مقالات دينية

النور المقدس – متى ظهر النور لأول مرة؟

الكاتب: مشرف المنتدى الديني

 

النور المقدس – متى ظهر النور لأول مرة؟

أعداد/ جورج حنا شكرو

المرّة الأول لظهور النور كانت في القبر عند قيامة يسوع نفسه. يقول لنا الإنجيلي لوقا أن النسوة حاملات الطيب أتين إلى القبر سحراً جداً (ظلمة)، وقد رأين الحجر مدحرجاً وشاهدن ملاكين لامعين داخل القبر… (لوقا 24، 5-6).
أما يوحنا الإنجيلي فيذكر أن بطرس ويوحنا مع مريم المجدلية أتوا إلى القبر “الأحد صباحاً باكراً وكان ما يزال ظلام …” (يوحنا 20، 1-7).
وهنا لا بدّ لنا من التعَّجب كيف استطاع بطرس ويوحنا ومريم المجدلية والنسوة الحاملات الطيب رؤية داخل القبر (مغارة) والظلام مخيمٌ في الخارج لولا النور الإلهي الصادر من القبر نفسه!
وقد أكدَّ على ذلك القديس الكبير غريغوريوس النيصصي قائلاً: “الذي كانوا مع بطرس شاهدوا وآمنوا…لأن القبر كان ممتلأً نوراً، لأنه و لو كان ليلاً فهم نظروا داخل القبر بطريقة حسّية و بطريقة روحية معا [12].
و يؤكدّ كذلك القديس الكبير يوحنا الدمشقي هذا الأمر قائلاً: “وصل بطرس مسرعاً الى القبر، فنظر و رأى نوراً داخل القبر فانذهل” [13] .
يشدّد القديسّان أن نور القبر المقدس هو نور إلهي غير مخلوق! حتى اليوم، النور الذي يضيء قبر المسيح هو نور الألوهة غير المخلوق، الذي يضيء الكنيسة وقنديل الزيت، ثم يتحول إلى مخلوق عندما تضاء الشموع، وقد يشهد كثيرين كيف أن هذا النور يعطي سلاماً ودموعاً لا يمكن وصفهما وكيف أنه لا يحرق الوجه واليدان!
يقول الدمشقي“وهذا اليوم المشرق و الممتليء نوراً، يوم الأحد المقدس، الذي فيه يشّع النور غير المخلوق من القبر، كعروس جميلة مشعّةً من جمال القيامة”.

حفريات
الحفريات في منطقة أورشليم أوجدت قناديل من طين Ceramic تعود إلى القرون الأولى، قرب مكان القبر مكتوب عليها “نور المسيح يضيء للجميع” (التعبير ذاته يعلنه الأسقف في قداس السابق تقديسه حتى اليوم). وقد وجدتها الباحثة الألمانية جودي ماغنيس Jodi Magness سنة ١٩٨٨م[15]. وقد أشارت ماغنيس أنه كان على الأغلب يسطع نورٌ من الردميات فوق القبر، فيضيء قناديل المسيحيين في أورشليم! وقد أكدّ على ذلك العالم الفرنسي شارل كليرمون Charles Clermont قبلها في القرن التاسع عشر.

محاولات مسلمة للطعن بالنور
الفيلسوف والعالم الفارسي المسلم ابن البيروني يذكر إستشهاداً سنة ١٠٠٠م مشابهاً لإبن القصّ، ولكن يذكر تفصيلاً مهماً وهو أن بعض السلاطين المشككين وضعوا نحاساً بدل الفتيل في القنديل لئلاَّ يضاء القنديل ولكن ما حدث أن النحاس إتقدَ وإستضاءَ القنديل من النور عبر النحاس وأنار البطريرك والشعب والشمعات. وتفصيل آخر يذكره البيروني أن النور هو أبيض صافي[22].
سنة ١٠٢٧م وبينما كانت الكنيسة خراباً، تجمع المسيحيون فوق الركام وقد استطاعوا تجميع حجارة ليبنوا كنيسة القبر الصغيرة بدون سقف وحولهم المسلمين يرشقونهم بالحجارة وقد تجمع حولهم أيضاً جيش أورشليم المسلم حتى إذا لم تحصل عجيبة النور عندهم أمر بذبح كلّ المسيحيين! ولكن من خلال الركام، برز النور في كل مكان (السماء والقبر) وأشعل القناديل (كما العادة لرتبة النور)، حتى أن أصاب المسلمين هرعٌ وخوفٌ ولم يلمسوا شعرة من رؤوس المسيحيين [24]
في ٤ نيسان سنة ١١٩٢م، يوم سبت النور، أتى صلاح الدين مع قواده إلى كنيسة القيامة ليعاين قضية النور المقدس. وأمام أعينهم أُضيءَ المكان بالنور واشتعلت القناديل. فابتدأ المسيحيون بتعظيم الله “أيُّ إله عظيم مثل إلهنا…” وترتيل “يا رب ارحم”، بينما بهر المسلمون من الأمر بعجبٍ كبير. فأثار الشك صلاح الدين فأمر بأن يطفىء القنديل الرئيسي ولكن أضيء مجدداً من النور الإلهي. فأعاد صلاح الدين الكرة ثلاث مرات وفي كل مرّة كان نور القبر يضيئه مجدداً. وقد تعجّب صلاح الدين لهذا الأمر فأحس بعدم إيمانه وقال أن “هذا إشارة أنه إمّا سيموت قريباً أو سيخسر هذه المدينة”. وبالفعل فقد توفي في موسم صوم ١١٩٣م أي بعد سنة[29].

