مقالات دينية

بالقيامة أدرك التلاميذ لاهوت المسيح وتعليمه

الكاتب: وردااسحاق
بالقيامة أدرك التلاميذ لاهوت المسيح وتعليمه

 
   القيامة هي خاتمة رسالة المسيح . بعد موت يسوع على الصليب أنفصلت نفسه الإنسانية الطاهرة عن جسده الأنساني . أما اللاهوت فظل متحداً بهما ، أي بالنفس وبالجسد الذي سجي في القبر .
النفس هي التي نزلت الى الهاوية فحررت المسبيين هناك لكي ينطلقوا الى الفردوس التي كانت مغلقة بوجه الأنسان منذ سقطته الأولى .
بالقيامة من الأموات أبطل الرب سلطان الموت وأنار الحياة . كما استطاع وهو بعد على الصليب أن يقيم أجساد الكثير من القديسين الراقدين ” مت 52:27 ” الذين لم يجرؤا أن يظهرو للناس قبل أن تعلن قيامة بكرهم المسيح ، لهذا صارت قيامة المسيح قيامة البشرية المؤمنة من موت الخطيئة ، ومن موت الجسد ، وكذلك من أنفصال الروح عن الله ومن الهوان والمذلة للشيطان ، كما وعد الرب بقوله ( أنا حي وأنتم ستحيون ) ” يو 9:1 ” . وهكذا سحقت الخطيئة بقيامة المسيح والتي أثبتت بره الذاتي واللانهائي ، ولاهوته الغير محدود . فيه تبرر الأنسان مجاناً بنعمته وفدائه ” رو 24:3 ” والقيامة أثبتت آلوهية المسيح . في وقت ناسوته كانت تظهر صفات الناسوت كأنسان كامل مثل النوم والنعاس والتعب والجوع والعطش ، وكل هذه كانت تؤكد حقيقة ناسوته . أما بقيامته بالجسد النوراني الممجد وبقدرته الذاتية والأزلية أثبت آلوهيته . كل هذه الحقائق كانت مبهمة ومخفية لدى التلاميذ علماً بأن المسيح كان يتكلم بوضوح في الأسبوع الأخير ، أي أسبوع الآلام الذي خصص الرسول يوحنا الحبيب عشرة أصحاحات لتناوله وتغطية أحداثه المهمة . كما سرد باقي الأنجيليين الكثير عن تفاصيل أحداث الأسبوع المقدس . لكن تلاميذ المسيح ( وهنا المقصود الرسل والتلاميذ جميعاً ) لم يدركوا شيئاً مما كان يتحدث به الرب عن ساعته . لهذا نتفاجأ بعبارة ( لم يفهموا ) عندما نقرأ الأناجيل رغم وضوح كلام المسيح لهم في أيامه الأخيرة ، علماً بأنه كان يعلم بأنهم لم يفهموا كلامه ! لكنه لم يهتم في حينها الى ما بعد القيامة . لهذا قيل ( وأما هم فلم يفهموا من ذلك شيئاً وكان هذا الأمر مخفي عنهم ، ولم يعلموا ما قيل ) ” لو 34:18 ” أما مرقس فكتب عنه قائلاً ( وأما هم فلم يفهموا القول ، وخافوا أن يسألوه ) ” 32:9 ” وذلك عندما تكلم عن موته وقيامته . ( وأما هم فلم يفهموا هذا القول ، وكان مخفى عنهم لكي لا يفهموه ، وخافوا أن يسألوه عن هذا القول ) ” لو 45:9 ” وهكذا عَبّرَ يوحنا عن هذا قائلاً ( وأما هم فلم يفهموا ما هو الذي كان يكلمهم به ) : 6:10 ” .
  أمور كثيرة لم يفهمها التلاميذ عندما كان الرب يتحدث اليهم . ولكن بعد القيامة فهموا جميعاً واقتنعوا بكل ما قاله الرب لهم ( وهذه الأمور لم يفهمها التلاميذ  أولاً ، ولكن لما تمجد يسوع ، حينئذ تذكروا أن هذه كانت مكتوبة عنه ، وأنهم صنعوا هذه له ) ” يو 16:12″ .
