مقالات سياسية

المسيحون العراقيون (14)

الكاتب: عبدالله النوفلي
المسيحيون العراقيون
الواقع وآفاق المستقبل في العراق (14)
شعبنا توزع في جميع أصقاع الأرض، ونتيجة ذلك تعلم عادات الشعوب الذي يعيش معها سواء الموجب منها أو السلبي، فنجد أو نقرأ باستمرار أخبارا طيبة أحيانا تفرحنا وأخرى سيئة تزعجنا.
ومؤخرا نُشرت تفاصيل لعصابات منظمة في الولايات المتحدة الأمريكية كان فيها لأبناء شعبنا حصة الأسد، وكذلك في ضاحية فيرفيلد بسدني باستراليا، ونقرأ في الأمثال: مَن عاشر قوما أربعين يوما صار واحداً منهم، وهكذا في دولة مثل الولايات المتحدة حيث يمكنك شراء السلاح بأبسط الطرق ولا يحتاج ذلك إلى تعقيدات أدارية أو أمنية محددة، وحيث تنتشر العصابات فقد تعلم أبناء شعبنا منهم هذه الخصلة السيئة، فلم نعد نتكلم بأن شعبنا يتميز بالطيبة والاخلاص والأمانة بصورة عامة على الأقل لمن أصبحوا خارج موطنهم (العراق) حيث لا تنطبق هناك قوانين وعادات العراق ونظام العائلة ورب البيت الذي يسيطر على كل شيء وبقوة خصوصا على بيته.
وعن ذلك كتبنا يوما ما مفاده: أن شعبنا خرج من موطنه كي ينجو بنفسه ويحافظ عليها من الار*ها*ب ويلجأ إلى أرض أمينة، وقلنا لهؤلاء أنكم حصلتم على الأمان لكنكم في بعض الحالات خسرتم أولادكم، وهذا ليس فقط في أمريكا لأن ذلك يحصل أيضا في دول أخرى وأيضا من أبناء شعبنا حيث نجد الشباب يقلدون قشور المدنية في دول المهجر فتجدهم يضعون الأقراط في آذانهم وهناك من يلون شعره بألوان غير طبيعية كالأصفر والبنفسجي والأحمر أو الأخضر …  وأيضا بسهولة تجد من يرسم على جسده رسوما (تاتو) وليس فقط في أماكن متفرقة من الجسم كاليدين أو البطن أو الظهر، حيث صادفت أحد شباب شعبنا حيث كان في رحلة بحرية للصيد ويبدو أن الشمس قد أحرقت ظهره وبطنه ويديه، فلم يعد قادرا على لبس الملابس عليها وجدته وقد غطت (التاتو) جميع أجزاء جسده من الظهر والبطن!!!!
هذا وغيره واقع في دول المهجر، وعندما نتناقش عن العادات والتقاليد يميل أبناء شعبنا في المهجر إلى أن يختلط أولادهم مع أقرانهم في تلك الدول ويندمجوا في البلاد الجديدة ولا يرون مشكلة لو انتهج أولادهم نهج أولاد تلك الدول حيث تحدُّ القوانين المحلية من سلطة الأب والأم وتعطي الحرية المطلقة والتي حدودها فقط هي عندما تبدأ التأثير سلبا على حرية الآخرين .
