مقالات دينية

خَلق الكَون بين العلم والإيمان

خَلق الكَون بين العلم والإيمان

بقلم / وردا إسحاق قلّو

( السموات تحدِّث بمجد الله ، والفلك يخبر بعمل يديه ) ” مز 1:19 “

العلماء الفلكيون والفيزيائيون يبحثون علمياً عن مصادر تكوين الكون الشاسع جداً رافضين مبدأ وجود الله الخالق ، ومنهم العالم الشهير سيغموند فرويد الذي قال ، أن الله وَهَم ، ومعتقدات كثيرة كالبوذة الذين يقولون لا حاجة إلى المعرفة عن الله . وآخرين يقولون أن الآلهة ليست سوى بشر مثلنا . إذاً فكرة الله الخالق مرفوضة عند الكثيرين ، بل يعتقدون أن فكرة وجود الله سخيفة . أما عالم الفيزياء البريطاني الشهير ” ستيفن هوكينغ ” فأعلن إلحاده في مهرجان ( ستارموس ) المنعقد في جزيرة لابالما ، أحدى جزر الكناري أثناء مشاركته مع مجموعة العلماء ورواد الفضاء ، فأعلن من على كرسيه المتحرك بوضوح عدم أيمانه بوجود الخالق ولا بضرورة وجود الله ، فقال ( ليس هناك حاجة إلى وجود خالق لنشأة الكون ) كما أشار قائلاً : أن الدين مثله مثل العلم ، إذ كِلاهما يفسران أصل الكون ، ولكن أن العلم اكثر إقناعاً ، وبالنسبة له لا أحد يستطيع أن يثبت وجود الخالق ، لكن يمكن التفكير في كيفية نشوء الكون بشكل عفوي ، ونحن نعلم أنه لا يمكن تقديم أي تفسير عقلي إلا عن طريق العلم ، وفي النهاية سنعرف كل ما يعرفه الخالق إذا كان موجوداً فعلاً . كما أقر هذا العالم الشهير فشل العلم في معرفة نشأة الحياة على هذه الأرض ، فكيف يستطيع هو وكل العلماء معرفة أسرار نشأة الكون كله وطريقة تكوينه ؟ والكتاب المقدس يوصف أمثال هؤلاء بهذه الآية ( قال الجاهل في قلبه ، لا يوجد الله ! .. ) ” مز 1:14 ” . لنبحث إذاً آراء العلم والدين عن الخالق .

عن الفلاسفة نذكر منهم ” دافيد هيوم ”  الذي عاش في القرن الثامن عشر ، لم يكن يؤمن بوجود الله . ونظرية داروين التي تم دحضها ، عرضت لنا طريقة تطور الحياة من دون الله ، لكنها لم توضح لنا كيف بدأت أولاً وهكذا لم يستطيع العلم بنظرياته أن يثبت لنا بأن الكون قد وجد في الصدفة . أي أوجَدَ نفسهُ بنفسهِ من لا شىء ، فينسبون بنظرياتهم أصل الكون إلى بداية صغيرة . ومن تلك النظريات نظرية تسمى ( التضخيم ) تقول : ( ما حدث في جزء من الثانية بعد بداية الكَون الذي كان في الأصل بالغ الصغر ، ثم تضخم بسرعة هائلة تفوق سرعة الضوء ) . ونظرية الأنفجار العظيم الذي وقع قبل 13.7 مليار سنة منه بدأ الكون بالتكوين على شكل منفرد ، أي بنقطة الكثافة اللانهائية والحرارة التي يصعب أستيعابها ، أي أن الكون نشأ من حالة حرارة شديدة الكثافة ، ، لكن رغم ذلك تبقى تلك النظرية غامضة ولن تصل إلى معرفة حقيقة بداية الكون .

