مقالات دينية

تحدي يسوع للشيطان في التجارب الثلاثة

الكاتب: وردا اسحاق

 

تحدي يسوع للشيطان في التجارب الثلاثة

بقلم / وردا أسحاق قلّو

بعد عماد يسوع على نهر الأردن على يد يوحنا المعمدان أقتاده الروح إلى البرية أربعين يوماً ، وأبليس يجربهُ . جَرَبَهُ بالتجارب الثلاثة ، وفي تلك الأيام تبرز الفضائل الثلاثة في يسوع الأنسان وهي ( الفقر والتجرد والتواضع ) .

في البرية يوجد مقام التوحد والتصوف والأعتكاف والأختلاء والصمت . أنه مكان التعبد والتأمل بالله بعيدين من ضجيج العالم ، والأنفراد مع الخالق من أجل أمتحان الذات وتطهير النفس قبل الدخول إلى مرحلة جديدة في الحياة كما فعل موسى وشعبه في أرض سيناء أربعين سنة قبل دخولهم أرض الميعاد . وكذلك الأنبياء العظام كأيليا ويوحنا المعمدان والكثير من الأنبياء القديسين والنسلك ، وهناك تعرضوا لتجارب الشيطان العنيفة ، لكنهم صمدوا لمعرفتهم بأن الصحراء هو الطريق المؤدي إلى الأيمان الصافي والرجاء الخالص ، والصحراء ما هو الطريق السري المؤدي إلى القداسة ، فمن تحدوه محبة المخلص يمعن في الصحراء ، وهناك يتشبث بحياة الأيمان .

الشيطان المجرب هو ملاك ساقط له القدرة في قراءة ما في قلب الأنسان ، كما يدرك نواياه وفهم طرقه وإيمانه ، بل يقرأ ما في فكره فيبادر في رسم خطته لأيقاع الأنسان في تجربةٍ ذكية رسمها له متظاهراً له بالمحبة المحشوة بالخبث والحسد والعداء ، فيستخدم كل قدراته لأسقاط الخصم . فخطته الأولى للأنسان في جنة عدن بدأت بظهوره على صورة حية لكي يحاور حواء فأقنعها بحواره متظاهراً بأنه يريد خدمتها ، ويريد أن يصل بها إلى مستقبل أفضل ، فنال منها ومن بعلها .

غاية المجرب من تجربة الأنسان هي أسقاطه ودعوته إلى الأنضواء تحت راية معسكره البعيد عن الله ، وهكذا أراد أن يتحدى آدم الجديد يسوع المسيح ، فحدد له الوقت المناسب لأيقاعه ، الوقت الذي جاع فيه يسوع في نهاية صومه الأربعيني ، أعد له ثلاث تجارب في البرية  ، فبدأت المعركة بين قادة جيشين عظيمين ، قائد معسكر الخير وقائد معسكرالشر . كانت المجابهة وجهاً لوجه في أرض المعركة وبكل حرية . الله الآب سمح للشيطان أن يجرب أبنه الوحيد . أما غاية الشيطان المتمرد فكانت أفساد خطة الله لخلاص البشر بأبنه المتجسد ، فأعتزال يسوع عن العالم في تلك البرية ، هو أولاً لكي يتمهد للدخول في مرحلة حياتية جديدة ، وهي الدخول في مرحلة أعلان البشرى وأعلان ملكوت الله للعالم ، ومن ثم التضحية على الصليب . ففي البرية دخل يسوع في صومٍ وصلاة وزهد وصمت وكأنه ترك العالم كالناسك لكي يبقى منفرداً مع الله . كان يسوع في تلك الأيام في صراع مستمر مع قوى الشر. وهو صراع البشرية بقيادته ضد قواد الظلمة . وعلينا نحن أيضاً أن نستعد لخوض مثل تلك المعارك الروحية مع عدو الخير . فكل مؤمن عليه أن يتوقع من الشرير تجارب يومية متنوعة وكما فعل مع سيده الذي انتصر على المجرب في حياته الأرضية ، ليس في التجارب الثلاثة فحسب ، بل في كل حياته  .

بدأت التجارب الثلاثة في البرية :

التجربة الأولى : تجربة التحدي ، فقال ليسوع ( إن كنت إبن الله ، فمر أن تصير هذه الحجارة أرغفة . ) ” لو 3:4″  ، وبعدها يبدو الشيطان مكترثاً بسبب جوع يسوع ، فطلب منه تحويل الحجر إلى خبز ليأكل متظاهراً بأنه لا يريد أن يكون جائعاً وهو إبن الله والقادر على القيام بهذه المعجزة . علينا أن نفهم خطط المجرب في حياتنا اليومية وفي مجتمعنا الأستهلاكي الباحث عن المزيد من المنافع من أجل أمتلاك المزيد ، بينما الأنجيل يعلمنا حياة الفقر ، ويسوع علمنا أن نصلي ونقول ( أعطنا خبز الكفاف ) .

