الحوار الهاديء

البطريرك ساكو ومصباح الحقيقة

عندما سَخِرَ الفيلسوفُ اليوناني ديوجين من مفهوم البحث عن الحقيقة حمل مصباحاً فى الظهيرة وسار يتجول به فى الأسواق مدعياً أنه يبحث عنها ، وبذلك قدّم شهادةً دامغة لاكثر التعريفات القريبة للحقيقة ، وهى ان الحقيقةَ موجودةٌ ولكن يُراد ممن يبحث عنها ويعرفها ، من خلال التأكيد على وجود أمرٍ ما .
وغبطة البطريرك مار لويس ساكو السامي الاحترام ، ومنذ ان سِيمَ كاهناً وهو يحمل مصباحَه لينيرَ به طريقَه ويقول الحقيقة ، سواء كان في المجال الإيماني التبشيري للكلمة ( ” اذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ) ، او من خلال إدارته لرعيته صارخاً بوجه (اصحاب الماديات ) وموبخاً إياهم كونه مؤمنٌ بمقولةِ رب المجد «مَكْتُوبٌ: بَيْتُ أبي بَيْت الصَّلاَةِ يُدْعَى. وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوص !»”، فكل من عمل معه يعرف هذه السيرة العطرة لسيادته .
والى الآن وبعد اكثر 47 عاماً من الخدمة الكهنوتية ومازال يحمل مصباحَه مفكراً برعيته وشعبة ووطنه ، وما وقفته مؤخرا في (19/05/2021)على منبرِ جامعة اربيل مطلقاً للعنان فكرَه قائلاً الحقيقة ، وراسماً السبل الكفيلة والقوانين اللازمة لخدمة الانسان، وهذا دليلٌ على انه يفكر ويبحث ويجتهد ويناضل من اجل الحقيقة ، تحدث مطولاً عن الانسانية وكيف ان الدستور ( القانون الأعلى) يجب ان يصاغ لخدمة الانسان . خطب خطبة عصماء قالها ولم يوارب ولم يخفِ شيئا ، فلم تاخذه في قول الحق لومةُ لائم .
تفاصيل كلمتِه معروفةٌ للجميع ونالت استحسان المتطلعين لغدٍ حضاري انساني متطور ، ولكن !!! في عين الوقت كان هناك من يسكن الظلماءَ ، فزاغ نظرهم من هول شعاع الحق ، ولم يطيب لهم سماع الحقيقة فذهبَ الى التشويه وإطلاق الإفتراءات ، والتسقيط والأباطيل ، ولكن هذه المرة مصابيح الحقيقة كانت اسطع واكثر بريقاً فأثرت على افكار ساكني الماضي والداعين الى التفرقة والعنصرية ، فولّوا الأدبار هاربين من وجها .
ان وجود القدوة الذي يحمل كماً هائلاً من المعرفة والغيرة على كنيسته وشعبه ( “لأَنَّ غَيْرَةَ بَيْتِكَ أَكَلَتْنِي، وَتَعْيِيرَاتِ مُعَيِّرِيكَ وَقَعَتْ عَلَيَّ.”) ، تقع على عاتقه امورٌ كثيرة ومتنوعة ، وتحديداً عند غياب دعاة السياسة الذين من المفترض ان يخدموا شعبهم ، لذلك عندما يبادر غبطة البطريرك لويس ساكو بطرح مبادرات تحمل السبل الكفيلة لتوحيد صفوف الافرقاء من الاحزاب والفعاليات السياسية لخدمة شعبهم ورفع الثقل عن كاهل الكنيسة ، يستشيطُ غضباً اربابُ السياسة متحججين بذرائع ان الدين لا يتدخل بالسياسة ، وهذا العذر السمج ممكن وصفه بِ (ذر الرماد في العيون )، ويصح فيهم القول ( انها كلمة حق يراد بها باطل ) ،فعليهِ من يحمل صفةَ السياسي ولا يعمل ويرفض ان يعملَ الآخرون فانه حتما عقبة امام شعبه ويجب إزالته، فالبطريرك لويس ساكو وعلى مدار أكثر من سبعة أعوام طرح جملةً من المبادرات والمقترحات ورسم الكثير من الطرق السالكة لدفع عجلة الوحدة او على اقل تقدير التقارب من اجل الدخول موحدين وبارادة واحدة في العملية السياسة لتجنب الدخول تحت عباءة الاحزاب المتنفذة والإرادات المسيطرة على الساحة السياسية .
والان لنفكر بصوت عالٍ ونقول لكل المعترضين على إداء الصرح البطريرك من حيث تناوله للشأن السياسي ، (مع العلم ان تناوله بعيداً جداً عن التفاصيل او الممارسة) ، اين الجهة السياسية التي تستطيع ان تقدم برنامجها السياسي محتوياً كل تطلعات شعبنا وممثلاً لكل اطيافه ، وطارحاً بشفافية آلياتِه ، من دون تجيير لجهة معينة على حساب اخرى ، ومستخدماً اليات ديمقراطية للتحاور وقبول المختلف بروحية منفتحة قابلة للآخر .
ان غياب هذا النوع من التنظيمات يضع امام ابناء شعبنا جملةً من التساؤلات عن نوع التنظيم المطلوب ، ولماذا في بعض الأحيان رجل الدين الغيور يرى نفسه مجبراً ان يتناول ايجاد الحلول بدل رجل السياسة الغائب أصلاً .
والى ذلك الحين ليبقَ مصباحُكَ غبطة البطريرك لويس ساكو إشعاعاً منيراً لدربِ الحقيقة ، ولنقف خلف إشعاع فكرك الوضاء كلٌ من موقعِه .
الحقيقة، والمصباح يشعان ضوءاً على مر الأيام.

سلام مرقس / باريس

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!