نقول إن كان الكون في بدايته يتميّز بحجم صغير لا متناه وكثافة لامتناهية ، فمن حقنا أن نسأل ونقول : ماذا كان يوجد قبل ذلك ، وماذا كان هناك خارج ذلك الكون ؟ أي علينا أن نواجه مشكلة البداية . هل يستطيع العلماء اليوم تفسير أصل الكون وتحديد بدايته ؟ موضوع التضخيم ما هو إلا مجرد فرضية أو إدعاء ، وهذا الإدعاء لا يمكن تجربته في المختبر ، فلا يزال الجدال قائماً حول نظرية التضخيم هذه . رُفِضَت هذه النظرية من قبل علماء كثيرين ومنهم البروفيسور ( روبرت جاسترو ) العالم في علم الفلك والجيولوجيا في جامعة كولومبيا ، قال ( قليلون هم الفلكيون الذين توقعوا أن يصير هذا الحدث ” أي الولادة المفاجئة للكون ” حقيقة علمية مثبتة ، لكنَّ رصد السموات بواسطة المقاريب أجبرهم على استنساخ ذلك ) . فقال ، أن المعاني الضمنية لذلك هي : أن الدليل الفلكي على بداية الكون يضع العلماء في موقف حرج ، لأنهم يعتقدون أن لكل معلول علّة طبيعية . أما الفلكي البريطاني ا. أ. مِلّن ، فأعترف قائلاً ( لا يمكننا أن نقدم اقتراحات عن سير الأمور ” عند بداية الكون ”  ) .

في عملية الخلق الإلهية ، الله لا يرى ولا يعاين . وما تزال المشكلة عالقة في علم الكونيات الحديث . فالخبراء عاجزين فعلاً للوصول إلى تفسير أصل الكون وتطوره . وهكذا سيدورون في كل العصور في دائرة مغلقة ولن يستطيعوا بقدراتهم العلمية إكتشاف السر ، إلا بالأعتراف بخالق الكون الحقيقي أولاً ، ومن ثم دراسة الأشياء المخلوقة التي خلقها الله منطلقين من آراء الكتاب المقدس ، وكما يفعل الآثاريون الذين ينقبون الأرض بحثاً عن آثار الحضارات القديمة معتمدين على قصص الكتاب المقدس ، فمكتشف مدينة أور وحضارة سومر القديمة كان الأثاري البريطاني ليوناردو وولي معتمداً على الكتاب المقدس .

الرسول بولس يقول عن بداية الخلق ( فإن ما لا يرى من أمور الله ، أي قدرته الأزلية وآلوهته ظاهر للعيان منذ خلق العالم ، إذ تدركه العقول من خلال المخلوقات ، حتى أن الناس باتوا بلا عذر ) ” رو 20 :1 ” . فالكتاب المقدس بدأه الوحي الإلهي بكتابة آية الخلق قبل كل الآيات ، فقال ( في البدءِ خلقَ الله السمواتِ والأرض . وكانت الأرضُ خاويةً خالية ، وعلى وجه الغمر ظلام . وروح اللهِ يرف على وجهِ المياهِ . ) 1: 1-2 ” .

كيف خلق الله الكون الواسع جداً ؟

   يقول العلماء ، في الفضاء حشود كبيرة من الكواكب والنجوم الهائلة العدد الموجودة في مجرتنا ” درب التبانة ” التي يبلغ قطرها نحو كِنتليون كيلومتر اي ( 10 10 ) كيلومتر ، ويلزم للضوء ( 100,000 ) سنة لقطعها ، وسمك المجر حوالي ( 1000 ) سنة ضوئية  وهذه المجرة لوحدها تضمّ أكثر من ( 100 ) بليون ( مليار ) نجم ! فكل النجوم التي يستطيع الإنسان رؤيتها من سطح الأرض موجودة في مجرة درب التبانة فقط . إلى العقد الثاني من القرن الماضي كان العلماء لا يظنون بوجود مجرات أخرى غير التبانة ، لكن بعد إكتشاف التلسكوبات والمواشير الحديثة وصلوا إلى إكتشاف ( 50 ) مليار مجرة أخرى ، وهل سيكتشفون المزيد ؟ والذي يدهش الجميع هو أن في كل مجرة من تلك المجرات بلايين النجوم ، و بعضها تحتوي على أعداد أكثرمن النجوم مما موجود في مجرتنا . فلو أفترضنا أن في كل مجرة نفس عدد نجوم مجرة درب التبانة فعلينا أن نضرب ( 100 ) مليار ( في ) ( 50 ) مليار مجرة لكي نحصل على العدد الكلي للنجوم . وأقدم جرم سماوي مكتشف يبعد عنا نحو 13,2 مليار سنة ، وعمره يقارب عمر تكوين الكون . أما مساحة الكون فكيف نستطيع أن نتخيلها على ضوء مساحة درب التبانة ، وهل يمتد أكثر من المساحة التي تحتلها مجرات أل ( 50 ) مليار ؟ والغريب جداً أن كل تلك المجرات تتحرك ، ولكل نجم فيها مجالاً مغناطيسياً يدور فيه دون الأقتراب من المجالات المغناطيسية للكواكب القريبة . فإذا خرج أي كوكب من مساره ودخل في مجال كوكب آخر ، فالكوكب الكبير الذي يمتلك قوة مغناطيسية أكبر سيجذب الآخر إليه بسرعة هائلة تؤدي إلى إصطدام الكوكبين وتحطيمها ، ونتيجة قوة هذا الإصطدام قد تخرج وبسرعة هائلة أجزاء من الكوكبين خارج ذلك المجال المغناطيسي لتدخل في مجال الكواكب الأخرى لتحدث كارثة مماثلة . لكننا نجد كواكب كل تلك المجرات ثابتة في مستقراتها كل هذه المليارات من السنين ، فهل هناك من يشرف على هذا النظام الدقيق ، وهل كل هذا الكم الهائل من النجوم خلقت بالصِدفة ؟

