مقالات دينية

الحج في المسيحية

وردا اسحاق

الكاتب: وردااسحاق

الحج في المسيحية

                                 

بقلم / وردا أسحاق عيسى

 وندزر – كندا

( فرحت بالقائلين لي الى بيت الرب ننطلق . قد وقفت أقدامنا في أبوابك يا أورشليم ) ” مز 1:121″

أولاً لنسأل ونقول ما هو الحج ؟ الحج هو طريق الرب ، وطريق الرب طويل ، وأنه ينتظر قدوم المؤمنين به في نهاية الطريق . لكنه أيضاً يرافق السائرين في الطريق كما رافق تلميذي عماوس ” لو 24: 13-35″ . فالحج إذاً هو الطريق الذي نتخطى به نحو الرب . وفي زيارات الحج المقدسة مفعول خفي يرتقي بالنفوس الزائرة بروح الأيمان نحو الأفضل فلا تعود من الزيارة كما ذهبت بل تتغَيَر لن القلوب تتليَّن والنفس تنضج بعمل النعمة وهكذا عليه بعد العودة أن يستمر المؤمن في طريق الأيمان لكي يجد المسيح الذي ينتظره ليضعه في المنازل المعدة للمؤمنين به .

الحج هو دعوة لكل مسيحي لكي يبتعد عن الأرضيات وهموم العمل والعالم فيبتعد عن بيته وأهله وأحبابه ويندفع لزيارة الأماكن المقدسة فيتذكر قول الرب لأبينا أبراهيم ( أترك أرضك وعشيرتك وبيت أبيك وأنطلق الى الأرض التي أريك ) ” تك1:12″ . لبى أبراهيم طلب الرب فتجلى له وكلمه وباركه فكان له فرح اللقاء والبركة . كذلك النبي أيليا أنطلق في مسيرة الحج الى جبل حوريب فألتقى بالرب من خلال نسيم لطيف وسمع من خلاله صوتاً يدعوه ويحدثه ” 3مل 21:19″ . هكذا يجب على اللذين يحجون الأماكن المقدسة أن يرجو من الرب اللقاء لعيش في كنفه والتبرك بعطاياه الكثيرة فيحصل تغيير في حياتهم فيسمّون نحو الأفضل .

أما عن الحج في التاريخ ، فالحج كان معروفاً عند شعوب كثيرة منذ القدم ، عند الرومان والهندوس وكذلك عند الشعب اليهودي الذي كان عليه فريضة الحج لزيارة المدينة المقدسة أورشليم والهيكل المقدس في ثلاث أعياد مقدسة خلال سنة واحدة وهي ( الفصح ، العنصرة ، المظال ) كانوا يقدمون ذبائح تكفيراً عن خطاياهم . كان اليهود العائدون من رحلة الحج فرحين وهم يستعدون للرحلة الثانية وكانوا يرتلون بأورشليم قائلين ( إن نسيتك يا أورشليم فلننسى يميني وليلتصق لساني بحنكي إن لم أذكرك ) ” مز 136: 5-6 ” . قلد المسلمون الطقوس اليهودية فأعتبروا الحج ركن من أركان دينهم وهم أيضاً يقدمون الأضاحي من الذبائح الحيوانية لمغفرة خطاياهم في عيد الأضحى . المسيحية ألغت الذبائح الحيوانية التي تعود الى العهد القديم ، فذبيحة المسيح الكفارية على الصليب هي خاتمة كل الذبائح .

كانت زيارة الحج مفروضة على كل يهودي يبلع أثنا عشر سنة ، وما زيارة الرب يسوع الى الهيكل مع والديه في عيد الفصح عندما ضاع عنهم إلا زيارة مفروضة عليه ، وكانت تلك الزيارة ترمز لزيارته الأخيرة الى أورشليم . بهذا يوضح لنا البشير لوقا في مناسبة صعود المسيح الى أورشليم الأخيرة والتي فيها سلم حياته طوعاً لكي يتحمل الآلام والموت على الصليب . لهذا عزم على المشي مع رسله في تلك الزيارة قائلاً  ليس لنبي أن يهلك خارج أورشليم ( الحج الأخير ليسوع ) ” لو 51:9 ” . ووضح لنا القديس لوقا قائلاً ( قال هذا ثم تقدم صاعداً الى أورشليم ) ” لو 28:19″ . هذا هو معنى الصعود الأخير الى أورشليم ، وهذه كانت سيرته منذ تقدمته الى الهيكل على يد سمعان الشيخ الى صعوده في عيد الفصح وضياعه ومن ثم صعوده الأخير الذي يستمر للصعود الى السماء ، أورشليم السماوية . وهكذا عبرَ عن طاعته للآب ومحبته لبني البشر .