كان رد يسوع للشيطان ( ليس بالخبز يحيا الأنسان ، بل بكل كلمةٍ تخرج من فم الله ) فالغذاء الأول المطلوب هو غذاء الروح بالعمل بمشيئة الله ووصاياه ، وبكلمته المدونة في الأنجيل ، والتجرد من متطلبات الجسد والأكتفاء بخبز الكفاف . أي أن الأنسان يحتاج إلى خبز الروح قبل خبز الجسد ، فعلينا أن نسأل الله عن خبز الروح أولاً لهذا علّمنا يسوع قائلاً ( أطلبوا البر أولاً والباقي يزاد لكم ) .

التجربة الثانية : أعد الأبليس خطة أشد حذقاً وخطورة ودقة من الأولى ، عندما أخذ يسوع وأوقفه على حافة سطح الهيكل العالي ، وقال له ( إن كنت إبن الله فألق بنفسك إلى الأسفل ، لأنه قد كتب ، يوصي ملائكته بك ، فيحملونك على أيديهم …) فجاء رد يسوع له بآية أيضاً ، فقال ( مكتوب أيضاً ، لا تجربنّ الرب إلهك ) . مت 4: 6-7″ .

هذه التجربة خاصة بحب الظهور ، والبحث عن الشهرة والقدرة على الإغراء بكل الوسائل وبأي ثمن . الغريب في هذه التجربة هو كلاماً مدعوماً بآية من الكتاب المقدس . غايته دفع المسيح إلى الكبرياء عندما يرمي بنفسه من الهيكل أمام الناس والملائكة تحمله قبل وصوله إلى الأرض فيزيد شأنه أمام الناظرين ، أي يقود يسوع إلى طريق آخر عكس الطريق الذي سار فيه منذ ولادته في المذود وبكل تواضع لكي يعلمنا الأتضاع . ولهذا الأسلوب يقود الأبليس الكثيرين إلى هذا الفريق لكي يجردهم من حياة الفقر والتواضع ومن أجل الشهرة وأبراز النفس وأستعراض القدرات أمام الآخرين لكي يبتعدوا عن خط الأيمان القويم الذي يدعوهم  إلى التواضع .

التجربة الثالثة : قاد الأبليس يسوع إلى قمة جبل عالي جداً لكي يغريه بممالك العالم وعظمتها ، فقال ( أعطيك هذه كلها إن جثوت لي ساجداً) ، كان جواب يسوع له من الكتاب أيضاً فقال ( إذهب ، يا شيطان ! فإنه مكتوب : للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد ) ” مت 4: 10-11″ .هكذا يجب أن نأمر المجرب بمغادرتنا بعدم الأصغاء إلى أغرائاته . بهذه الطريقة يقود الكثيرين إلى السقوط وينتصر عليهم بالخداع بأقناعهم بحياة أفضل وبالطموح إلى السلطة الزمنية للسيطرة على الآخرين وعلى أموالهم ، وهذا هو نوع من العبادة والسجود للأصنام المصطنعة التي يفضلن الكثيرين عبادتها ، أي عبادة الشيطان وأغرائاته .

نختصر أغرائات الأبليس من التجارب الثلاث ، بما يلي :

1-   حب التملك وحب المال والعالم.

2-   حب الظهور ، أو المجد الزمني والشهرة وتكريم العالم.

3-   حب السلطة والسيطرة على الآخرين بالقوة ، ورفع الذات بالكبرياء ، وبهذا يقود الأنسان إلى نكران الحب من أجل الأنانية وحب الذات .

الأنسان مدعو إلى أن يعبد الله ، لا لأن يُعبد ويكرِم من قبل الناس ، فهو مدعو إلى التواضع لكي يواجه كل حيّل الشيطان . يجب أن نصارع ميولنا في الطمع بممتلكات هذا العالم لأنها تحيدنا عن رسالتنا الأنجيلية ، لهذا تحتاج غلى ثقافة إيمانية . بعد أن ننظر إلى غاية التجربة علينا أن نميزها لكي نتحداها بقوة إن كانت لا تتفق مع مبادئنا المسيحية .

ختاماً نقول : لنسأل الرب لكي يعطينا النِعُم الكافية لكي نعيش لأقوياء في التواضع إزاء التجارب لكي نبقى أوفياء لوصايا الرب لنا ، ولكي لا ننكره في التجارب كما فعل بطرس ، بل أن نتحدى التجربة مهما كانت بقوة أيماننا وننتصر عليها كما أنتصر يسوع على كل تجارب الأبليس وقاومه في حياته فحرر أجساد كثيرة من البشر من الأرواح الشريرة التي كانت تسكنها . أما خاتمة أنتصار يسوع على الأبليس فكانت على الصليب ، هناك كان التحدي والصراع القوي والأخير ، طلب من يسوع لكي ينزل من الصليب ، ليس حباً به بل لكي لا تكمل خطة الخلاص ، صمد يسوع حتى الموت وبموته قضى على كل خطط الشيطان التي أعلنها بقيامته وأنتصاره حتى على الموت ، وبهذا أنتهت سلطة سيد هذا العالم وحسب الآية ( يطرد سيد العالم إلى الخارج ) ” يو 31:12 ” والصراع سيستمر مع نسل المرأة (رؤ 11:12″ لأن العدو لا يمل بل يستمر في الصراع وإن كانت هزيمته مثبتة مسبقاً بحسب قول الرب لتلاميذه :

( ثقوا أنا غلبت العالم )

 

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!