مقالات دينية

المسيح صلب على صليب خشبي ولم يعلق على خشبة

وردا إسحاق     

 

 

المسيح صلب على صليب خشبي ولم يعلق على خشبة

بقلم / وردا إسحاق قلّو

الرب يسوع (  وضع نفسه وأطاع حتى الموت ، موت الصليب ) ” في 8:2 “

لو تصفحنا في سجلات التاريخ لقرأنا بأن الصليب أستخدم منذ القدم من قبل حضارات كثيرة كآلة تعذيب وأنتقام ضد المجرمين أو الأعداء فقد وجدت نقوش لصلبان على الصخور في الدول الأسكندنافية تعود إلى فترة العصر البرونزي ، كما أستخدم في بلاد النهرين كرمز للإله تموز ، وكذلك الحضارات المصرية والبوذية كانت تكرم الصليب ، وهكذا نجد الصليب في مخطوطات قمران أي الصليب موجود في حضارات كثيرة سبقت المسيحية ، وحتى اليهود تم صلب الكثير منهم قبل المسيح في أيام الأمبراطور الروماني ( كاليجولا )  قبل المسيح ببعض العقود ، وقد أكتشفت مقبرة قريبة من أورشليم ، وأحد ضحاياها وجدوا في قدميه مسماراً طوله 11سم ترك في قدمه بعد إنزاله من الصليب . يقال أن الرومان أخذوا الصليب كأداة تعذيب عن القرطاجيين في أفريقيا . لهذا  في أيام المسيح أستخدم الرومان الصليب لأنزال أقصى عقوبة على المستحقين عقوبة الموت. فهل أخذ الرومان تقاطع خشبتي الصليب من عند البابليين أو غيرهم ؟ كتب شيشرون نقلاً عن مؤرخ روماني بأن الصليب يعد أقسى طرق التعذيب والموت عند الرومان ، فبعد جلد المحكوم بقسوة كان يُثبت جسده على الصليب بمسامير في اليدين والرجلين ويعطى خلاً ليسكر وذلك لكي يخفف عنه الآلام ، والمسيح مر بكل هذه المراحل ، لكنه رفض الخل الذي قدم له لكي يشعر بألامه ويتحملها كإنسان كامل إلى أن سلّمَ روحه إلى الآب . فكل المسيحيين يؤمنون بأن المسيح قد صلب على خشبة الصليب فأتخذو الصليب رمزاً وشعاراً للمسيحية ، ومنذ ألفي سنة من تاريخ الكنيسة لم تعرتض أي طائفة مسيحية على الصليب ، وحتى شهود يهوه لم يكن الإيمان بعقيدة الصليب ممنوعاً لديهم في عهد مؤسسهم راسل أو خليفته رذرفورد إلا بعد مؤتمر الحركة سنة 1931 وفي تلك السنة أطلقوا على حركتهم ( شهود يهوه ) ومن المضحك ما ورد في كتابهم السنوي لعام 1979 حيث نقرأ فيه : ( لا على صليب ، بل على خشبة عمودية : هكذا مات المسيح ) وبعد بضع سنوات عرف شعب يهوه لأول مرة شيئاً عن موت المسيح وذلك بعد أكثر من 1900 سنة على ق*ت*له على الجلجلة . في 31 يناير سنة 1936 قدم رذرفورد كتاباً جديداً قال في ص 27 ( المسيح مات وقد علّق جسده على شجرة ) .

