الحوار الهاديء

الحركة الكشفية، جذورها وفاعليتُها الجزء الثالث والأخير

لويس إقليمس     

 

الحركة الكشفية، جذورها وفاعليتُها

الجزء الثالث والأخير

لويس إقليمس

بغداد، في أب 2018

نبذة عن الحركة الكشفية في العراق

كان العراق سبّاقًا دومًا للانخراط في الحركات التنويرية التي تخدم الوطن والمجتمع وتسعى لتقديم الأفضل من أجل خلق أجيالٍ يصنعون الحياة ويبنون الوطن على أسس صالحة وصحيحة. إنّ خير مَن كتب عن الحركة الكشفية في العراق، الدبلوماسي الراحل نجدت فتحي صفوت في كتابه “أحاديث في التاريخ”. كما لا يمكن نسيان أو تجاهل غيره ممّن تطرقوا إلى هذه الحركة في مقالاتهم نقلاً عمّن سبقوهم. يذكر المرحوم، الكاتب والمؤرخ والمترجم نجدت، أن تاريخ هذه الحركة في العراق يعود إلى أواخر عهد الدولة العثمانية، التي أدخلت هذا النظام تقليدًا بحلفائها الألمان. ويعود تأسيس أول فرقة كشفية في بغداد إلى عام 1915م في مدرسة السلطانية. ولكنها سرعان ما اختفت بسبب نشوب الحرب العالمية الأولى.

جاء العام 1918م ليُعاد نشاط الفكرة بعد احتلال الانكليز للعراق وتسلّم ضابط بريطاني، يدعى المستر “غاربت”، لشؤون المعارف والمالية فيما بعد، حيث تم تشكيل عدة فرق كشفية في عدد من مدارس العاصمة بغداد ومنها مدرسة البارونية والحيدرية والفضل وباب الشيخ والكرخ ورأس القرية. هناك ذكر لمدرسة أهلية تابعة للطائفة الكلدانية أدخلت النظام الكشفي في أنشطتها، بحسب بعض المقالات التي تتطرق في بعض المواقع الالكترونية إلى تاريخ نشوء هذه الحركة، ولم يتسنى لنا التأكد من صحتها.

في سنة 1919م تم تشكيل جمعية من قبل ضابط بريطاني آخر يدعى “الميجر بومن”، أخذت على عاتقها العمل على تسهيل أنشطة الفرق الكشفية وجمع التبرعات التي تساعد على إحياء برامجها وأنشطتها. لكنها لم تستمر طويلاً أيضًا، وكان مصيرها الاختفاء. وبعد تأسيس الدولة العراقية، وتولّي ساطع الحصري لإدارة المعارف بالعراق، عمل هذا الأخير على إعادة توجيه العملية التربوية وفق منهج وطنيّ وقوميّ. وكان للنظام الكشفي حصة من برنامجه، ومنها إصدار مجلة (الكشاف العراقي) في العام 1924م، والتي كانت تصدر مرتين في الأسبوع وتعنى بأنشطتها ونقل أخبارها وأخبار الحركات الكشفية في الوطن العربي والعالم. إضافة إلى تشجيعه بتأسيس فرق كشفية في ألوية (محافظات) أخرى مثل الموصل وكركوك والبصرة والعمارة والناصرية، حتى بلغ مجموعها 62 فرقة، ليصل عديد المنتمين إليها بين 1930-1931 حوالي اثنا عشر ألف كشاف من كلا الجنسين. ويضيف صاحب الكتاب، أن جمعية الكشاف العراقي أخذت على عاتقها الاهتمام بالحركة الكشفية في البلاد، كما تبنّت لها آنذاك نشيدًا وطنيًا يتغنى به الكشافة في المناسبات الوطنية.

يختلف المؤرخون حول تاريخ تشكيل أول فصيل للمرشدات في العراق، تابع للحركة الكشفية. وأكثر الظنّ أن هذا الفصيل تم تشكيله في عام 1925 بنواة صغيرة انطلاقًا من دار المعلمين الابتدائية وليتسع أعداد المنضوين إليه في العام 1957 عبر تشكيل ست فرق.

