ومضـة:…. خلل في البوصلة مابين موتين!

الكاتب: كمال يلدو
 
ومضـة:
خلل في البوصلة مابين موتين!
 
كمال يلدو

في تموز 2013 اغتال الظلاميون المناضل التونسي محمد البراهمي، فأنتفضت  تونس ليس للمطالبة بالأقتصاص من الق*ت*لة وتقديمهم للمحاكم، بل للأقتصاص من الحكومة والذي يقف خلفها، تلك التي اوصلت البلاد الى اعتاب الأنهيار والأغتيالات السياسية. فدماء الشهيد شكري بالعيد الذي اغتيل  قبل البراهمي بحوالي خمسة شهور ما كادت تجف، وحينها طالب المتظاهرون، ومازالوا لليوم ، عبر التظاهرات والأحتجاجات والوقفات، بكشف الق*ت*لة، وتصحيح مسار البلد بغية سد الأبواب على التطرف والفساد ووضع تونس على طريق اهداف ثورتها.

 اذن انتفضت تونس، ومازالت لليوم تجرب العصيان والأعتصامات ، رغم المقاومة التي تلقاها من حكومة حزب النهضة الأسلامية (الحاكم) وحلفائه، فبدأت تتوالى الأستقالات من البرلمان ولجانه، وربما مؤسسات حكومية اخرى. المطالبة صارت واضحة.  فبعد عام على تولي حكومة الترويكا قيادة البلد،  فشلت في تلبية اهداف الثورة التونسية الأصلية المتمثلة في القضاء على الفساد الأداري ومعالجة البطالة وتطوير التنمية الأقتصادية وحماية الحريات الشخصية للمواطن.

 
اغتيال المناضلين المعارضين شكري بالعيد ومحمد البراهمي، اعادا للأذهان مأثرة الأنسان، الشهيد( محمد البو عزيزي) الذي اشـــعل بموته فتيل الربيع العربي،  حيث بقت نيرانه مستعرة ، وأن هدأت هنا او هناك، فما زالت تحت الرماد متوقدة ومتأهبة للأنفلات مرة اخرى لتصحيح المسارات، كما حدث مع محمد مرسي في مصر، ومرشـــح ان تحصل في عواصم اخرى لتحصد المفسدين ، وأعداء الحريات المدنية والديمقراطية المعشعشين في هذه البلدان.
 
مثل بالعيد والبراهمي، ق*ت*ل الشخصية الوطنية العراقية كامل شياع على طريق الخط السريع بالأسلحة الكاتمة للصوت وهو في طريقه لزيارة امه، في وضح النهار يوم 23/8/2008، وبعده ق*ت*ل الناشط والأعلامي البارز هادي المهدي في شقته وبمسدس كاتم للصوت يوم  8/9/2011وفي وضح النهار ايضا. ق*ت*ل هاذان المناضلان، وجرت لهما مراسيم تشيع لائقة بهم من قبل رفاقهم وأحبتهم وأهاليهم، فيما تعهدت الدولة بالبحث عن الجناة وتقديمهم للعدالة ، وما زالت لليوم تبحث.

 
في تونس، يؤرخ الزمن لهذا الشعب مأثرته التي ستبقى درسا لشعوب كثيرة.  فالموت بالنسبة لهم يعني البحث عن مسببات الحياة، الموت يعني اجتثات العصابات والق*ت*لة والمفسدين، الموت يعني، التأسيس لحكومة مدنية تعالج مشاكل المجتمع وتقضي على التطرف والأنفلات والعصابات الأجرامية. هذا هو الموت بنظر التوانسة، الذين هبوا لمواجهته بصدور عارية غير مبالين لتهديدات العصابات والأرهابيين ايا كان لونهم او دينهم، فهؤلاء سيهزمون مثلما هزم (بن علي) قبلهم!
 
في العراق، يق*ت*ل كامل شياع وهادي المهدي، ويق*ت*ل الآلاف قبلهم، والآلاف بعدهم ، لابل يق*ت*ل العراقيون كل يوم، ويبقى هذا الشعب يمارس طقوسـه في التشييع وأقامة سرادق العزاء وأستقبال المعزين. في العراق، يق*ت*ل الناس ليس على الهوية فحسب، بل انهم مستهدفون كونهم اجسام متحركة في هذه الرقعة الجغرافية من العالم.  يق*ت*لون، ويرفع العراقيون اياديهم للسماء، تماما كما كانوا يرفعوها ايام حروب صدام وبطش عصاباته، ولكن ، ما من مجيب!
 في العراق يذبح الناس يوميا، ومازالوا يقولون (حسبي الله ونعم الوكيل)، ويستمر الذبح، ويستمر الدعاء!
 في العراق يخرج علينا الحاكم ويلومنا لأننا تواجدنا في مناطق يقوم الأرهابيون بعملياتهم فيها، ويحذرنا من التمرد والتململ، لأن التفجيرات لم تحصد الآلاف، بل فقط العشرات، وأن الأنتحارين قد ق*ت*لوا في هذه التفجيرات ايضا.
 في العراق، لاتوجد استقالات للمسؤولين احتجاجا على سوء الأوضاع، بل بالحقيقة هناك سلة من القوانين يراد الموافقة عليها تخص  حقوق اعضاء وعضوات مجلس النواب، كما يجري التأكيد على عطلهم وأستراحاتهم وأجازاتهم السنوية من اجل الحج او حضور مراسيم العزاء التي تقام سنويا في كربلاء.
 
في العراق، ق*ت*ل كامل شياع وق*ت*ل هادي المهدي ويق*ت*ل الآلاف، ومازال الحاكم مطمئنا على كرسيه هو وحاشيته وكل حلفائه، فقد تمكن لهذه السنوات من حمايتنا من سيطرة القاعدة او عودة البعث، هاتان القوتان التي ما عاد شهدائنا يهتمون بها كثيرا، فقد ماتوا وأرتاحوا من كل هذا الضجيج الأعلامي حول القاعدة والبعث الصدامي والموت المجاني.وبعد كل تفجير ، وكل اهتزاز للبنايات والمدن المتهالكة، يسأل البعض عن شعب العراق، ويقظته ، وسباته، ونومه ومماته، يسأل الناس ويلحون بالسؤال!
 
في العراق يموت الناس حتى يدفنون، اما في تونس فيموت الناس حتى يحيا الآخرون ويتحررون من الخوف والآرهاب والفساد.
 
كمال يلدو
آب 2013
 
 
 ..