لدى كل الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية. ولد فيأواسط النصف الثاني من القرن الثالث الميلادي في مدينة اللد بأقليم كبادوكية في الأراضي المقدسة من أبوين مسيحيين أتقياء . فوالده الأمير أنسطاسيوس كان حاكماً على ملاطية ، وأمه ثيؤبستي أبنة ديونيسيوس حاكم اللد . كان والد القديس مؤمناً بالرب يسوع وقد اشتهر بالصلاح والعدل ، فحكم البلاد بمخافة الله . لما رزقه الله بأبنه كوركيس أحسن تربيته على مقتضى الآداب والأخلاق المسيحية ولقنه العلوم اللاهوتية والآداب والقوانين وجاد اللغة الرومانية التي كانت لغة الثقافة والعصر . كما أجاد الفروسية التي كانت مفخرة لمن يجيدها . عندما بلغ الرابعة عشر من عمره علم الوالي الوثني أن والد كوركيس يعتنق المسيحية ، أمر بقطع رأسه ثم عيّن عنه أميراً آخر . قررت والدة القديس بالرحيل مع ولدها وابنها الى مدينة ديوسيوليس التي كانت موطنها الأصلي وكانت تمتلك أملاك كثيرة في تلك المدينة .
كان القديس كوركيس حسن الطلعة ممشوق القوام مما أهله أن يلتحق بالسلك العسكري وكان عمره سبعة عشر سنة . سرعان ما علم الوالي الجديد بشجاعته وفروسيته فأرسل بصحبته مائة جندي وأعطاه خطاباً الى الأمبراطور يوصي فيه بترقيته . فلما رآه الأمبراطور وقرأ الرسالة فرح به جداً فمنحه لقب أمير وجعله قائداً لخمسمائة جندي . كما عينه حاكماً لعدة مدن لتكون خاضعة لحكمه وقيّدَ اسمه في ديوان المملكة مع العظماء واعطاه هدايا كثيرة . وعند انصرافه وهبه أيضاً حصانا ضخماً . أصبحت لمار كوركيس شهرة في كل مكان فقرر الأمير  يسطس حاكم فلسطين أن يزوجه ابنته الأميرة ، غير أنه قبل أن تتم مراسيم الزواج توفي الأمير . فكر القديس في أن يتمم زواجه من الأميرة ليصبح هو أميراً على فلسطين بعد أبيها .. لكن أرادة الله دبرت له مملكة في عالم آخر أنبل وأجمل من ممالك الأرض كلها ليكون أميراً عليها وهي مملكة الشهداء التي هي ليست على هذه الأرض بل في السماء . فحفظه الرب يسوع عريساً لملكوته السماوي .
توجه القائد كوركيس يرافقه خادمه سقراط في أمر عسكري الى صور فلما وصلها وجد جموع الناس يبخرون للأصنام وقد تركوا عبادة الله . كما أن الملك الظالم دقلديانوس اجتمع مع ستة وستون من الملوك والرؤساء في دولته بمناسبة عيد الإله أبولون واصدر بيناً ينص على هدم كل الكنائس مع طرد الموظفين المسيحيين من أعمالهم مع حرق الكتب المقدسة . قام القديس بتمزيق المنشور أمام جنود دقلديانوس فقبض الجنود عليه وكبدوه بالقيود الحديدية وساقوه الى الملك . ذاق القديس أشد أنواع التعذيب ولمدة سبع سنوات كاملة من جلد وضرب بالدبابيس وتقطيع الأعضاء ووضعه داخل الجير الحار ونشره بالمنشار وغيرها من العذابات التي كان القديس يتحملها فأهلته لأن يكون أميراً للشهداء . حاول دقلديانوس الملك أن يلاطف القديس بوعود وترقيات ومن زواجه بأبنته مع أموال وهدايا كثيرة إذا قدم السجود والتبخير للآلهة . لكن الأمير كان مؤمناً بأن يطيع الله أكثر من البشر ، ففشل الملك والأمراء الذين معه في إثناء القديس . قدم أحد الأمراء اقتراحاً بوضع القديس مع فتاة جميلة من محظيات قصر الملك في زنزانته لكي يفقد عفته وطهارته ، بعد ذلك يسهل خضوعه لأوامر الملك . لكن قوة صلاة القديس الراكع أمام الله وطلباته القلبية تغلبت على التجربة فتحول الدنس الى عِفة ، والخطيئة الى طهارة ، ففي الصباح وجد رجال الملك خلاف توقعاتهم . وجدوا الفتاة الخليعة قد أكتست بالحشمة مع أعترافها لهم بإيمانها بالله الذي يعبده القديس فأصابت النتيجة الملك وأعوانه بالفشل والذهول ، فأمر الملك في الحال أعدام الفتاة فنالت أكليل الشهادة .
