الفنون التشكيلية والعمرانية في الكنيسة البيزنطية
بقلم / الفنان التشكيلي وردا إسحاق قلّو
كاتدرائية الحِكمة الإلهية ( آية صوفيا )
الحضارة البيزنطية حضارة عظيمة بفنها وعمرانها وأدبها وسياستها وقوانينها . إزدهرت هذه الحضارة وتطورت فبدأت فترة الفن البيزنطي المبكر من عهد يوسطينيانوس في القرن السادس ، وذلك مع مجمع القسطنطينية سنة 553م ، أما الفترة المتوسطة للفن فبدأت من 634- 1071م . وفترة إزدهاره كانت في عهد سلالة المقدونيين ( 867 – 1453 ) .
العهد البيزنطي هو عهد الأمبراطورية البيزنطية التي تمثل الجزء الشرقي من الأمبراطورية الرومانية ، أزدهرت حضارة البيزنطينيين بعد إعتراف الملك قسطنطين بالمسيحية عام 313م واستمرت إلى سنة 1453 وهي سنة سقوط العاصمة قسطنطينية بيد السلطان العثماني محمد الفاتح الذي أمر بسلب كنوزها وضرب الحضارة البيزنطينية ، فأنتهت فترة الفنون التشكيلية .
بدأت الفنون التشكيلية تتطور بعد دخول الأمبراطورية في المسيحية ، وامتدت لأكثر من ألف سنة ، لجأ إلى هذه الأمبراطورية آلاف الفنانين التشكيليين من إيطاليا هروباً من العصور المظلمة البربرية فأنشأوا الفن البيزنطي كنمط جديد في الفن والخاص برسم الأيقونات ، أي أن الفن البيزنطي هو مزيج من الفن الروماني والهليلنتسي وفنون بلدان الشرق الأوسط . صار فن رسم الأيقونات أكثر استخداماً في كل الكنائس الأرثوذكسية ولحد هذا اليوم .
تأثرت الحضارة البيزنطية على النهضة الأوربية ، بدأت وبرزت الحضارة البيزنطية من الروح اليوناني القديم ، فنهض فن العمارة ، والفنون التشكيلية في الكنيسة البيزنطية التي سميت ( كنيسة الروم الأرثوذكس ) ومنذ سنة 1911م أتـحد قسم صغير منها مع روما بإسم ( كنيسة الروم الملكية ) .
أسس الأمبراطور قسطنطين العاصمة التي سميت بأسمه ( القسطنطينية ) وذلك في عام 330 وبقي هذا الأسم حتى بعد إحتلال الأتراك لها وبعد ذلك تحول أسمها إلى إسطنبول والتي تعني ( نحو المدينة ) ويرجع أسم أسطنبول إلى الكلمة اليونانية :
( Constantinople )
في سنة 395 كُرِست هذه المدينة لتصبح بمثابة روما الجديدة ، وأصبحت العاصمة الشرقية للإمبراطورية ، وحصلت كنيستها على الدرجة الثانية بعد بروما في تسلسل الكنائس البطريركية الخمسة ( روما – القسطنطينية – الأسكندرية – إنطاكية – أورشليم ) .
أهتم الأباطرة البيزنطينيين بهذه المدينة فشيدوا له أسواراً دفاعية قوية وجميلة ، مع باب ذهبي ، وتزينت بقصور وكنائس بهية ، وكانت تسمى كنيستهم ب ( أم الدين الصحيح للمسيحيين ) . ومن الصروح العظيمة التي تم تشيدها في العاصمة هي كنيسة الحكمة الألهية ( كنيسة آية صوفيا ) وصوفيا هو أسم راهبة قبطية ق*ت*لها الأمبراطور ( أقلوديوس في مصر ، فأمر الملك قسطنطين بنقل جسدها إلى القسطنطينية وبنى لها تلك الكنيسة العظيمة بإسمها . وكانت تلك الكاتدرائية العظيمة مقر لبطريركية القسطنطينية قبل الغزو العثماني ، وبعده تحولت إلى مسجد ، ثم إلى متحف بأسم ( أجيا صوفيا ) أي آية صوفيا ، وأخيرا تحولت إلى مسجد . كما تم بناء كنائس كثيرة وصل عددها إلى 485 كنيسة صممت تلك الكنائس من قبل مهندسين معماريين أكفاء ، ومنها كنيسة ( السلام ) في عهد قسطنطين ، وكذلك كنيسة ( الرسل ) ، ومئات الأديرة ومنها دير ( الآكوميطي ) أي الساهرون ، ودير ( السطوديين) ، وعندما بلغ عدد سكان المدينة 400 ألف شخص أزدهر الفن البيزنطي بأعمال فنية تشكيلية نفذت بالفسيفساء والزجاج وأحجار كريمة ، ورسمت أيقونات كثيرة في العاصمة ، ووصلت هندسة عمران الكنائس إلى قمتها عندما تم بناء كنيسة الحكمة في موقع الكنيسة الكبرى ، هندسها المهندسَين ( آنثيموس من طرالي وأيسيدوروس من ميلطي ) وتعتبر هذه الكنيسة ألأجمل والأعظم . كما كان هناك كنائس أخرى مشهورة ككنيسة ( بلا خزنة ) التي حُفِظَ بها رداء مريم العذراء وأيقونتها كالمصلية حاملة عمانوئيل والمحافظة على المدينة .
سليمان الملك بنى الهيكل في أورشليم سنة ألف ق.م والبيزنطينيون نجحوا ببناء كنيسة الحكمة الإلهية والتي تبدو وكأنها جبل معماري روحي يحمل أعظم قبة سماوية على الأرض بالأمتار : 75 في 71
وفي يوم تكريس الكنيسة سنة 547 رفع الأمبر
اطور يوسطينيانوس يديه نحو السماء وصرخ قائلاً :
( المجد والحمد لله العلي ، الذي سمح لي بإكمال هذا العمل الفريد ، يا سليمان ، لقد إنتصرت عليك ) . ساعدت المملكة كلها بتقديم أروع مرمر ، والمذبح الذهبي المُزين بالجواهر ، والأعمال الفسيفسائية على الجدران ، وفعلاً الفن البيزنطي يجمع بين الأرض والسماء في إنسجام كامل ، حيث يعبر عن الإيمان بالله المحب للبشر . لقد تأثر هذا الفن في الشرق كله ، وعلى الغرب في عهد السلالة الأوطونية وخاصة في بداية النهضة الأيطالية .
أما عن فن الأيقونات البيزنطية فهذا الفن يمتاز عن بقية مدارس وأنواع الرسم . إنه فن عريق وله قوانينه الخاصة ، ويمكن إعتباره الأصعب بين مدارس الرسم الكثيرة ، يصعب ممارسته لأنه يحتاج إلى خبرة وممارسة وتدريب فعلي ليصبح للفنان دراية في هذا النوع من الرسم . كما كان يستخدم فيه مواد طبيعية ، وألوانه تسمى التمبرا . رسمت أيقونات كثيرة لمواضيع مختلفة ومن أشهر تلك الأيقونات هي أيقونة ( أم الله ) أو ( أم المعونة ) المنقوشة على خشب والموجودة في القسطنطينية . كانت تلك اللوحة تحظى بأحترام فائق وشهرة واسعة لكثرة المعجزات التي صنعتها .
أيقونة أم المعونة ( أم الله )