مقالات

المحكمة الاتحادية العليا ومبدأ حجية الاحكام القضائية تعليق على قرار المحكمة (22/اتحادية/2023)

أصدرت المحكمة الاتحادية العليا القرار (22/اتحادية/2023) الصادر بتاريخ 18/4/2023 بمناسبة دعوى أقامها المفتشين العمومين بشأن استحقاقهم الوظيفي بعد الغاء وظائفهم وتضمن القرار ما يأتي:
1-رد دعوى المدعين بخصوص الطعن بعدم صحة الفقرة (1) من قرار مجلس الوزراء المرقم (389) لسنة 2019 المعدل بالقرار (464) لسنة 2019 لعدم وجود ما يخل بصحتها.
2-رد دعوى المدعين بخصوص الطعن بعدم صحة الفقرة (2) من قرار مجلس الوزراء المرقم (389) لسنة 2019 المعدل بالقرار (464) لسنة 2019 لعدم تحقق المصلحة في الطعن المذكور.
3-رد دعوى المدعين بخصوص الطعن بعدم صحة الفقرة (3) من قرار مجلس الوزراء المرقم (389) لسنة 2019 المعدل بالقرار (464) لسنة 2019 لسبق الفصل فيه.
وبشأن احكام القرار نسجل الاتي:
اولاً: تعد احكام المحكمة الاتحادية العليا في العراق عنواناً للحقيقة والعدالة ذلك انها تقوم بمراقبة تطبيق أحكام الدستور كأهم وثيقة بالدولة تنظم الحقوق والحريات العامة ومدى مطابقة احكام القوانين والأنظمة لها ولذلك اهتم واضع التشريع الدستوري بأحكامها وعدها باتة وملزمة للسلطات كافة وكذلك تبرز أهميتها من تمتع احكامها بالحجية المطلقة اتجاه السلطات والافراد كافة.
ثانياً: بناءً على ما تقدم وفيما يتعلق بالدعوى موضوع بحثنا نشير الى انه سبق وان تصدت المحكمة الاتحادية العليا بالقرار (218/اتحادية/2022) الى الدعوى المقامة من المدعي (الدكتور علي حميد كاظم الشكري) بشأن درجته الوظيفية في وزارة التعليم العالي والبحث العملي بعد ان جرى نقله اليها من وزارة الثقافة والسياحة والاثار وتضمن القرار انفاً رد دعواه بخصوص الطعن بصحة الفقرة (3) من قرار مجلس الوزراء المرقم (389) لسنة 2019 المعدل بالقرار (464) لسنة 2019 لعدم وجود ما يخل بصحتها.
ثالثاً: لقد ثار الجدل دائماً حول حجية الاحكام القضائية الدستورية ، ومدى تمتعها بالحجية المطلقة او الحجية النسبية فالحجية المطلقة لأحكام المحاكم الدستورية تتعلق بعدم دستورية نص في القانون او النظام ، وهو ما لا خلاف فيه بين القضاء الدستوري والفقه الدستوري بصورة عامة لوضوحه ومطابقته لأحكام الدستور والعلة من التشريع ومن انشاء المحاكم الدستورية ، ولكن الخلاف يثور بشأن الحجية المطلقة او النسبية بالنسبة للأحكام القضائية بشان دستورية نص في القانون او النظام ، سيما ان الدساتير او قوانين المحاكم الدستورية لا تتضمن أحياناً نصوصاً تميز بين ذلك ، إذ إنه في النهاية يجب التمييز بين القضاء الدستوري بوصفه من القضاء العيني وليس الشخصي وبين القضاء العادي ، لأن القضاء الدستوري ينصب على مخاصمة نص بالقانون بدعوى مخالفته لأحكام الدستور، اذ ان المحكمة الدستورية تنظر بالنص المطعون به من كافة الأوجه سواء التي أدرجت ضمن الدعوى ، او التي لم تدرج وتسعى هنا المحكمة إلى فحص النص والتأكد من مدى ملائمته لأحكام الدستور ، وينبغي هنا الإشارة الى ان ما تقدم يسري على ما يصدر من المحكمة الاتحادية العليا بشان الرقابة الدستورية ، او قراراتها في تفسير نصوص الدستور .
رابعاً: لا تقتصر الحجية المطلقة لأحكام المحكمة الاتحادية العليا على دستورية نص او عدم دستوريته إنما تمتد الى احكامها بشأن تفسير نصوص الدستور وهو اتجاه موفق تبنته المحكمة الاتحادية العليا في العراق بالعديد من قراراتها ونحن نؤيد هذا الاتجاه لأنه ينسجم مع احكام الدستور وقانون المحكمة الاتحادية العليا بشان احكامها وما لها من حجية ، وكذلك فان قرارات المحاكم يجب ان تتسم بالوضوح للكافة ولغرض قيام المتخاصمين بمراعاة ذلك عند تقديم الطعون سيما من المختصين من رجال القانون سواء من المحامين ، او ممثلي الدوائر القانونية في الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة .
