الحوار الهاديء

شماعة الفاتيكان وفصاحة اللسان / كتابات مبعثرة على المواقع نموذجاً

الكاتب: الدكتور صباح قيا
شماعة الفاتيكان وفصاحة اللسان / كتابات مبعثرة على المواقع نموذجاً

د. صباح قيّا
ما لاحظته من خلال ممارسة مهنتي بعد عودتي من المملكة المتحدة إلى أرض الوطن عام 1980 , خلته سيقفز بي إلى حيث يصطف الباحثون المرموقون , ويجعل من إسمي علماً استطاع أن يكتشف ما عجز عنه من علمني أبجدية الطب في بلدي الحبيب … لم تستمر بهجة اكتشافي تلك طويلاً …. ضاعت الأحلام وتلاشى البناء الذي شيدته ألأفكار الشبابية الطموحة الممزوجة بح*ما*س الطفولة وعفويتها التي ترافق الإنسان عموما عند حصوله على ما لم يكن ضمن مشاريعه المخطط لها … لم تكن التغيرات الحاصلة في مخطط كهربائية القلب التي ظهرت عند عدد غير قليل من المصابين بمرض ” حمى التايفوئيد ” المستوطن في العراق خافية على جهابذة الطب وعشاق البحث في العالم الغربي … لقد فاجأني الكمّ الهائل من المنشور في أربعينيات القرن الماضي عن نفس الموضوع والذي لمسته عند مراجعتي أدبياته …. ولكن ما أدهشني هو إتفاق الأغلبية بل ربما الجميع وقتئذٍ بأن التغيرات تلك ناجمة عن نقص ” فيتامين بي المركب ” , ويعود المخطط لحالته الطبيعية حال تعويض النقص … بصراحة مثل ذلك التعليل يثير سخرية أي طبيب معاصر , وقد يضحك منه اليوم حتى طلبة كلية الطب …. كما أن مثيلات هذه المعلومات ليست غريبة عن المجتمع العلمي , وأبسط نموذجٍ ٍ على ذلك هو ماكان معروفاً عن بعض العقاقير وتأثيرها السحري على مرض ما , ثم أثبتت الدراسات بعدئذٍ عدم صحة ذلك بالرغم من الهالة العظيمة التي أحاطت ذلك العقار سواء دعائياً أو تجربةً … وصدق من قال : ” حقيقة اليوم قد تصبح خرافة غداً , وخرافة اليوم قد تصير حقيقة غداً ” … وتذكرت أيضاً ما يتردد بين الأوساط الطبية في العالم المتحضر ” نصف ما نقرأ صحيح ونصفه خطا , والمشكلة تكمن في عدم معرفتنا أي النصف هو الصحيح وأيهما الخطا ” .
ألسؤال الذي يتبادر الآن : إذا تاه الصحيح وضاع الخطأ في عالم الطب الذي يتعامل مع حياة الناس وبهذه النسبة , فكم هي نسبة الخطأ والصح في المرافق الحياتية الأخرى , وخاصة في التاريخ الذي يكتب من قبل شخص يتأثر على الأكثر بأهوائه , انتمائه , مزاجه , ميوله , عواطفه , وما شاكل من المشاعر التي تؤثر على الجنس البشري سلباً أو إيجاباً … ربما يتذكر البعض ما درسه عن التاريخ العربي والإسلامي والمبالغات أو المعلومات غير المنطقية التي ترد فيه كالقول : وقد جهز له جيشاً جراراً تعداده ” كذا ” ألف ( رقم خيالي لذلك الزمان ) , وتتقدم الجيش مئات أو ألوف من الفيلة .. كيف وصل ذلك العدد الهائل من
الهند أو أفريقيا إلى بلاد فارس أو بلاد الرافدين , أو إلى بلاد الروم البيزنطيين ؟ … على متن أية طائرة نُقل ؟ … حقاً إنه المضحك المبكي …
