مقالات دينية

الحقيقة ….. بين العقل والأيمان / الجزء الثاني

الكاتب: مشرف المنتدى الديني

الحقيقة …..  بين العقل والأيمان 
الجزء الثاني

نافع البرواري

“أنا الربُّ  صنعتُ كُلّ شيء . نشرتُ السماوات وحدي وتبسطت ألأرض بنفسي …دحضتُ حجج الحكماء وجعلتُ معرفتهم جُهالة “ اشعيا 44 : 24-” 
ماهو الأيمان؟
الأيمان هو الثقة برجاء ما لايرى . ولكن هذا ألأيمان مبني على حقيقة شخص يسوع المسيح الحي ، وليس نضريات فلسفية . فالله لم يره احد ،ألأبن الذي في حظن ألآب هو الذي أخبرنا من هو الله . بينما الله هو فكر عند الفلسفات والمعقتقدات الغير المسيحية . الأيمان المسيحي يمكن اختباره في الحياة مع مواهب الروح القدس . والأختبار هو في التغيير الداخلي للشخص المؤمن وسلوك المؤمن وشهادة حيات المؤمن وثماره الجيدة . ومن ظواهر الأيمان التواضع، والطاعة ، وألشهادة  بالتبشير بالخبر السار . يقول الرسول بولس:
“لأنّنا (نحن المؤمنون) لاننظر الى ألأشياء التي نراها ، بل الى ألأشياء التي لانراها . فالذي نراهُ هو الى حين ، أمّأ الذي لانراهُ فهو الى ألأبد “2كورنثوس 4: 18″…لأننا نهتدي بايماننا لا بما نراه “2كورنثوس 5 :7”

في كتاب “القضية ألأيمان “
يقول لين أندرسون مؤسس “شبكة الرجاء لأعداد وتدريب قادة الكنائس في امريكا 
” الأيمان في جوهره هو أحد قرارات ألأرادة التي نستمر في اتخاذها لكن هذا الخيار موهب لنا من قبل نعمة الله . فنحن متحفزون للأستمرار في  اتخاذه عن طريق روحه ..وهو اختيار لابد ان نتخذه دون أمتلاك كل المعلومات الكاملة التي نحب ان تكون لدينا …هذا صحيح ، والا يكون ما لدينا هو المعرفة وليس ألأيمان …ألأيمان هو الأيقان بامور لاترى ، والاّ لايسمى ايمانا ، بل معرفة …فالأيمان لايمكن برهانه عن طريق تجريبي …هناك أدلة وخطوطا متنوعة من البراهين تشير بشكل مقنع الى  الله . . .انا اشعر أني أقل استعدادا للرد على كلِّ الأعتراضات القادمة من المتشككين المشهورين(العقلانيين ) . لم يعد ألأمر مهما بالنسبة لي كما كان لأني أعرف أن هذا حقيقي (اي ايماني بالله ) إنّي أراه . أراهُ في حياتي ، أراهُ في زواجي ، أراهُ في أطفالي ، أراه في علاقاتي ، أراهُ في حياة الآخرين عندما يتغيّرون بقوة الله ، وعندما يتجدِّدون من قبل الله  ، وعندما يتحرّرون من قبل حقه  ….لقد تذوقتُ ، وأقولها  ، لقد تذوقتُ ! وقد نظرت ما أطيب الرب  “(1) .

ألأيمان كما يقول كاتب العبرانيين :“هوالوثوق بما نرجوه وتصديق ما لانراه ” عبرانيين 11 :1″ .