خامساً: ان التمييز بين الحجية المطلقة او النسبية يرتب اثاراً مهمة يجب الوقوف عندها ، لأهميتها الكبيرة فالحجية النسبية هي حجية الاحكام القضائية بالنسبة لأطراف الدعوى بشان دستورية نص ، ولا تمتد للغير بينما الحجية المطلقة ، فإنها تمتد للغير وتسري بحق الكافة وملزمة للسلطات كافة ولذلك فان دستور جمهورية العراق لسنة 2005 نص بأحكام المادة (93) منه (قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة) ، وهنا اكد المشرع العراقي الحجية المطلقة لأحكام المحكمة الاتحادية العليا بشان القرارات القضائية القاضية بعدم دستورية نص في القانون او النظام ، اما القرارات الصادرة بدستورية نص او رفض الدعوى بسبب عدم تحقق المصلحة او مواعيد الطعن في حال اشتراطها فهل يمكن عدها تتمتع بحجية مطلقة ؟ فان ذلك ما يثير الخلاف وان كانت المحكمة الاتحادية العليا في العراق عدت الحكم بدستوريته نص يتمتع بحجية مطلقة.
سادساً: تبنت احكام المحكمة الدستورية في مصر التمييز بين الحجية النسيبة بين حالتين : هما ان القرار القضائي برفض الدعوى يتمتع بحجية مطلقة في حال كان رفض الدعوى لأسباب موضوعية ، ويتمتع بحجية نسبية اذا كان رفض الدعوى لأسباب شكلية لان الرفض في الحالة الأخيرة لا يعني ان نص القانون المطعون فيه مطابق لأحكام الدستور ، وانما المحكمة لم تنظر من الناحية الموضوعية فيه وانما اقتصر النظر في الجانب الشكلي من الطعن من دون الجانب الموضوعي ، ومن ثم يمكن القول ان قرارات المحاكم الدستورية التي تصدر برفض الدعوى لعيب شكلي يمكن لخصم اخر اقامتها مرة ثانية امام المحكمة ذاتها .
سابعاً: قررت المحكمة الاتحادية العليا _ وعلى وفق ما استقر عليه قضائها بالعديد من قراراتها _ ومنه القرار المرقم بالعدد (6/اتحادية/2023) الصادر بتاريخ 1/2/2023 ، بان الحجية المطلقة تنعقد للقرار القضائي الصادر بشأن دستورية نص في القرار وعدم مخالفته لأحكام الدستور الصادر استناداً لاختصاصها المشار اليه بأحكام البند (ثالثاً) من المادة (93) من الدستور التي تنص على (الفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية والقرارات والانظمة والتعليمات والاجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية، ويكفل القانون حق كل من مجلس الوزراء وذوي الشأن من الافراد وغيرهم حق الطعن المباشر لدى المحكمة) ، ولذلك جاء قرارها بالنص على ( وحيث ان القرارات التي تصدر من المحكمة الاتحادية العليا هي قرارات باتة وملزمة لجميع السلطات والأشخاص، وان الاحكام الصادرة من المحاكم العراقية التي حازت درجة البتات تكون حجة فيما فصلت فيه، ولا يجوز قبول أي دليل ينقض حجية الاحكام الباتة وفقاً لأحكام المادتين (106،105) من قانون الاثبات رقم(107) لسنة 1979 المعدل، وحيث ان الاحكام الصادرة عن المحكمة الاتحادية العليا لا تقتصر على اطراف الدعوى فقط، وان الحكم بصحة او عدم صحة نص معين تكون له الحجية المطلقة على جميع المؤسسات والافراد ، لذا يكون طعن المدعين في الفقرة المذكورة واجب الرد من هذه الجهة) ، وقد اكدت ذلك المحكمة بقرارها المرقم (33/اتحادية/2022) الصادر بتاريخ 19/4/2022 وقرارها المرقم (48/اتحادية/2022) الصادر بتاريخ 11/5/2022 وقرارها المرقم (187/اتحادية/2021) الصادر بتاريخ 29/12/2021، وكذلك اكدت المحكمة الاتحادية العليا الحجية المطلقة في حال ردت المحكمة الدعوى لعدم الاختصاص كما في القرار المرقم بالعدد (35/اتحادية/2022) الصادر بتاريخ 10/5/2022الذي نص على ( وتجد المحكمة الاتحادية العليا انها سبق وان فصلت في موضوع الدعوى بموجب قرار الحكم الصادر عنها بالعدد(147/اتحادية/2019) في 2/5/2021 بالدعوى المقامة من قبل المدعي (المحامي معن نوري عبد المحسن بلال) ضد المدعى عليه (رئيس مجلس النواب /إضافة الى وظيفته) المتضمن رد دعوى المدعي المذكور لعدم الاختصاص، وحيث ان القرارات الصادرة من هذه المحكمة باتة وملزمة للسلطات كافة وذلك استناداً لأحكام المادة (94) من دستور جمهورية العراق لعام 2005 والمادة(5/ثانياً) من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم(30) لسنة 2005 المعدل بالقانون رقم (25) لينة 2021 لذا فان دعوى المدعين تكون واجبة الرد…).
استناداً لما تقدم فان المحكمة الاتحادية العليا بقرارها المرقم (22/اتحادية/2023) سارت بنفس منهجها السابق بشأن الحجية المطلقة لأحكامها في حال كان الطعن منصباً على قرار سابق لها تضمن الحكم بعدم دستورية نص في القانون او النظام او دستوريته او لسبق الفصل فيها لعدم الاختصاص.
المستشار القانوني
د. عباس مجيد الشمري
باحث قانوني

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!