أمر الملك بربط القديس بإغلال قاسية مع ألقاء حجراً كبيراً على صدره وتركه الى اليوم الثاني لعله يخضع لأوامر الملك أو يموت ، لكنه تحمل الآلام بصبر ، بعد ذلك أمر الملك بتعذيبه بالهنبازين ( آلة تتكون من دولاب حديدي فيه عجلتان من حديد ، في كل منها سكاكين حادة تدور كل منها عكس الأخرى ) عندما وضع القديس في داخلها أخذ جسده المبارك يتمزق ودمه يسيل . وجاءوا بنار المشاعل ومرروها على جروحه مع وضع كميات من الملح على جروحه لكي يتضاعف الألم ، ورغم ذلك كان القديس يقدم الشكر لله .
في تلك اللحظات التي كان فيها القديس بين حي وميت إذ بنور قوي ظهر فجأة داخل سجنه يقترب منه ويعطيه السلام قائلاً : لا تخف يا حبيبي كوركيس لأني معك وعندما لمس جراحاته إذ بها تلتئم بسرعة عجيبة وكأنه لم يصب بأي أذى . بعد ذلك تم شده على أربعة أوتار في جير حي فظهر النور له مرة ثانية ليشفيه من جراحاته . فأمر دقلديانوس أن يخرجوه من السجن ويحضروه بين يديه في مجلس الحكم وكان القديس يرتل ويقول ( ألهي أنظر ألي معونتي ) . سأله الحاضرون عن الذي شفاه ، فقال لهم : أنتم لا تستحقون معرفة أسم الذي شفاني . فأستشاطوأ غيضاً فربط على أربعة أوتاد وضرب مائة سوط على بطنه ، وأمر الملك بوضع جير حي على جراحاته وقروحه ، ثم يصب على جسده كبريت مذاب في خل عتيق مع حراسته من قبل ثمانية جنود الى الغد . أشتعلت النار وهاجت على جسده فتألم كثيراً وسمع صوت الرب يسوع قائلاً له : لك أقول يا حبيبي أنهض قائماً صحيحاً معافى من جميع آلامك . أثبت وتقوى لأني كائن معك . فشفاه من كل جروحه وأعطاه السلام . فأقام القديس بقية الليل يسبح الى الصباح . فلما رآه الجند أنه معافى تعجبوا واعلموا الملك والملوك الذين أبتدأوا ينسبون ما حدث بأنه ساحر . فأمر الملك بأحضار أعظم السحرة في المملكة . حضر الساحر الشهير أثناسيوس أمام الملك فطلب منه أن يتغلب على كوركيس وأخضاعه بقوة السحر . فعندما أخذ الساحر كأساً من الشراب الممزوج بكمية كبيرة من السم القاتل وقدمها للقديس الذي ردد في نفسه قائلاً ( أن قوة الصليب عند الهالكين جهالة . أما عندنا نحن المخلصون فهي قوة الله ) ثم مد يده ورشم الكأس بعلامة الصليب المقدس وتناول كل ما فيها دون أن يؤثر السم فيه . تكرر الساحر تاعملية بوضع كميات مضاعفة مع ذكر أسماء شيطانية أشر من الأولى مع ربط يدي القديس كي لا يرشم علامة الصليب . لكنه رشم الصليب بفمه وتناول الكأس ولم يصب بأذى . تعجب الجميع وصاحوا مع الساحر الذي آمن وسجد عند قدمي القديس معلناً أيمانه بالله الحقيقي .