  إن عدم فهم التلاميذ وجميع البشر والغموض كان يكتنف التدبير الألهي منذ سقوط آدم وحتى قيام المسيح من بين الأموات . لهذا نجد بأن المسيح كان يتكلم كثيراً بالرموز والأمثال ، لهذا لم يفهم منه فكر الله ومقاصده . وكذلك لم تُفهم نبوءات وكلام الآباء عن الله ، ولم يصل الى عمق هدفها أحد ، لهذا قال يسوع ( أيها الآب البار ، أن العالم لم يعرفك ، أما أنا فعرفتُك ، وهؤلاء عرفوا أنك أنت أرسلتني . وعَرَفتَهُم أسمك وسأعرفهم ، ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به ، وأكون أنا فيهم ) ” يو 17 : 25-26 ” .
   كان الرب يسوع يتكلم برموز وأمثال لكي لا يفهمه العالم ي حينها . لهذا تقدم التلاميذ اليه ، وقالوا ( لماذا تكلمهم بالأمثال ؟ فأجاب وقال لهم : لأنه قد أعطي لكم أن تعرفوا أسرار ملكوت السماوات وأما لأولئك فلم يعطى لهم ذلك ) ” مت 10:13 ” .
في الأسبوع الأخير زاد يسوع غموضاً أيضاً فلم يعطي الفرصة حتى لتلاميذه أن يسألوه . وهو لم يبادر بالشرح . فكانت حالة اللافهم لقصد الله قد عاشها الناس جميعاً قبل الفداء .
أراد يسوع أن يلامسهم ملامسة كثيفة مع حالتهم البشرية الساقطة والجاهلة التي تحتاج الى نور إعلانه المقدس بالقيامة لكي يفهموا قصد الله وتدبيراته . ولعل هذا الغموض أيضاً كان تدبيراً ألهياً لكي لا يتعطل زمن تدبير الصليب المقدس في أوانه . كما قيل ( .. حكمة لم يعرفها أحد من رؤساء هذا العالم . فلو عَرَفوها ، لما صلبوا رب المجد ! .. ) ” 1 قو 2: 8-9  ” . وكذلك لكي يعيشوا ويتخبطوا في ظلام الفكر. فعدم المعرفة تسبق أنبعاث نور القيامة ليتضح مجد وبهاء القيامة الممجدة . فنلاحظ بعد القيامة قيل ( حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب ) ” لو 45: 24 ” .
  لقد أعطى الرب الفرصة لتلاميذي عمواس للشرح بعد القيامة ، فقال لهم ( أما كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل الى مجده ؟ ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب ) ” لو 24: 44-48 ” . لقد نقلهم من وضع اليأس والحيرة التي عبروا عنها بالآية ( ونحن كنا نرجوا أنه هو المزمع أن يفدي أسرائل .. ) ” لو 24: 21 ” الى وضع الأيمان بلاهوته لكي يعترفوا به ، وهكذا فعلوا فاعترفوا على فاه توما الرسول ( ربي وألهي ) ودون أن يلمس الجروح ” يو 28:20 ” .
 أخيراً نقول ، لقد ادرك التلاميذ لاهوت المسيح بقيامته ، كما قال الرسول بولس ( ومن ناحية روح القداسة ، تبين بقوةٍ أنه ابن الله بالقيامة من بين الأموات . أنه يسوع المسيح ربنا ) ” رو 4:1 ”   لم يكن من الممكن أن يكون هذا الأمر واضحاً قبل القيامة . وهذا هو سر الغموض الذي اكتنف أحاديث وأعمال المسيح في الأسبوع الأخير .
   وهكذا اليوم كل البشرية الغيرالمؤمنة بالمسيح تعيش ظلام الجهل وعدم المعرفة لعدم الأيمان والأعتراف بلاهوت المسيح ، ولعدم أيمانهم بموته وقيامته فيعيشون كما عاش رسل المسيح قبل صلبه ، لأن الأيمان هو سر الفهم ، لهذا قيل ( بالأيمان نفهم ) ” عب 3:11″ لأنه فعلاً هو سرالأستنارة الذهنية والفكرية .
ولربنا المنتصر على الموت بقيامته ، المجد دائما
بقلم
وردا أسحاق عيسى
وندزر – كندا ..

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!