الهنا اله شخصي يتفاعل معنا وهو الذي أعطى الوعود .فايماننا ليس إيمان أعمى ، بل يرتكز ايضا على براهين ووقائع تاريخية . نعم قد يؤمن القلب ولكن العقل قد يشك احيانا والعكس صحيح ايضا وقد يكون هناك صراع على ألأيمان بيسوع المسيح .
المسيحية تؤمن بأنّ ألأنسان مهما بلغ من الحضارة والتقدم العلمي والتكنولوجي ومهما ارتقى الأنسان في اكتشاف حتى الكواكب والنجوم وارسل سفن الى الفضاء فهو بحاجة في داخله(وجدانه) الى شيء أهم من كل ما يحققه في  الخارج , وهذا الشيء هو حنينه وتعطُّشهُ وجوعه الى البحث عن مصدر حياته ومعنى حياته ومصير حياته . هذا العطش والجوع لن يشبعه ويرويه الا يسوع المسيح الذي قال : انا هو  خبز الحياة . من جاء اليَّ لايجوع ، ومن آمنَ بي لايعطش أبدا   ” يوحنا 6: 35
منذ مجيء ربنا يسوع المسيح الى يومنا هذا مازالت ألأدلة على عجز العقل البشري في حل المسائل  ألأخلاقية والدينية تزداد قوة حتى قال هيوم الملحد المشهور : ” الديانة في كلِّ أبوابها لغز وسر لايحلُّ ، ومعظم ما نحصل عليه من أدق البحث عن هذا الموضوع هو الشك وعدم التأكد والتوقف عن الحكم”. 
يقول الله على لسان اشعيا النبي”
“سأمحو حكمة الحكماء ، وأُزيل ذكاء ألأذكياء”اشعيا 29 :14″
 ، فأين الحكيم؟ وأين العلاّمة ؟ وأين المجادل في هذا الزمان؟ أما جعل الله حكمة العالم حماقة “1كورنثوس 1 :2 “
“فلما كانت حكمة الله أن لايعرفه العالم بالحكمة ، شاء الله أن يخلص المؤمنين به “بحماقة” البشارة…اختار الله ما يعتبره العالم حماقة ليخزي الحكماء…وأمّا أنتم (المؤمنون) فبفضله صرتم في المسيح يسوع الذي هو لنا من الله حكمة وبرّا وقداسة وفداء ” 1كورنثوس 1 :21 ،27 ،30″
ألأيمان المسيحي اختبار وشهادة حياة 

يقول الرب يسوع المسيح :
“الحق الحق اقول لكم ، من يسمع كلامي ، ويؤمن بالذي أرسلني ، فله حياة أبدية ، ولن ياتي الى دينونة ، بل قد انتقل من الموت الى الحياة “.”يوحنا 5: 24”

فمعنى قول المسيح “قد انتقل” فعل ماضي يعني ” :أنّ المؤمن منذ ان آمن فهو قد انتقل الى الحياة الأبدية اي الى مملكة المسيح ” . وهذا ما يختبره المؤمن الحقيقي في حياته في هذا العالم قبل انتقاله الى العالم الآخر. ويقول ايضا :
“الحق الحق أقول لكم إنَّ الذي يؤمن بي فله حياة أبدية “
“يوحنا 6 :47”.

في دراسة للعالم النفساني المشهور دكتور هنري لنك ، في كتابه “العودة الى الأيمان ” يقول :
“كُلِّ من يؤمن بالله يتمتع بحياة الرب يسوع . كان ذلك في أعقاب إهتدائي الى المزايا الصحيحة في ديني (المسيحية) الذي سبق أن نبذته لما كنتُ عاجزا عن إكتشاف ما فيه من الخير .
أمّا ديل كارنيجي في كتابه الشهير “دع القلق وأبدأ الحياة ” يقول: 
” ألأيمان بالله يمدُّني بالثقة وألأمل والشجاعة ، ويبعد عنّي المخاوف وألأكتئاب والقلق ، ويزوِّدني بأهداف وغايات في الحياة ويفسح أمامي آفاق السعادة ، ويعينني على إنشاء واحة خصبة وسط صحراء حياتي)
أمّا  الدكتور كارل يونج، وهو أعظم الأطبّاء النفسيّين في كتابه (الرجل العصريّ يبحث عن روح)يقول: “استشارني خلال الأعوام الثلاثين الماضية أشخاص من مختلف شعوب العالم المتحضّرة، وعالجْتُ مئات المرضى، فلم أجد مشكلة من مشكلات أولئك الذين بلغوا منتصف العمر إلاّ وكان سببها ضياع الإيمان والخروج على تعاليم الدين. ويصحّ القول بأنّ كلّ واحد من هؤلاء المرضى وقع فريسة المرض لأنّه حُرم سكينة النفس التي يوفّرها الإيمان بالله. ولم يبرأ واحد منهم إلاّ حين استعاد إيمانه واستعان بوصايا الله ونواهيه على مواجهة الحياة”
(2 )
امّا  لين أندرسون يقول: ألأيمان عمل
action
وليس مجرد قبول عقلاني . إنَّه تجاه حياة ولذلك عندما نبدأ عمل الأيمان فالله يبدأ 
في تاييده وكلما نتعمق في إتباع الرحلة كلما نعرف انها حقيقية. ألأختبار سبيل واحد للبرهان . عليك ايضا توضيح هدف ايمانك لكي تحدد ما اذا كانت هناك اسباب شرعية لتصديق انه ايمان حقيقي .
فالبوذية تعمل لصالح بعض الأشياء ، والألحاد يعمل لصالح بعض الأشياء ، لكنك لو أتبعت رحلة يسوع بكاملها ستجد أنَّ تعاليمه يتماشى في تناسق لأنها حقيقية . فالمسيحية ليست حقيقية لأنها مؤثرة ، لكنها مؤثرة لأنها حقيقية” (3).