استشاط الملك وأمرائه غيظاً وأمروا بقطع رأس الساحر والذين آمنوا بحد السيف فنالوا أكليل الشهادة . ولكن الملك أخذ يصر بأسنانه وهو يتوعد البطل بأن يذيقه أنواع العذابات أذ أستمر على أيمانه بالله .
أمرالملك بتعذيب القديس وذلك بأن يمدد على شفرات حادة كالسكاكين لتقطيع أعضاء جسده ، ولكن كلما حاول الجند كانت شفراتهم تتكسر وتتناثر على الأرض . لم يفهم دقلديانوس كل هذه الدروس لأن الله أعماه لكي لا يبصر النور . طلب من جنوده أحضار حذاء يدقوا فيه مسامير كبيرة ثم يلبسه القديس ويأمرونه بالجري . تم ذلك وأخذ الدم يسيل وعندما كان يتوقف كان الجنود ينهالون عليه بالضرب بأعصاب البقر حتى أنفجرت دماؤه من جميع جسمه فأغمي عليه من شدة الألم فحملوه الى السجن بين حي ودميت ، ولكن الرب يسوع ظهر له في السجن .
أمر دقلديانوس بعد ذلك بتعذيب القديس وذلك بوضعه داخل نورج بعجلة كبيرة ذات أطواق ومناجل وسيوف حادة وعندما لأدلروا العجلة والقديس بداخل النورج ، أنسحقت عظامه وتقطعت جميع أعضائه حتى أن الملك والأمراء أخذوا في الأستهزاء به قائلين ، كيف أن الهه لم يقدر أن يخلصه من أيديهم ، ثم أمر الملك أن توضع عظامه ولحمه في جب عميق حتى يتخلصوا منه نهائياً فمات القديس للمرة الأولى . ولكن الله تدخل لكي يخزي عبدَة الشيطان فتزلزلت الأرض لأن الرب نزل وأقام مار كوركيس من بين الأموات . فعندما رأى أحد الأمراء حقيقة قيامته وكان يدعى أناضوليس أعلن أيمانه بأله كوركيس ومعه جمع غفير من الحضور الذين شاهدوا المعجزة العظيمة . لكن الملك الجاحد أمر حالاً بقطع رؤوسهم حتى لا يحدث شغب في الشعب فنالوا أكليل الشهادة . أمر الملك بوضع القديس في السجن حتى يتيقن في طريقة يهلك بها القديس ، فأمر بنشره بمنشار كبير الى نصفين وهو ممدد على الأرض مع ربط يديه ورجليه بسلاسل حديدية . فارق القديس الحياة للمرة الثانية ، فأمرالملك بدفنه مع وضع كميات كبيرة من رصاص وزفت وكبريت وأمر جنده أن يوقدوا ناراً حتى لا يتبقى أي عضو من جسده لكي لا يأخذه الناس ويكرموه . لكن رب المجد لم يترك أمير الشهداء يسخر منه أعوان الأباليس ‘ذ أنزل يسوع من السماء ملائكته وأمام القديس ووضعه على الأرض كأنه لم يصب بأذى . فأخذ القديس يطوف في الشوارع منادياً بأنه حي لكي يؤمن بالله فأحاطوا الجموع بالقديس … والملك والأمراء أضطربوا جداً حينما علموا أنه عاد الى الحياة للمرة الثانية والجموع هتفت مؤمنة بإلهه فأمر الملك كعادته بق*ت*لهم بحد السيف .
أمر الملك بغمر القديس في حوض كبير مملوء من الجير الحي مطفأ لمدة ثلاثة أيام مع حراسته لكي لا يقترب منه أحد وكان القديس مقَيّد اليدين والرجلين ، ولكن ماذا تفعل كل قوى الشر أمام قوة الله القدير ؟ في اليوم الثالث حضر الجند لأخراج جثته التي ظنوا أنها تلاشت ولم يبقى منها غير العظام ، لكنهم فوجئوا بالقديس بأنه لم يصب بأذى حيث نزل رئيس الملائكة وحفظ القديس .