ونجد مما ينضح من أقلام كتابنا الأعزاء حيث أنهم يتناولون كل صغيرة وكبيرة خصوصا في الشأن القومي أي لشعبنا في موطنه، الذي يشبعوه بالكثير من الكتابات والجدالات والتي تكون في جانب منها باتجاه تهجم الواحد على الآخر ومحاولة النيل من هذا أو ذاك وأحيانا يتم نعت كاتب معين بألقاب وكلمات جارحة وصلت مؤخرا لاتهام البعض من الكتاب بالار*ها*ب أو الكفر!!! والكلميتن كبيرتين في المعنى والتي لا يمكن ألصاقهما بأي أحد هكذا جزافا دون دليل قاطع يثبت صحتها، ومن جهة الكفر فإن إيماننا المسيحي يعلمنا الكثير وليس سهلا أن نقول لأخينا الآخر أنه غير مؤمن، فنجد في الانجيل “واما انا فاقول لكم ان كل من يغضب على اخيه باطلا يكون مستوجب الحكم. ومن قال لاخيه رقا يكون مستوجب المجمع.ومن قال يا احمق يكون مستوجب نار جهنم.”(منى 22:5)، ومنهم من يتهم كاتبا معينا بأنه ينتمي لإيمان غريب على إيمان شعبنا وعن هذا نقرأ في الانجيل: “واقول لكم ان كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع ابراهيم واسحق ويعقوب في ملكوت السموات” (متى 11:8)، ويُكمل بأنكم تًطرحون خارجا حيث البكاء وصرير الأسنان، وهنا نستطيع التأكيد بأن المسيح كان يقصد (بأنتم) من كان بمعيته حيث ينعتهم بلقب بنو الملكوت؛ ” واما بنو الملكوت فيطرحون الى الظلمة الخارجية.هناك يكون البكاء وصرير الاسنان. ” (متى12:9)، وأيضا نجد مثل الوزنات الخمسة والاثنتين والواحدة وكل من حملها وتاجر بها حاسبه رب العمل حسب وزناته، وبكل تأكيد لو كان من كان نصيبه وزنة واحدة قد تاجر بها وربح واحدة لكان أيضا قد باركه.
ومؤكدا ليس فيما نكتبه التساهل في موضوع الإيمان بالمخلّص يسوع المسيح ورسالته، لكن لا يعني هذا من يحاول دراسة فكر الآخرين وإيجاد نقاط التي نلتقي معهم فيها وتسليط الأنوار على تلك النقاط وإنارة العقول لأتباع ذلك الفكر فإنه بذلك يكون يؤدي عملا إيجابيا في الرسالة التي أوكل مضمونها المسيح لأتباعه عندما قال لهم: “فاذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس.” (متى 19:28)، وعمله هذا لا يعني أنه أصبح تابعا لفكر الغرباء أو جزءا من إيمانهم.
ولي في هذا تجربة شخصية استمرت لسنوات حيث شاركت في ندوات ومؤتمرات ولقاءات تلفزيونية وكذلك نقاشات جانبية كلها كانت تنصب باتجاه إيجاد أرضية مشتركة بيننا وبين المسلمين للتفاهم والعيش الآمن وفهم كل واحد الآخر أي إيجاد نقاط الالتقاء كي نتمكن من الحوار، واندفاعي باتجاه ذلك كان لأنني وجدت أبناء شعبي يتخوفون من النقاش بل يتهربون منه وهم يحملون كنزا ثمينا هو الكتاب المقدس، ولديهم فيه كلمة الحياة التي تستطيع أعطاء الجواب الشافي لكل سؤال محير، ونقرأ في الانجيل المقدس: “من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه انهار ماء حيّ.” (يوحنا 38:7)، وهكذا فإن غيرة بيت الرب يجب أن تأكل كل المؤمنين بالرب ويعملوا كي تجري من بطونهم أنهار ماء حي يروي ضمأ كل العطشى أينما كانوا ومن أي لون أو فكر أو إيمان، لأن هذا هو من صلب الرسالة الموكلة إلينا من رب المجد (يسوع المسيح).
وسأروي نتفا هنا من تفاصيل محاولاتي لشرح هاديء مع أخوتي المسلمين في العراق لا من أجل أن أزعزع إيمانهم لأنه لم يكن هذا هدفي مطلقا بل من أجل إيجاد النقاط التي أشرت إليها سابقا كي يكون عيشنا في العراق واضحا وسلسا وآمنا؛ فمرة في صيف 2010 جمعتنا الفرصة مع مجموعة خيرة من أبناء شعبنا العراقي من محافظة النجف وكانت بحدود (50) شخصا ذكورا وأناث طلاب جامعات ومسؤولين من مختلف الثقافات والمستويات العلمية وبضمنهم رجال دين وأعضاء في مجلس المحافظة، وكانت قاعة دير الشيخ متي مكانا لذلك وكان سيادة مطران الرعية حاضرا مع عدد من الرهبان والآباء الكهنة مع عدد من العلمانيين المسيحيين، وكان محور محاضرتي حينها أيضاح موقع المسيحية حسب القرآن وما موجود من أحاديث وسنن لدى الطرفين وكذلك العهد الذي أخرجه نبي المسلمين تجاه أهل الذمة ومضمونه، ولمتعة الحديث وما تلاه من نقاش استمرت المحاضرة زهاء الثلاث ساعات ولم يشعر أي منا بالملل وقال بعضهم بأنهم لأول مرة يلتقون بمسيحي يتحدث هكذا من القرآن وبآياته ويشرحها ويبدي رأيه بوضوح في الشأن الديني هذا.