من المعروف بأن الدراسلت العلمية تتم أولاً من خلال ” الملاحظة ” , والتي تبنى علي أساسها ” ألفرضية ” , وقد تسند الفرضية أو ترفض بعد التجربة أو بعد ملاحظات إضافية , وعند دعم الفرضية بتجارب متعددة تصبح ” نظرية ” , وممكن القول بأن النظرية هي فرضية مقبولة . وبعد نجاح النظرية وثبوتها من غير شكوك تصبح قانوناً … ورغم ذلك هنالك قوانين دحضت لاحقاً وتبين عدم صحتها , وعليه لا توجد حقيقة مطلقة في العلم , بل حقائق مبنية على ملاحظات لا تقبل الجدل …. أين يقف التاريخ من هذا التسلسل الذي هو من صنع إنسان ربما عاصر الحدث جزئياً أو كلياً , أو سمع عنه . أو طالعه من مصدر أو أكثر , أو جمع عنه معلومات من هنا وهناك واختار منها ما يرتأيه كي يخرج بها على محبي المعرفة والإطلاع بما يتناسب مع أفكاره وأهدافه المنشودة , ولكن , للأسف الشديد , فاته بعفوية أو بقصد , بأن الكثير من القراء لا يقرأ السطور فقط بل ما بين السطور وما تخفي وراءها ..
والآن أقول لدعاة فك الشراكة الإيمانية مع الفاتيكان , وإلى حاملي النزعة الإستقلالية في هذا الجانب فقط , وإلى أصحاب الفرضية القائلة بأن إعلان الإستقلال عن الكنيسة الأم سيأخذ بالكنيسة الكلدانية إلى حيث يتحقق في أحلام المنام . من حسن الحظ أن هذه الفرضية المزعومة لم تصبح نظرية بعد ولن تصبح لأسباب شتى سبق التطرق لأكثرها من قبل بعض الإخوة الكتاب . ألسؤال : ماذا حلّ بالمسيحية المستقلة في الشرق منذ فجرها ولحد اليوم .. ألم تصنع الدين الإسلامي بدعة الأيبونيين المستقلة وما شاكلها ؟ أين المسيحية في مكة واليمن والخليج والمغرب العربي ومنطقة الهلال الخصيب وبلاد الرافدين ووووو ؟ ألم يكن الأفول المسيحي وانقراضه الكلي أو الأغلب سببه البدع الأستقلالية والتي أسموها ” هرطقة ” في ذلك الزمان …., ماذا حصل للمسيحية بعد إنشقاق عام 1054 م وانسلاخ الكنائس الرسولية الشقيقة في أنطاكية والإسكندرية والقدس والقسطنطينية عن الرأس في روما … هل توحدت من انشقت أم أصابها انشقاق ثم انشقاق بفعل عشاق الفردية الإيمانية … لماذا وكيف سقطت القسطنطينية عام 1453 م وذاب معقل مؤثراً من الجسد المسيحي تبعثرت أجزاؤه هنا وهناك لتستقر ككومة محددة في منطقة اليونان …. لماذا حافظ الغرب على مسيحيته رغم كل التحديات السابقة واللاحقة , ألمرحلية والآنية ؟ ألم يساهم البابا ” بيوس الثاني ” في إيقاف الزحف التركي ويهزمه شر هزيمة ؟ , لولاها لكانت المسيحية في الغرب بل في العالم في خبر كان . ألم تقود الكنيسة الحملات الصليبية الدفاعية من أجل إعادة
الشرعية وإنقاذ المسيحيين هنالك من بطش واضطهاد السلطات الإسلامية الحاكمة ؟ … بصراحة , ومن وجهة نظري المبنية على المتابعات المرئية واستدلالاتها الأساسية إضافة إلى الإستنتاجات المنطقية , أستطيع القول بثقة بأن السبب الرئيسي لسقوط المسيحية في عالمنا الشرقي هو انفرادها الفكري والإداري عن الكنيسة الأم نتيجة قصر نظرها وسوء تقديرها مدفوعة بغريزة الأنا التي لا تنسجم إطلاقاً مع التعاليم الالهية …
أسفاً لمن يطالع التاريخَ ومن دروسه لا يتعلم ُ…

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!