أما الحج في المسيحية فبدأ بزيارة الأماكن التي تقدست بأقدام المسيح وحضوره فيها وخاصةً كنيسة القيامة وزيارة قبر الرب المقدس . كذلك تشمل الزيارت الى مراكز أولياء المسيح وشهدائه كقبر مار بطرس وبولس في روما والقديسة أليزابيت في لورد – فرنسا والقديس فرنسيس الأزيزي في أيطاليا ، أضافة الى معابد العذراء مريم في البرتغال والمكسيك وغيرها المنتشرة في العالم والتي ينطلق اليها ملايين الحجاج كل عام .

للحج في المسيحية معنى ديني ، فعلى الحاج أن يتهيأ نفسياً وروحياً أولاً قبل أن ينطلق في رحلته فينقي ذاته بالتقدم الى منبر التوبة والأعتراف وتناول جسد الرب المقدس بخشوع وإيمان وبعدها سينظم الى حلقات الصلاة والتأمل وسماع الوعظات والأشتراك في الأسرار الألهية المقامة في تلك المناطق المقدسة . زيارة الحاج عندما يلتحق بقوافل الحِجاج هو ليس لكي يرى عملاً سحرياً أو معجزة تتم كشفاء مريض وإن لم يرى فلا يحسب زيارته موفقة وكأنه يجرب قدرة الله كالأبليس الذي تحدث بأفواه قادة اليهود عند الصليب وقال ( لينزل من الصليب فنؤمن به ) . كذلك لك تكن زيارة المؤمن مقبولة إذا كانت غايته من أجل الزيارة لمشاهدة المكان فقك كأي سائح ولأجل التمتع في مشاهدة تلك البلدان والتمتع بالأكل والشرب وشراء الهدايا والتمتع بتلك الأجواء دون أن يشعر بمتعة الصلاة والعبادة والتأمل بحياته الروحية لكي يسلم ذاته الى الله لكي يدخل الى قلبه ويتعشى معه كل يوم . على الزائر أن يعلم بأن زيارة الحج تحتاج الى أستعداد روحي للتأمل والأشتراك مع الجموع في صلاة روحية جماعية تخلق منهم كنيسة صغيرة على مثال الجماعة المسيحية الأولى التي كانت تعيش وكما يقول الكتاب ( قلباً واحداً ونفساً واحدة ) ” أع 32:4″ . وعلى الجميع أن يعلموا بأن وسيطنا الوحيد عند الآب هو الأنسان يسوع المسيح الذي بذل نفسه فداء عن الجميع ” 1 تي 2: 5-6 ” . لكن للعذراء مريم أيضاً دور نحو البشر عند ابنها ، وهذا الدور لا يقلل وساطة المسيح الوحيدة ، بل يظهر قوتها . لأن كل تأثير خلاصي للطوباوية مريم في خلاص البشر لن يولد عن حتمية ما ، بل ينبع عن رضى الله ويصدر عن فيض أستحقاقات المسيح . أنه يرتكز على وساطته ، ويتعلق بها تماماً ، ويستمد منها كل قوته ، ولا يعيق أتحاد المؤمنين بالمسيح بطريقةٍ ما ، بل بفرزه  ” المجمع الفاتيكاني الثاني / دستور عقائدي في الكنيسة ، عدد 60 “ . وهكذا بالنسبة الى زيادة أضرحة القديسين ، هم أيضاً شفعاء لأبناء الكنيسة الأرضية المجاهدة وطلباتهم مسموعة من قبل الرب .

زيارة مقبولة ومثمرة لكل من يزور بأيمان ويحصل على بركات السماء ، وللرب يسوع المجد دائماً

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!