أمّا اللاهوتي المسيحي ار .سي سبرول فيقول:
“انّ حالة وجود الله مثقلة فعلا بنظريات نفسية . إنَّ كلِّ عظم في جسمي يريد أن يكون الله موجودا . هذه الحقيقة يستطيع الإنسان أن يحصّلها لا عن طريق البحث العقلي وحسب بل أيضاً عن طريق الوثوق بأشخاص آخرين بإمكانهم أن يضمنوا له يقين الحقيقة وسلامتها
هذه الحقيقة التي يكشفها الله لنا في يسوع المسيح لا تناقض الحقائق التي ندركها بالفلسفة. وحدة الحقيقة هي من أسس مسلّمات العقل البشري يعبّر عنها مبدأ اللاتناقض. ونجد في الوحي يقين هذه الوحدة عندما يؤكد لنا أنّ الإله الخالق هو أيضاً إله تاريخ الخلاص. الإله الذي هو أساس وضمانة النظام الطبيعي الذي يرتكز عليه العلماء هو نفسه الذي يكشف لنا ذاته أبا ربنا يسوع المسيح.(4)
سُئل العالم وليم جيمس » لماذا يجب الإيمان بالله والاعتماد عليه وطلب الأمان والسلام والأطمئنان؟«، فقال »:
“إنّ أمواج المحيط الصاخبة المتقلّبة لا تعكّر قطّ هدوء القاع العميق ولا تقلق أمنه. وكذلك المرء إذا عمّق إيمانه بالله خليق بألاّ تعكّر طمأنينته التقلّبات السطحيّة الموقّتة. فالرجل المؤمن حقّاً، عصِيٌ على القلق، محتفظ دائماً باتّزانه، مستعدّ دائماً لمواجهة ما عسى أن تأتي به ظروف الأيّام. فلماذا لا نتّجه إلى الله إذا استشعرنا القلق؟ ولماذا لا نؤمن بالله ونحن في أشدّ الحاجة إلى هذا الإيمان؟ ولماذا لا نربط أنفسنا بالقوّة العظمى المهيمنة على هذا الكون؟
أما الدكتور النفسيّ العلاّمة ا. بريل »” اخصّائي في أحدث العلوم، وهو الطبّ النفسيّ” يقول:
“أطبّاء النفس يدركون أنّ الإيمان بالله والصلاة كفيلان بأن يقهرا القلق والمخاوف والتوتّر العصبيّ، وبأن يشفيا أكثر من نِصف الأمراض التي نشكو منها. وقد تأكّد لديّ أنّ المؤمن حقّاً لا يعاني قطّ مرضاً نفسيّا”(5).
لماذا ألأيمان هو أسمى من العقل ؟
العقلانية 
هي أنَّ الأنسان يحاول معرفة ألأسباب في كل شي بالأستناد الى العقل والمنطق 
فالأنسان الذي يُفكِّر بالعقل والمنطق فقط ،يريد أن يفتِّش عن السبب في كل ظاهرة أو حدث ، وهو لايستطيع ألأجابة على ظواهر وأمور مافوق الطبيعية (الماورائية ) . فالعقل البشري يهوي المنطق والترتيب والعقلنة ولكن كثيرا ما يكون هذا التفكير المنطقي غير صحيح  . ويوضح ذلك الرسول بولس فيقول:
“أقول الحق في المسيح ولا أكذب فضميري شاهد لي في الروح القدس أنّي حزين جدا وفي قلبي الم لاينقطع ” رومة 9:1″ 
فقد كان الرسول بولس يفعل ما هو صواب ويتّفق مع المنطق ومع شهادة الروح القدس بداخله . فالذهن(العقل) والروح يعملان معا عند المؤمنين ولكن الروح أسمى بكثير من الذهن (العقل)  . لأن العقل لايستطيع أن يفهم مثلا اختبارات المؤمنين في حقيقة تغيّر حياتهم نحو ألأفضل عندما التقوا بالمسيح وذاقوا محبته. 
يقول هنري بولاد اليسوعي في كتابه هدف الحياة”
“أنّ ألأيمان لايتعامل مع البراهين (العلمية اي التجريبية ) لكنه يصرّح بحقائق ، حين تختبرها في داخلك ، تثبت من صحَّتها . ألأيمان يدعو الى إحساس أعمق من المنطق …..أي ان برهان الأيمان لايكون على مستوى العقل ، بل على مستوى الوجدان ، وبذلك يكون أعمق من العقل والمنطق ..
يقول الفيلسوف المسيحي “انسليم” :”آمن لكي تفهم ” لانقول ألأيمان أقل من المنطق ، بل نقول إنَّه أعلى منه ، لأنَّه يتم على مستوى الوجدان ، الذي يجمع بين العقل والأحساس والعاطفة  والمنطق  والذكاء .
  ألأيمان هو التشبث بالمسيح . أن أجعل المسيح كل شيء في حياتي ، وأُقيم معه علاقة وأعرفه وافهم كلامه وأعيشه وأُظهره للآخرين”.