ووجدت مدى فرحهم عندما زرت محافظة النجف لعدد من المرات بعدها وكيف كان استقبالهم لي وكنت أقرأ سمات الفرح على وجوههم وكأنهم يستقبلون أخا لهم، وأيضا عندما ساهمت ببحث في المؤتمر الأول للتمهيد لعام اختيار النجف عاصمة للثقافة الاسلامية وكان بحثي فيه تحت عنوان: مفهوم السلام في المسيحية والاسلام، فقد اختارت اللجنة المنظمة هذا البحث كي يتم طرحه مباشرة بعد الجلسة الافتتاحية الرسمية حيث لقي اهتماما جيدا ممن كان حاضرا حينها وكان ذلك في كانون الثاني 2011. وأيضا كان من نتائج ذلك موقف مجلس محافظة النجف الرائع بعد حادثة كنيسة سيدة النجاة حيث رحب بقدوم المسيحيين للمحافظة والدراسة فيها والعمل بأمان ومحبة.
وعندما أتحدث عن هذا الموضوع لأنني امتلك تجربة غنية ومهمة فيه وأفرح كثيرا عندما أجد أحدا من أبناء شعبنا يسير في ذات النهج لأن بحثنا عن نقاط الالتقاء أمر في غاية الأهمية وترسيخ هذا في ذهن المقابل يبعد كثيرا شعبنا من المشاكل المحيطة به من كل جانب وخصوصا في بلدنا العراق، فمرة كنت حاضرا مؤتمرا للحوار في رئاسة الوقف السني أواخر عام 2010 وحينها كان الحضور ما يقارب (2000) شخصا امتلأت بهم القاعة الكبرى في رئاسة الوقف وكان جلهم من أئمة وخطباء الجوامع وأوضحت في كلمتي في ذلك المؤتمر جوانب مهمة من الصفات التي يذكرها القرآن حول النصارى كونهم أقرب مودة للذين آمنوا؛ ” وَلَتَجِدَنَّ أَقۡرَبَهُمۡ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا۟ الَّذِينَ قَالُوَا۟ إِنَّا نَصَارَىٰ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنۡهُمۡ قِسِّيسِينَ وَرُهۡبَانًا وَأَنَّهُمۡ لاَ يَسۡتَكۡبِرُونَ” (المائدة 82)، والآية “فَإِن كُنتَ فِى شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلۡنَا إِلَيكَ فَاسأۡلِ الَّذِينَ يَقرَؤُونَ الكِتَابَ مِن قَبلِكَ …. “(يونس 94)، وصفات كثيرة لا يسمح المجال لذكرها، وفي نهاية الكلمة تساءلت فيها قائلاً: ألمثل من يحمل هذه الصفات تصح أن نطلق عليه لقب (كافر)؟ وعندما تركت المنصة نازلا صفق الجميع واستقبلت أسفل المنصة بالقبل والأحضان.
إن أرض الحوار موجودة وعلينا جعلها خصبة والمجمع الفاتيكاني الثاني يركز على ذلك، وسعيد الذكر البابا يوحنا بولس الثاني عندما أُهدي له نسخة من القرآن في سوريا قبله باحترام، فما بالنا نحن نرشق هذا أو ذاك بالكفر، فإن كان رأس الكنيسة آنذاك نهج هذا النهج، فلماذا نحاول ان ننتهج نهجا مغايرا؟ فعلينا الإقرار بأن أعلاما مضادا موجود لدى الطرفين وهو الذي يقف حجر عثرة لمنع الحوار ويحاول دائما الوصول بالنتيجة إلى الصدام وهذا بكل تأكيد ليس منهج المسيح ويجب أن لا يكون منهج أتباعه.
وللحديث صلة
عبدالله النوفلي..

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!