مقالات دينية

إبنة ستالين بين تجاذب الشهوات إلى التوبة والإيمان

وردا إسحاق قلّو   

 

 

إبنة ستالين بين تجاذب الشهوات إلى التوبة والإيمان

بقلم / وردا إسحاق قلّو

سفيتلانا أبنة الماريشال جوزف ستالين زعيم الإتحاد السوفيتي السابق

سفيتلانا أبنة الماريشال جوزف ستالين زعيم الإتحاد السوفيتي السابق . ولدت سنة 1926 وهي أصغر أبنائه ، والبنت الوحيدة لوالدها . توفي أخوها الغير الشقيق ياكوف خلال الحرب العالمية الثانية في الأسر عام 1941 ، كما توفي شقيقها الثاني فاسيلي في عام  1962  في موسكو بسبب إدمانه على الكح-و*ل .

كَتَبت سيرتها الصاخبة التي تحتوي على أخبار سقطاتها المتلاحقة ، وتوباتها العابرة . وسفراتها الكثيرة وزواجاتها المتكرر ، وإنجابها البنين والبنات ، وذلك في كتابها ( عشرون رسالة إلى صديق مجهول ) تروي فيها إعترافاتها صراحةً ، عَرّت بها نفسها أمام القراء من كل ما فعلت في حياتها كإعتراف علني ، في منزل والديها ، والمدرسة ، وفي أثناء سفراتها ، والمال بين يديها تنفقه بدون حساب . كانت من النساء الشهوانيات الفالتات في دنيا الهوى منذ وجودها في بيت والدها الزعيم ستاين وزوجته الثانية أمها التي تزوجها وهي في السادسة عشر من عمرها وهو في السابعة والثلاثين . سبق وأن دخل جوزف ستالين إلى الكلية الأكليريكية ليصبح كاهناً ، لكنه أنقلب إلى دكتاتوراً سفاحاً وعدواً للمسيحية حتى أنه حرّمَ ذكر أسم الله والمسيح في بيته وفي كل روسيا وبلدان الإتحاد السوفيتي الخاضعة لسلطته . كما رفض تعميد أولاده في الكنيسة الأرثوذكسية الروسية . هذا الذي راح يصّفي خصومه السياسيين الذين كانوا يزاحمونه على السلطة ، فَضَحت ستيفلانا في كتابها جرائم والدها قبل وأثناء رئاسته وحتى وفاته عام 1953 .

كتبت ستيفلانا في أحدى رسائلها ( تَرَبينا على يد والدين ملحدين كمدرسة علمانية مثل كل مجتمعنا المادي في العمق والملحد ، بحيث لم يكن أحد يتحدث عن الله مطلقاً ) . جدتي لأبي كانت قروية شبه أمية ترَملت باكراً ، لكنها كانت تغذي ثقتها بالله ، وكانت تقّية وعاملة تحلم بأن تجعل من أبنها كاهناً ، غير أن حلمها لم يتحقق لأن والدي هجر الأكليريكية في الحادية والعشرون من عمره . وكذلك جدتي لأمي كانت تحدثنا عن الله بكل سرور ، ومنها سمعتُ لأول مرة كلاماً عن النَفس وعن الله ، وكان الله بالنسبة لها مصدر الحياة . والدتي كانت في خصام مستمر مع والدي . صدرَ بياناً رسمياً بأن والدتي ماتت بإلتهاب في الزائدة ، أما هي فتركت لنا رسالة بأنها أنتحرت برصاصة في القلب أثر خِلاف حاد مع ستالين . كانا يتحابان ، ويتباغضان في الوقت عينه ( لم يستطيعا أن يعيشا معاً ، ولكنهما لم يستطيعا أن يعيشا منفصلين رغم عدم وجود سلام وهدوء في المنزل إلا في أثناء غياب أحدهما . قالت عنهما صديقتها زوجة الرفيق مولوتوف ” لم يكونا زوجين كاملين ، ولكن يا لهما من زوجين ! “ ).