شهادة مسلمة (من شهادات كثيرة) للنور
يذكر المؤرخ العربي المسعودي سنة ٩٤٠م قائلاً “في كنيسة القيامة ببيت المقدس، وفي هذا العيد تجتمع النصارى من سائر الأرض وتنزل عندهم النار من السماء فتسرح هنالك الشمع ويجتمع فيه من المسلمين خلقٌ عظيم للنظر إلى هذا العيد ويقلع فيه ورق الزيتون… ولهذه النار سرٌّ عظيم…[20]

شهادة مسيحية أخيرة للنور
نتوقف أخيراً عند حدث علمي رافق ظهور النور بين ٢٠٠٥م و ٢٠٠٨م وهو ظهور دائرة ضوئية حول الشمس مشرقة بيضاء، تظهر الساعة الثامنة صباحاً وتختفي عند إشراق النور الإلهي، نور القبر المقدس في يوم السبت العظيم. واستطاع العلماء وحتى الناس رؤية هذه الدائرة بالعين المجردة ولم يجد لها تفسيراً مطلقاً[33].

خلاصة:
الكل يشهد أن النور بدء يوم القيامة ويستمرّ حتى اليوم ويحصل مع بطريرك الروم الأرثوذكس فقط! ورغم كل التشكيك بأمره فالنور ينبعث من القبر ويملأ كنيسة القيامة كل سبت نور عظيم. حتى عِلمياً ليس له تفسير سوى أنه يفوق الطبيعة!
هذا النور هو نور إلهي، غير مخلوق، نور قوة إلهية. هو نفسه النور الذي كشفه المسيح حين التجلي على جبل ثابور، نور “لامع أبيض اللون، ساطع، لا يحرق”. كما كان المسيح “ثيابه بيضاء لامعة”، حين التجلي.
لذلك نظّم القديس يوحنا الدمشقي[35] قانون القيامة مركزاً على أن ليلة القيامة هي ليلة منيرة، مضيئة والقبر مصدر النور، أي المسيح الناهض من القبر! ما أعجب هذه الليلة الخلاصية المتلألئة وأجلَّ نورها، إذ هي المشرقة في نهار القيامة المجيد…”
لذلك يدعونا الدمشقي “أن ننقّي حواسنا حتى نعاين المسيح ساطعاً كالبرق بنور القيامة الذي لا يُدنى منه…”.
هذا النور هو النور الذي دافع عنه أباءَنا القديسين، خصوصاً القديس غريغوريوس بالاماس، مشدّداً أنه نور الثالوث القدوس غير المخلوق، وهو نور القديسين الذي يشعّ فيهم خلال حياتهم على الأرض، و يشعّ في رفاتهم بعد رقادهم، و الذي سيشعّ فيه كل البشر (والخليقة أيضاً) يوم المجيء الثاني والقيامة الأخيرة.
هذا النور يرسله الله لنا في كلّ سنة الى قبر المسيح المقدس، شهادةً لقيامته المقدسة، التي بها خلّص البشر من سلطة الشيطان، ومن الموت وفساده.
إنّ حدث انبعاث النور من القبر المقدسّ هو ضمن التقليد الأرثوذكسي، وليس حدثاً قائماً بذاته منفصل عن تقليد الكنيسة. فرتبة نور القبر المقدسّ عبر العصور قد دخلت في صلب الِّليتورجية الأرثوذكسية الشرقية من جهّة، أمّا لاهوته فهو محور اللّاهوت الأرثوذكسي بامتياز من جهّة أخرى.

Image may contain: 1 person, fire, crowd, night and indoor

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!