نقول ، إن دل هذا الأقتراح الغريب فأنه يدل على غباوة شعب يهوه الذي حتى تلك السنة ومن دون كل الشعب المسيحي أكتشف بأن المسيح لم يمت على الصليب ، فهل كان الشعب المسيحي غبياً كل هذه الفترة ؟ هل الحفريات والوثائق القديمة العائدة إلى القرن الأول في الأراضي المقدسة وإيطاليا وغيرها تثبت الصليب وكما نعرفه اليوم ، كذلك الآثار التي نجدها في المتحف القومي في روما تمثل الصليب كما نعرفه . والآثار المسيحية في جرش تشهد على شكل الصليب ، وفي داخل الصليب المنقوش على الصخر حرفان من اللغة اليونانية هم الألفا والأوميغا وهما يرمزان إلى الرب الذي قال ( أنا الألفا ( الألف ) والأوميغا ( والياء ) ” رؤ 1:8) . علماً بأن آيات كثيرة تتحدث عن صلب المسيح ، كما ورد كلمة الصليب 28 مرة في العهد الجديد . ومن هذه الآيات ( إنا نعلم أن إنساننا العتيق قد صلب مع المسيح لكي يتلف جسم الخطيئة لئلا نعود نستعبد للخطيئة ، لأن الذي مات قد تبرأ من الخطيئة .. ) ” رو 6: 6-8″  فهذه الآية تقول ان المسيح صلِبَ حقاً ومات حقاً . إذاً على الصليب الحقيقي مات المسيح لا مجازاً ولا معنوياً ، وبغير الصليب الحقيقي ما كان إنساننا القديم ليموت ، وما كنا لنتحرر من الخطيئة إلا بدمه المهراق على الصليب . فدم المسيح وصليبه حقيقيان مادّيان ، ولا شك في ذلك . عن طريقهما تم شىء معنوي حقيقي هو أن المسيح بدم صليبه صالحَ ما في الأرض وما في السماء . أما النصوص الواضحة في الأناجيل عن الصليب فنقرأ أية قالها الرب يسوع عن الصليب ( من أراد أن يتبعني ، فليحمل صليبه ويتبعني ) ” مت 24:16 ” كذلك ” طالع مر 34:8 و لو 23:9″ . كذلك ( من لا يحمل صليبه ، ليس أهلاً لي ” أو ” لا يستطيه أن يكون لي تلميذاً ) وهذه النصوص وغيرها منطلقة من ” صليب ربنا يسوع المسيح ” المعروف ” الصليب ” بصيغة المطلق ، والعبارة تشير بدون شك إلى الصليب الخشبي الذي أصبح بآلام السيّد الفادي رمزاً للخلاص وسلماً للمجد ، لذا يجدر بالمسيحي كامل الإيمان ان يتخلى عن الصليب الخشبي ، وهو صليب الرب بالمعنى الحقيقي . ومن هذه المعطيات ، نهتف نحن معشر المسيحيين إننا ، بالمعنى السامي ” صليبيون ” أي حاملو صليب وأتباع المسيح المصلوب الذي أوصانا أن نحمل صلباننا ونتبعه

 

 تمثال في متحف اللوفر يعود تاريخه الى اكثر من قرن قبل الميلاد

أما شكل الصليب الذي نفتخر به والذي صلب عليه المسيح ، فيتكون من تقاطع خشبتين ، الواحدة عمودية والتي كانت تنقل إلى مكان الصلب ، أما الأفقية فكان على المحكوم عليه أن يحملها إلى مكان الصلب واسمها باللاتينية ” باتيبولوم ” . وكانت العمودية تجتاز برأسها العارضة الأفقية عادة بشكل + حتى يسهل وضع اليافطة التي تحمل إعلان علّة المصلوب ليتمكن من قرائتها الناس ، وكما نلاحظ في الصلبان التي نرفعها في كنائسنا ، وقد جاء في أنجيل يوحنا ، قال ( وكتب بيلاطس عنواناً ووضعه على الصليب ، وكان المكتوب فيه : يسوع الناصريّ ملك اليهود . وهذا العنوان قرأه كثير من اليهود ) ” يو 19:19 ” . فشكل الصليب كان كحرف ( تي ) بالأنكليزية ، مع بروز رأس كمكان مناسب لتعليق الإعلان .

الصليب هو موضع الحب الإلهي لنا . وعليه أظهر الله عملياً قمة محبته للبشر ، فبذل أبنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به ، بل تكون له الحياة الأبدية ” يو 16:3″ . فمعنى الصليب الروحي هو كل عمل الفداء الذي أكمله الرب على الصليب . الرسول بولس لم يعزم أن يعرف شيئاً إلا المسيح مسمراً ( وليس معلقاً ) على صليب العار ( وليس على شجرة ) لكي يهبنا حياة المجد والفخار ( 1 قور 2:2 ) .

