الله والإنسان لا حدود لهما للمغفرة
بقلم / وردا إسحاق قلّو
قال يسوع ( يا أبتِ أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ما يفعلون ) ” لو 34:23 “
الله غفور رحيم لأنه إله المحبة والصفح ، ويهب للناس مجاناً بسبب محبته . فعندما خطأ الأبوين سأل عنهما ، فقال ( أين أنتما ) دلالة على إهتمامه بهم ، وهم في حالة الخيانة ( صنع الرب الإله لآدم وإمرأته أقمصة من جلد وألبسهما ) ” تك 21:3 ” . وهكذا بالنسبة إلى الشعب المختار الذي كان ينكر إلهه ليعبد ألهة غريبة ، كان الله يرتقب عودة شعبه الضائع لكي يصفح له ويحميه من الأعداء .
الحب الإلهي سبّاق يسير في المقدمة ، لا يهتم بخطيئة الإنسان قدر إهتمامه بتوبته ليصفح له وينسي خطاياه ولا يذكرها ، ويهب له القوة لكي يغلب على ضعفه وعلى قلقه الروحي ، ليعود إليه ويعيش منسجماً مع ذاته ومع الآخرين بالمحبة .
من صفات الله أيضاً إنه طويل الأناة ينتظر عودة الخاطئين إليه . بل أرسل ابنه الوحيد لينير قلوبهم فيدركوا عظمة محبة الله لهم . ففي المسيح تجلت رحمة الله وتألقت على الصليب عندما طلب منه ابنه المصلوب المغفرة لصالبيه . والمسيح هو مرآة الآب الذي عكس رحمة الآب على الأرض ، وأعلن للناس بأن الله لا يضع شروطاً للصفحِ . إنما شرطه الوحيد هو أن يقبله قلب تائب . والسماء تفرح بخاطىءٍ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين من الأبرار الذين لا يحتاجون إلى التوبة . لهذا كان يسوع يأكل ويشرب ويجلس مع العشارين والخطأة ليصفح لهم لأن الصفح هو قلب الرسالة التي بشر بها العالم .
الصفح الإلهي يتوَهَّج ويتخطى الإدراك والمنطق البشري . إنه ثمرة حب مجاني . الله يفرح بعودة إبن ضال إليه ، لأن ذلك الضال كان ميتاً في الخطيئة ، وعاد إلى الرحمة الإلهية بعد أن قرر التوبة والإعتراف بالخطايا .
بشرى الصفح تنبض في كل كل صفحة من صفحات الأنجيل ، وتذهلنا السهولة التي يصفح فيها الآب عن ابنه يسوع لبني البشر . جاء يسوع لا لكي يدين ، بل لكي يغفر ، لهذا عاتب قساوة قلوب البشر ، فقال ( من منكم بلا خطيئة فليكن أول من يرمها بحجر ) . كان يسوع الإله فوق شرائع البشر الظالمة . فوضع شرائع إلهية ، وأقلع كل زرع لم يزرعه أبوه السماوي ، والذي كان من زرع الإنسان .
صفح الله للإنسان يبدأ منذ العماد فيصفح له الخطيئة الموروثة ويستمر في الصفح عن كل شىء لأنه أحبنا حتى النهاية . ( طالع يو 1:13 ) .
الإنسان الغافر لغيره يجدد صورة الله فيه . لأن الله إله غفور وكثير الرحمة ، لهذا قال البابا يوحنا بولس الثاني ( أجمل وجه الله هو وجه الرحمة ، فكيان الله يتجلى في رحمته ) . ألم يقل الله ( فأصفح عن آثامهم ولن أذكر خطاياهم بعد ذلك ) ” أر 34:31″ .
وفي العهد الجديد أعطى لنا الله جسده ودمه ، دلالة على حضوره الجديد في العالم . نتناوله لمغفرة الخطايا ، لكن علينا أولاً أن نصفح بدورنا قبل أن نطلب نحن الصفح من الله ، لكي نتناول أسراره المقدسة بإستحقاق .
الله لا حدود له في الصفح ، هكذا علمنا نحن أيضاً أن نكون ، وذلك عندما قال لبطرس ( لا أقول لك إلى سبع مرات ، بل إلى سبعين مرة سبع مرات ) ” مت 22:18 ” وهنا الرقم سبعة هو عدد الكمال الذي لا حدود له ، أي قال يسوع لنا بشخص بطرس: لا حدود للرحمة يا إنسان .
التوبة هي الطريق إلى الشفاء الروحي ، كما أنها طريق الصفح والمصالحة بين الناس . والإنسان الذي يعرف أن الله يحبه ويغفر له مجاناً ، هو الأجدر بأن يكون وسيط الصفح الإلهي بين أخوته البشر .
أخيراً نقول : على الإنسان أن لا يقضي العمر كله في البغض والحقد وحب الإنتقام . فهذا ينزع من قلبه السلام والراحة والفرح ، لأن من لا يصفح لا يعيش في سلام . لنتذكر يسوع عندما خانوه تلاميذه كيف صفح لهم وحرر قلوبهم من القلق وعذاب الضمير فأعاد إليهم الفرح الحقيقي عندما أراهم سمات ألامه فنسوا الماضي الأليم ليَطلّوا على نافذة العهد الجديد .
التوقع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1 “