في بداية أنجيل البشير يوحنا نقرأ بأن خالق الكون هو الله الآب بأبنه الكلمة ، قال ( به تكوّن كل شىء ، وبغيره لم يتكون اي شىء مما تكوَن ) ” يو 3:1 ” . كذلك يؤكد لنا الكتاب بأن الله قد خلق كل الأشياء المنظورة ، وكذلك خلق الأشياء  الغير المنظورة والتي لا يستطيع العلم أن يكتشفها ، يقول الكتاب عن المسيح الخالق ( إذ به خُلِقَت جميع الأشياء . ما في السماوات ، وما على الأرض ، وما يرى وما لا يرى … كل ما في الكون قد خلق به ولأجله ) ” قول 16:1 ” . وأسفارالعهد القديم تؤكد لنا بأن الخليقة لم تظهر لوحدها كما يدَعيّ العلم ، بل خلقها الخالق . تقول الآية ( أنت وحدك هو الرب ، أنت صانع السماوات وسماء السماوات ، وكل كواكبها ، والأرض وجميع ما عليها … ) ” نح 6:9 ” . أما الذي يشرف ويحافظ على نظام كل كوكب في تلك المجموعة الهائلة من المجرات ، فتقول لنا الآية ( أرفعوا عيونكم إلى العلاء وانظروا ، من خلق هذه ؟ ومن يبرز كواكبها بمجموعات ويدعوها بأسماء ؟ إن واحدةً منها لا تفقد لأنه يحافظ عليها بعظمة قدرته ، ولأنه شديد القوة ) ” أش 26:40 ” .

الله هو خالق الكون ، وقد أنهى كل أعماله في اليوم السادس . وكل ما عمله رآه حسن جداً ” تك 31:1 ” . ولكي نفهم ما خلقه الله الغير المنظور لما هو منظور وملموس ، تقول لنا الآية ( وعن طريق الإيمان ، ندرك أن الكون كله قد برز إلى الوجود بكلمة أمر من الله ) . حتى أن عالمنا المنظور ، قد تكَوَنَ من أمور غير منظورة ، فكيف يستطيع العلم أن يكشف أعمال الله الغير المنظور . لنطرح على العلماء سؤال الخلقة الذي طرحه الله لأيوب قائلاً ( أين كنت عندما أسست الأرض ؟ أخبرني إن كنت ذا حكمة . من حدد مقاييسها ، إن كنت حقاً تعرف ؟ أو من مد عليها خيط القياس ؟ على أي شىء استقرت قواعدها ؟ ومن وضع حجر زاويتها ؟ ….. أخبرني إن كنت بكل هذا عليماً ؟ ) ” طالع إصحاح 38 أيوب ” . سؤاله كان فقط عن تأسيس الأرض . . وهل أكتشف العلماء كل أسرار كوكب الأرض الذي يعيشون عليه وخاصة ما موجود في باطن الأرض وفي أعماق المحيطات ، فكيف يعرفون أسرار خلق الكون كله ؟ ليتمجد أسم الله الخالق الكون بأبنه الوحيد .

المصادر

  • الكتاب المقدس
  • نظرية الأنفجار العظيم
  • آراء عالم الفيزياء الشهير ” ستيفن هوكينغ ” .
  • كتاب ” هل يوجد خالق “

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!