كما يقول بولس ( كلمة الصليب ” وليس الخشبة أو الشجرة ” عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله ) فإن كانت كلمة الصليب عند اليهود وشهود يهوه جهالة ، فعندنا نحن المسيحيين هي قوة وإفتخار ونكرز بالمسيح المصلوب لا بالمسيح المعلق على شجرة كما يؤمن به كل منتمي إلى ببدعة شهود يهوه الذين يدعون بأن المسيح لم يصلب ، بل علق على شجرة ، أو على خشبة .

ردنا على هذه البدعة الشاذة عن كل المذاهب المسيحية ، نُجيب : عندما نقول نحن معشر المسيح ” اليوم عاق على خشبة ” فلا نعني بها أن المسيح علق على شجرة ، فالخشب هنا أسم المادة ، أي أن المسيح علق مصلوباً على صليب من خشب لا على صليب من حديد أو حجر ، فمثلا يقولون الجيش دخل المدينة بالحديد والنار ، والمقصود إنه دخلها بأسلحة مصنوعة من حديد ، هكذا الصليب كان مصنوعاً من مادة الخشب . فصليب ربنا يسوع كان حقيقياً مصنوع من خشب ، وللصليب معاني لاهوتية كثيرة ومهمة للإيماننا المسيحي .

تلجأ جماعة شهود يهوه إلى تبديل معنى الآيات التي تتحدث صراحة عن الصليب ، كالآية ( أما أنا فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح ) ” غل 14:6 ”  يفسرون هذه الآية بتبديل المعنى وذلك بجعل الصليب الذي يقصده بولس الرسول معنوي وليس حقيقي ، فالرسول يتابع بقوله بأنه هو بولس كان مصلوباً للعالم وكان العالم له مصلوباً ، والأكيد أن بولس لم يصلب كما أن العالم لن يصلب . لكن صليب المسيح لم يكن معنوياً ، بل حقيقياً وعليه نزف دمه الثمين ودفع ثمن خطايانا ، فالصليب الحقيقي تمت عليه أشياء معنوية ، وهذا لا يزيل حقيقته . مثال : الخاتم الذهبي إشارة إلى خطوبة أو زواج ، فعندما يعني هذا الخاتم المادي شيئاً معنوياً هل يفقد ماديته ؟ الجواب ، لا . نستنتج إذاً ما يلي : بغير صليب المسيح الحقيقي ما كان بولس ليصلب معنوياً للعالم ولا العالم ليصلب لبولس . تضحية المسيح كانت على الصليب بشكل عملي وحقيقي ، لأن لا تضحية بشكل مجازي أو معنوي .

نفتخر بالصليب ، بصيغة المطلق ، أي صليب يسوع وه تقاطع خشبتين عليه صلب الرب ففدانا وصالح العالم مع الطبيعة الإلهية بدم صليبه البشري ، لذا نرسم إشارة الصليب ونحمل الصليب رمزاً وشعاراً ، وما كان ” صليب الرب ” سوى صليب من خشب ، الذي هو موضع أفتخارنا . لكن شهود يهوه يحاولون تجريد الصليب من معانيه وقوته ليجعلوه أداة محتقرة متجاهلين أن الصليب عند المسيح هو المجد بذاته ، قال ( قد أقتربت ساعة تمجيد إبن الإنسان ) ” يو 23:12″ .

في مقال آخر سنتناول الآيات التي حرفها شهود يهوه في كتابهم ( العالم الجديد ) فترجموا لفظة ” الصليب ” إلى ” خشبة ” وكلمة ” صُلِبَ ” إلى ” عُلِقَ ” من أجل ضرب  المسيحية والطعن بصليب المسيح وبعمل الصليب الكفاري .

نشكر الرب يسوع قائلين ( بصليبك المقدس خلصت العالم ) .

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!