بدأت سفيتلانا وهي في السادسة عشر من عمرها بمغامرات عاطفية مع الموسيقار اليهودي ( ألكسي كابلر ) وكان يزيدها من العمر مرتين ، فكان يصحبها إلى المسرح والرقص والغناء ، ويقدم لها الكتب الخاصة بالحب والجنس ، فهامت به وبمواهبه فكان لها الأكثر حُباً وخبرة على وجه الأرض ، وهذا ما كان يسحِرها . عاشا معاً حياة رومانسية وعلاقات جنسية دون أولاد ، أنتهت بإلقاء حبيبها في مخيّم الإعتقال من قبل والدها ، وهي تلقت صفعتين موجعتين من يده .

بعد ألكسي كابلر راحت تراود الشاب ( سيرج بن بيريا ) رئيس البوليس السري ، ورفيق والدها ، إلا أنه لم يتجاوب معها ، فتحولت إلى يهودي آخر يدعى ( غريشا مدروزوف ) موظف عادي ، فولدت له إبناً ودعته ( جوزف ) بإسم والدها ، ولكن تهديدات والدها الديكتاتور فتحت باب الطلاق والإنفصال . ثم كان زواج آخر مؤقت من شخص عادي اسمه يوري ، ولدت له ( كاتيا ) وانتهى الزواج الذي دام سنتين .

أصيب ابنها جوزف بمرض شديد ، فكان ذلك تحولاً في حياتها ، وفي عام 1953 تيتمت سفيتلانا بوفاة والدها الزعيم جوزف ستالين فاستبدلت أسم عائلته بعائلة أهل والدتها الليوييفا.

في تلك المرحلة الحافلة بالزواجات الفاشلة والمآسي العائلية ، استفاقت على الإلتجاء إلى الله والصلاة من أجل شفاء إبنها جوزف ، فكتبت في أحدى رسائلها :

( للمرة الأولى في حياتي ، وأنا في السادسة والثلاثين من عمري ، طلبت إلى الله أن يشفيه ، فسمعني وشفاه . ولم أكن أعرف الصلاة بما فيها صلاة ” الأبانا “ لكن الله صالح ولم يكن له إلا أن يستجيب صلاتي ) . وأضافت ( من المحزن جداً أن نعيش بدون الله في القلب ) . ورغم ذلك ظلت مترددة بين تجاذب الشهوات الجنسية ودواعي الآخرة . بعد مرور فترة من الزمن ، أجتاحها شعور بحضور الله في حياتها يدعوها إلى الإيمان والتوبة الصادقة ، قالت ( فطلبت من بعض أصدقائي أن يرافقوني إلى الكنيسة لأقبل سر المعمودية على الطقس الأرثوذكسي في 20 أيار 1962 ، فكان فرحي كبيراً بالتعرف إلى المسيح على الرغم من جهلي الكلي للعقيدة المسيحية ) .

تعمدت بطريقة سرية عن الأهل والأصدقاء في عام 1967 .

إختارت إبنة ستالين الحرية الغربية فغادرت موسكو إلى بلاد الله الواسعة ، إلى لندن ، ومنها إلى الهند ، ثم إلى سويسرا ، ومنها إلى أميركا حيث تجنست وتزوجت للمرة الرابعة وأصبحت أماً لثلاثة أولاد ( بنتين وصبي ) ، ولم تلبث أن طلقت زوجها الأمريكي ، وبقيت أحدى بناتها معها . سافرت إلى إنكلترا حيث أعتنقت المذهب الكاثوليكي . وكانت الفترة تراودها بشدة في الولايات المتحدة الأمريكية ،  كما كتبت :  بدا لي أن إمكانية حياة عادية هادئة قد بلغتني ، لكن الأضطراب والمرارة قد أستوليا عليّ ، فأنتهى الأمر بالطلاق ، وكانت حياتي الروحية مضطربة كحياتي كلها ، إذ وجدتني أمام ديانة مسيحية أميركية متعددة المعتقدات وأنا كنت في حاجة إلى أن أكتشف أين هي الديانة الصحيحة في وسط تعددية الطوائف ، كان لي تَيَهان فكري في الدين ( أتصلت بالمراسَلة بكاهن كاثوليكي إيطالي ، ومعه أخذت أتقرب من الكنيسة الكاثوليكية … واسهمت المطالعة الدينية والأتصالات الشخصية بمؤمنين كاثوليك فتقربت أكثر وأكثر من الكنيسة الكاثوليكية .

