مقالات دينية

تجلي المسيح دعوة لنا للتجلي ( ܟܠܝܵܢܐܵ )

الكاتب: وردا اسحاق

 

 

تجلي المسيح دعوة لنا للتجلي ( ܟܠܝܵܢܐܵ )

بقلم / وردا أسحاق قلّو

 

( أن الخليقة تنتظر بفارغ الصبر تجلّي أبناء الله ) ” رو 19:8″

التجلي يعني التغيُر ، أي يتبدل شكل المتجلي إلى حالة أفضل وأوضح . الجسد يحجب الحقيقة المخفية في الأنسان . أختار يسوع قمة جبل طابور العالية لتصبح أفضل مرصد ينظرون تلاميذه إلى الفضاء . من تلك القمة حصل اللقاء بينهم وبين كائنات سماوية أتت من عالم الفضاء الخارجي لتتحدث مع يسوع أمام التلاميذ ، فتجلي يسوع على تلك القمة يعني كشف لاهوته المخفي في ناسوته ، فأثبت لتلاميذه أنه إله مخفي في الجسد الذي سيتحرر منه بعد موته على الصليب بقيامته من بين الأموات . بتجليه على الجبل أعطى لهم درساً مهماً لكي لا يصبح صلبه عثرة لهم . ومن هنا نلتمس العلاقة بين التجلي وبيوم الآلام وذلك عندما أخذ النعاس التلاميذ الثلاثة في الجسمانية عندما كان يسوع يصلي للآب في ساعته الأخيرة كيف نال منهم النعاس ، وهنا أيضاً أثقلهم النعاس ويستلمون للنوم ويحرمون أنفسهم من رؤية ذلك المشهد العظيم . كان المنظر  صورةً حية للملكوت على الأرض ، حضر الثالوث والأنبياء العظام بوجود التلاميذ المختارين الثلاثة ، وهكذا نحن أيضاً ننام في حضرة الرب عندما يتجلى لنا بروحه القدوس عندما يهبط من السماء على مذبح الكنيسة في سر الأفخارستيا أمام أعيننا .

التاريخ يحمل لنا قصص عن التجلي ، كتجلي الله لموسى على جبل سيناء كلهيب نار في وسط العليقة ( خر 2:3 ) ولأيليا في جبل حوريب في صوت منخفض هامس  (1 مل 19) لكن هناك أختلاف ما بين تجلي جبل طابور والتجليات السابقة ، وذلك لظهور أمور مدهشة وثلاثية ، والرقم ثلاثة يرمز إلى الكمال ، هناك ظهر الثالوث الأقدس بشكل مرئي ومسموع ، فالآب من خلال الصوت المسموع ، والأبن المتجلي إلى حيقته ، والروح القدس في الغمام المنير . أصبحا الثلاثة حقيقة واحدة مع يسوع ، فالثلاثة أصبحوا واحداً ، لهذا كتب ( لم يروا يسوع إلا وحده ) كما كان الثالوث كاملاً في يوم خروج يسوع من نهر الأردن بعد العماد  ، لكن هنا المنظر أوضح بوجود شهود من السماء ” النبيين ” ومن الأرض ” التلاميذ ” . كذلك نجد أكتمال العدد ثلاثة بحضور ( موسى وأيليا والمسيح ) هؤلاء الثلاثة يمثلون ثلاث عهود أيضاً (الشريعة – الأنبياء – النعمة ) ، والمضال المزمع نصبها ثلاثة ، والتلاميذ أيضاً ثلاثة لكي يشهدوا مشاهدين وشهود عيان لعظمة يسوع المتجلي على الجبل المقدس .

على الجبل ( أشع وجهه كالشمس ، وتلألأت ثيابه كالنور ) هنا تم أكتشاف الغير المنظور في المسيح من خلال جسده المنظور ، كذلك تجلى الروح القدس على شكل غمام ، أما في العنصرة فتجلى على شكل ألسنة كأنها من نار ، كعلامة منظورة ، وكذلك سماعهم لصوت ريح شديدة كعلامة مسموعة . أما الآب فتجلى بشكل محسوس بالصوت المسوع من قبل التلاميذ عندما قال ( هذا هو أبني الحبيب ، فله اسمعوا ) .

تجلى يسوع على شكل نور ، لأنه نور من نور ، والنور لم يأتي إلى يسوع من الخارج ، كما أتى لموسى من الله فصار وجهه يضىء عندما رآه الشعب . نور المسيح برز من داخل أعماقه ، أي من ذاته ، فوجهه لم يضاء كموسى فقط ، بل كان يشع ، وحتى ثيابه تلألأت ، أي أن نور المسيح خاص ، ووجهه عكس حقيقة مجده الخاص ، وليس مجد الله فحسب كموسى ( طالع 2 قور 13:3 ) .

على الجبل جدد يسوع صورة الجمال الأرضي بالجمال السماوي . نحن المؤمنين به مدعوين إلى أن نعكس صورة مجد يسوع بوجوهنا وسيرتنا وطهارتنا أمام العالم . فإذا كان المسيح الأنسان هو المرآة التي فيها شاهدنا المجد الألهي ، هكذا يجب أن نكون نحن ايضاً المرآة التي تعكس صورة المسيح الحقيقية للعالم ، فلا يجوز أن نشّوه صورة المسيح في سيرتنا فنصبح كأبناء هذا العالم ، بل أن نتجلى أمامهم بصورتنا المسيحية الحقيقة ، قال الرسول ( ولا تشاكلوا هذا الدهر ، بل تغيّروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم ، لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة ) ” رو 2:1″

الأنسان هو صورة الله ، والله خلقه على صورته ، فالخليقة كلها تنظر مشاهدة صورة تجلي أبناء الله الحقيقية ” روم 19:8″ .

في الأزمنة الأخيرة يجب أن نتغيّر لنظهر صورتنا الكاملة بقوة المسيح كما تغيرت صورته على الجبل ، وهذا ما قاله الرسول بولس فكتب ( الذي سيتغيّر هيئة جسدنا الوضيع فيجعله على صورة جسده المجيد ) ” فيل 21:3″ .

في الختام نتأمل بالروح وكأننا على جبل التجلي مع الرسل ونحن نشاهد وجه يسوع المشع وثيابه البضاء المتلألأة لكي تنغرس فينا الوقائع التي حدثت هناك عندما التقى السماويين مع الأرضيين ، وعندما ننزل بأفكارنا من الجبل المقدس ، نطالع كلمات الرسول بطرس الذي شاهد وسمع وشهد للتجلي ، فيقول لنا في رسالته الثانية 1: 16-19

( وقد أطلعناكم على قدرة ربنا يسوع المسيح وعلى مجيئه ، ولم يكن ذلك منا أتباعاً لخرافات مصطنعة ، بل لأننا عاينا جلاله . فقد نال من الله ابيه إكراماً ، إذ جاءه من المجد صوت يقول : ( هذا هو أبني الحبيب عنه رضيت ) وذاك الصوت قد سمعناه آتياً من السماء ، إذ كنا معه على الجبل المقدس ) .

 

­­­

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!