أمر الملك بإحضار القديس أمامه وضربه بدون رحمة حتى تهرأ لحمه ثم أمر بوضعه في المعصرة حتى فرق الحياة واصبح جسده عبارة عن أجزاء متناثرة وبعدها أمر الملك بطرحه من على جبل شاهق حتى يستريح منه الى الأبد . بعد تلبية طلبه حدث رعد في السماء وبرق شديد والله له المجد أعاد كوركيس الى الحياة مرة ثالثة فآمن به الكثيرين .
أخذ الملك حيرة شديدة فأخذ يلاطف القديس ويتحدث اليه برقة واعداً أياه أن يجعله الرجل الثاني في المملكة إن بخر للأصنام ولو مرة واحدة . حتى لا تهلك مملكته بسببه . تظاهر مار كوركيس بالموافقة لكي يظهر قوة الله في المعبد الوثني . فعلاً أمر الملك بإطلاق سراحه وأنزاله ضيفاً في قصره فأستطاع مقابلة الملكة الكسندرة زوجة الملك التي كانت تريد مقابلته لما سمعت عنه من المعجزات وأخذت تسأله عن سر قوته فوصل الحديث عن الله الواحد الأزلي الخالق كل شىء وعن تجسد الرب يسوع في أحشاء السيدة العذراء وأنه مصدر القوة التي يهبها للمؤمنين به مما جعل الملكة تؤمن بالله دون علم زوجها .
في صباح اليوم التالي أشيع أن كوركيس خضع لأوامر الملك وأنه سيبخر للآلهة . وكان الحفل مهيباً والأروقة غاصة بالمتفرجين وجنود الملك مصطفين لإداء التحية لصديقهم وقائدهم الجديد حيث ظنوا أنه آمن بآلهتهم وخضع لدينهم الوثني . تقدم القديس ووقف أمام الصنم الكبير الذي يتوسط المعبد فبدأ يصلي الى الله لكي يظهر عجائبه في تلك اللحظة كي يتعرف الجميع على الإله الحقيقي . ثم التفت الى الصنم أبولون وقال له : إن كنت أنت الإله الحقيقي فأكشف قدرتك للجموع . فخرج صوت سمعه كل الحاضرين ( الله الحقيقي هو الذي تعبده أنت يا كوركيس ، أما نحن فإننا شياطين ساكنين في الحجر ) ثم رسم القديس علامة الصليب على الصنم الكبير وفي الحال سقط على الأرض وسقطت بقية الأصنام التي في المعبد . وهتف الشعب الحاضر قائلين نؤمن بإله كوركيس . فأمر الملك كعادته بقطع رؤوسهم بالسيف .
أجنمع الملك مع كبار حاشيته واتفقوا بقطع رأسه بحد السيف . قيد القديس الى مكانٍ معد لينال فيه أكليل الشهادة وكان يسير فرحاً مسروراً وعندما وصل صلى الى السيد المسيح ثم تقدم بقلبٍ ثابت وقوي ومد عنقه الى السياف فضربه ونال أكليل الشهادة في اليوم الرابعوالعشرين من نيسان 263م . نقل جسده الطاهر من صور الى الللد .

للمزيد عن هذا القديس طالع مقالاتنا السابقة على الروابط :
http://www.mangish.com/forum.php?action=view&id=1972
http://www.mangish.com/forum.php?action=view&id=3621
http://www.mangish.com/forum.php?action=view&id=6507

لتكن بركات القديس وشفاعته معنا لنقتدي بسيرته ونسير في الطريق الذي سار فيه والمؤدي الى الحياة الأبدية . نطلب منه الشفاعة عند رب المجد .
بقلم
وردا أسحاق عيسى
ونزرد – كندا
..

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!