استمر النشاط الكشفي في العراق حتى سنة 1936م لحين استبدال تسميتها بما سُمّي بنظام “الفتوّة” الذي وضعه آنذاك الدكتور سامي شوكت الذي كان مديرًا عامًا للمعارف ثم وزيرًا لها. وكان هذا أشبه بنظام عسكري في الزيّ والرتب والشارات، واستمر هذا النظام حتى قيام “حركة مايس” عام 1941م. وبعد عودة الخبراء الانكليز ثانية بعد فشل حركة الضباط الأحرار، تم إلغاء نظام الفتوّة الذي شُبّه بمنظمات فاشستية ونازية مرتبطة بدول المحور، ألمانيا وإيطاليا.

في سنة 1949 تولت وزارة المعارف إعادة تنظيم الحركة الكشفية في العراق بإيعازها إلى مديرية التربية البدنية إقامة دورات لقادة الكشافة عبر إيفاد عدد منهم إلى بريطانيا لينالوا ما سُمّي ب”الشارة الخشبية”. وحين عودتهم، تولوا تدريب غيرهم وتوسيع نشاط الحركة وتأسيس فصائل جديدة. في عام 1954، كان العراق من ضمن الدول التي ساهمت بقوة بتأسيس المنظمة العربية للكشافة، واستضاف العديد من الأنشطة الكشفية العربية، إضافة إلى مشاركته في المخيم الكشفي الأول المنعقد بالزبداني في سوريا. واستمر النشاط الكشفي في العراق بعد ثورة 14 تموز 1958م، بعد تقسيم الأنشطة إلى “كشافة” للفتيان و”مرشدات” للفتيات. فيما توسعت أنشطتها لتشمل زيارات ميدانية بين المدارس والمشاركة في أنشطة اجتماعية وفنية.

في عام 1965، صدر قانون نظام المجلس الأعلى للكشافة الذي وُضع بإشراف وزير التربية ويتمتع بالشخصية الحكمية. وجاء في المادة 4 من النظام:”الحركة الكشفية حركة تربوية اجتماعية وطنية ذات نفع عام ترعاها وزارة التربية وتساعد على نشرها ماديا ومعنويا”.

بعد ثورة تموز 1968، زاولت هذه الحركة أنشطتها الشبابية عبر دورات تثقيفية وإرشادية تفيد المجتمع أو عبر المخيمات الكشفية التي أُقيمت لأجل هذه الغاية في بعض مدن العراق أو خارجه. لكنّ مجمل هذه الأنشطة والأهداف تمّ تحويلها لاحقًا لصالح الحزب القائد وتمجيد رئيسه من خلال تسييسها. وقد شهدنا جميعًا انخراطًا شبه إلزاميّ لناشئة الوطن في فترة من الفترات تحت مسمّيات “الطلائع” و”الفتوة” بعيدًا عن الالتزام بالتعليمات واللوائح العالمية للنشاط الكشفي الذي نعرفه والمعتمد على المبادئ الإنسانية الأساسية للحركة الكشفية. لكن ذلك التوجه لم يمنع قيام بعض الأنشطة الكشفية في مراحل معينة وفقًا للظروف. فقد استضاف العراق المخيم الكشفي العاشر في غابات الحدباء بالموصل في عام 1972 مثلاً. وظلت أنشطة هذه الحركة متذبذبة في تواصلها حتى بداية التسعينات حيث حرب الخليج التي انقطعت فيها البلاد عن العالم. وبعد الغزو الأمريكي في 2003، حصلت جهودٌ حثيثة لإعادة إحياء أنشطة الحركة الكشفية بعد استقرار نسبي في البلاد. ومنها ما قامت به وزارة الشباب والرياضة بتفعيلها للكشافة المدرسية، وكذلك جامعة بغداد في كانون ثاني 2013، ومثلُها بعض محافظات العراق، ولو على نطاق ضيّق. كما ساهم تنظيم اتحاد الطلبة “الكلدو-الآشوري” الذي يعود له الفضل بتأسيس كشافة حمورابي في 2015، بقسط من الفعاليات الكشفية في بعض كنائس العراق من خلال مخيمات أو في الاحتفالات الرسمية والكنسية.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!