في سنة 1976 ألتقيت في كاليفورنيا بعائلة كاثوليكية ( روز ومايكل ) فأمضيت في منزلهما سنتين ، فتقواهما وإهتمامهما بي وبأبنتي قد حَرَكاني نحو العمق ، لقد أصبحت أبنة ستالين قريبة جداً من الهدف الذي تسعى إليه . صادفتها بعض الصعوبات ، منها إنها تخاف أشتهار أمرها وإنتشار الخبر ، إذ كانت وسائل الإعلام الأمريكية تلاحقها وتترصدها .

بعد خمس عشر سنة في أميركا أنتقلت إلى لندن ، ومنها إلى كمبرج التي تم فيها أرتدادها النهائي الراسخ ، كتبت : ( في يوم مصقع من أيام كانون الأول 1982 ، كان عيد القديسة لوسيّا من أسبوع الميلاد الذي كنت دائماً أحبه تحقق القرار المنتظر منذ زمن بعيد بأني دخلت حضن الكنيسة الكاثوليكية في بادىء الأمر ، نظراً لجذورها الأرثوذكسية ، أستصعبت مسألة الأعتراف السري عند الكاهن ، إى أنها تغلبت على هذه الصعوبة : أما القربان فكان لي ضرورة حياة … كما إني كنت أعتقد بأن حب مريم العذراء هو شأن يخص الفلاحين والمزارعين السذج من أمثال جدتي ، غير إني عدت فاقتنعت بها ، فقلت : من كان يستطيع أن يكون محاميَّ الوحيد سوى أم يسوع ؟ فهي التي قربتني منها ، هي تلك المباركة بين النساء ، والتي تطوبها جميع الأجيال … ) .

كانت روسيا تناديها للعودة إليها ، ففي سنة 1984 عادت إلى موسكو ، فاستقبلت إستقبالاً رائعاً ، وقدمت لها الدولة منزلاً فخماً تقيم فيه مع ابنتها . وبعد سنة تعِبَت من المدينة فكتبت إلى الرئيس ميخائيل غورباتشوف ( لست مرتاحة ، موسكو لا تعجبني ، لم أكن أتصورها هكذا ، أريد أن أعيش في جورجيا أرض والدتي ، وأن أضع ابنتي على أتصال مع شعبها ) فجاءها الأمر بالإنتقال إلى العاصمة تفليس حيث شعرت بارتياح وحيث يمكن لأبنتها أن تتابع دروسها ويكون لها رفاق وأصدقاء . وبعد مدة قصيرة احتقرت الكرامات والهدايا . وفي أوائل نيسان 1986 ، غادرت بلادها ومسقط رأسها بصورة نهائية .

في الختام تبين بأنها ذهبت لتقضي فترة حياتها التائبة في دير للراهبات المحصّنات في إيطاليا عاكفة على أعمال التوبة وكتابة مذكرات حياتها الصاخبة التي تحوّلت إلى فيلم سينمائي . ثم عادت إلى مدينة ويسكنسن الأمريكية لتقضي حياتها الباقية في دار للمسنين حيث توفيت في 22 تشرين الثاني 2011 عن عمر 85 عاماً ، مزودة بالأسرار المقدّسة ، وأذاعت وسائل الإعلام العالمية نبأ انتقالها من هذه الحياة الفانية إلى ملكوت الآب السماوي .

المصادر

  • كتاب المرتدون شهود الحقيقة – الجزء الثاني للأب أغناطيوس سعادة
  • تقارير عن ابنة ستالين على النت مع الصور

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!