. “لكي تختبر الحق وتتحرر ، عليك أن تكون متعلما تابعا ” وباسلوب آخر أفعل ما يقوله لك يسوع ، وسوف تختبر مفعول ذلك .
قال يسوع :” ان ثبتنا في كلامه – أي ثبتنا في عمل ما يقوله- نكون حقا تلاميذه . فمعنى أن تكون تلميذا هو أن تكون “متعلما تابعا” . وعندما تكون متعلما تابعا تعرف الحق ، والحق يحرّرك.
علمنا في ارواحنا أنّنا ما نفعله صواب ، علينا ألاّ نسمع للعقل أن يقنعنا بعكس ذلك . الله يعطينا الفهم تجاه امور كثيرة ولسنا بحاجة ان نفهم كل شيء حتى نعيش في طاعة لمشيئة الله.
“إنَّه امرٌ صعب للغاية أن يتخلّى الجنس البشري عن عقلنة ألأمور ، وألأصعب أن يثق في الله “يؤمن بالله” . ولكن الحقيقة هي أنّ الذهن يستريح عندما نثق في الله بكل القلب بغض النظر عن الظروف.”(6)
إن الإيمان والعقل ليس فقط لا يمكنهم أبداً أن يكونا على خلاف، بل هما أيضاً على تعاون متبادل. فالعقل السوي يبرهن على أسس الإيمان وينكب في ضوئه على علم الأمور الإلهيّة. أمّا الإيمان فهو يحرر العقل ويصونه من الأضاليل، ويوفر له الكثير من المعارف…….يسوع الذي كشف لنا سرَّ الله عبر  أفعاله وتعاليمه وخاصة بموته وقيامته ، جاء المسيح في التاريخ وملء الزمن وهو قمة الوحي . أنَّ تجسُّد إبن الله يتيج لنا أن نشهد الحصيلة النهائية التي لم يكن العقل البشري من منطلق ذاته يتصوّرها ولو بخيال ، وهو أنّ ألأبدي إقتحم الزم والله إتَّخذ وجه إنسان “(7)
يقول البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، في رسالة جامعة مطلعها “ألأيمان والعقل”: ألأيمان والعقعل هما بمثابة الجناحين الذين يمكِّنان  العقل البشري من ألأرتقاء الى تاملّ الحقيقة ….هناك معرفة هي من نتيجة الأيمان الى جانب المعرفة النابعة من العقل البشري . ألأيمان يرتكز على كلام الله ووحيه وهو لايغلط ولا يريد أن يخدع. الحقيقة التي نحصل عليهها عن طريق الفكر الفلسفي والحقيقة الصادرة عن الوحي لاتختلطان والواحدة لاتُغني عن ألأُخرى . وهما متميّزتان من حيث المصدر (العقل والوحي) والموضوع .(
يقول القديس اسحق النينوي (السرياني)
” ألأيمان  هو البوّابة الى ألأسرار حيث إنَّ عيون الجسم لاتكون في علاقة مع ألأشياء المحسوسة ، كذلك مع ألأيمان بالكنوز الممتدّة خفية عن عيون العقل…وبينما أنتَ تُسافر في هذه الحياة ، لاتترك قلبك يشك حول الرجاء الذي تزوِّدك َ به نعمة الله  …ليكن لديك ايمان في قلبك بأنَّ الله عطوف ، وإنّه يعطي نعمته لأولئك الذين يسألونه استنادا الى عملنا ، لكن اتنادا الى المحبة في أنفسنا وايماننا به “ليكن لكما بحسب أيمانكما “(متى 9 :29.”(9) 

المصادر:
   
(1 ) كتاب القضية الأيمان 
(2) http://webcache.googleusercontent.com/search?q=cache:http://www.alkalema.net/hal/hal18.htm

(3).(ص312 من كتاب القضية…ألأيمان)

(4) سلسلة محاضرات على قناة الكرمة  
(5) http://webcache.googleusercontent.com/search?q=cache:http://www.alkalem
a.net/hal/hal18.htm
(6 ) كتاب (هدف الحياة ) للأب اليسوعي هنري بولاد 
(7)
المجمع الفاتيكاني الأول

http://www.christusrex.org/www1/ofm/1god/documenti/denzinger/3000-3020.htm

 
البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، في رسالة جامعة مطلعها “ألأيمان والعقل”
 (9)
كتيب للأب حبيب هرمز النوفلي عن حكمة القديس اسحق النينوي السرياني

يمكنك مشاهدة المقال على منتدى مانكيش من هنا

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!