هل يطيح ترامب بزيلينسكي
هل يطيح ترامب بزيلينسكي
المصالح الأوروبية لا تلتقي مع المصالح الأميركية في أوكرانيا والصراع الذي يحمل جذورا تاريخية مثيرة للجدل بين الجانبين لم يكن حسب مراقبين بسبب خلفيات سياسية أو جيوسياسية فقط.
ستنتهي الحرب.. ولكن بشروط من؟
تبنت الولايات المتحدة سياسة دعم مطلق لأوكرانيا، سواء عبر المساعدات العسكرية أو المالية، لكن تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال المؤتمر الصحفي أوضحت تحولا كبيرا في هذا النهج. بدا ترامب وفريقه، خاصة نائبه جيدي فانس، أكثر ميلا إلى إنهاء الحرب عبر المفاوضات، حتى لو كان ذلك يعني تقديم تنازلات لروسيا. العلاقة الأميركية – الأوكرانية هذه الأيام ليست على ما يرام. بعد اجتماع الرئيس الأميركي مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض، حصلت مشادة كلامية ساخنة كادت تصل إلى تبادل اللكمات بينهما. الخلاف جاء بعدما رفض زيلينسكي مقترحات ترامب وشروط وقف الحرب مع روسيا، ومحاولته التحلل من صفقة المعادن. المهم أن الرئيس الأوكراني مصرّ على أن إنهاء الحرب بشروطه وبالانسحاب الروسي من المناطق التي احتلها الجيش الروسي.
إننا اليوم أمام عهد جديد، فالرئيس الأميركي يسير نحو تحقيق مصالح بلاده بخطى متسارعة. الملف الأوكراني مهم ويحتل مرتبة متقدمة في أجندته الخارجية. صفقة المعادن هي التي سال لعابه لها. في وقت سابق، توصلت أوكرانيا والولايات المتحدة إلى اتفاق حول شروط صفقة المعادن النادرة التي يريد ترامب الحصول عليها من أوكرانيا، مقابل ما أنفقته واشنطن لدعم كييف عسكريا في حربها مع روسيا. وحسب ما يرشح من تقديرات، فإن أوكرانيا تمتلك 5 في المئة من “المواد الخام الحيوية” في العالم، ومنها: مليون طن من الاحتياطيات المؤكدة من الغرافيت، والتي تستخدم في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية. كما أنها تستحوذ بمفردها على ثلث جميع رواسب الليثيوم الموجودة في أوروبا، وهي المكون الرئيسي في صناعة البطاريات الحالية.
لا بد من الإشارة إلى أن الرئيس الأوكراني بدأ يشعر بالخطر المحدق به، وأن أوروبا لا تستطيع أن تكون له جدارا حديديا وتقف ضد ترامب. ربما هذا ما عوّل عليه زيلينسكي، ولكن بعد الخلاف بينه وبين ساكن البيت الأبيض، أدرك الرئيس الأوكراني هشاشة الموقف الأوروبي، وقوة أميركا. لهذا جاء تصريحه قبل أيام ليؤكد تخوفه وشكوكه في صمود أوروبا وحمايته من اللكمات الأميركية، وقال: إنه يريد “تصحيح الأمور” مع دونالد ترامب والعمل تحت “القيادة القوية” للرئيس الأميركي لضمان سلام دائم في أوكرانيا.
◄ في ظل هذا المشهد المتسارع، الصراع اليوم في أوكرانيا لم يعد صراعا بين كييف وموسكو، بل هو عراك بين القوى الأوروبية والولايات المتحدة على خلفية أطماعهما في أوكرانيا
وفي هذا السياق، ما يبحث عنه الرئيس الأوكراني هو عضويته في حلف الناتو. والمعلوم أن حلف الناتو ضد روسيا وطموحاتها التوسعية. خوف الأوكرانيين من سياسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يصر على السيطرة على أجزاء كبيرة من أوكرانيا قد يكون في مكانه، وأن تكون أوكرانيا هي حديقته الخلفية من أجل صد التوسع الأوروبي. فانضمام أوكرانيا لحلف الناتو يعني أن حدود روسيا أصبحت مكشوفة ومهددة من قبل الناتو.
من هذا المنطلق، لا تلتقي المصالح الأوروبية مع المصالح الأميركية في أوكرانيا. لكن الصراع الذي يحمل جذورا تاريخية مثيرة للجدل بين الجانبين، لم يكن حسب مراقبين بسبب خلفيات سياسية أو جيوسياسية فقط، بل إنه أيضا تكالب دولي على خيرات بلد بات الخط الفاصل والأحمر ونقطة اللاعودة في هذه المواجهة الخطيرة بين قوتين.
أما فيما يخص مصالح الغرب في أوكرانيا، فيمكن الوقوف بداية عند مسألة الثروات الزراعية، من خلال ما قاله النائب الفرنسي عن حزب التجمع الوطني “اليمين المتطرف” ألكسيس جولي في 30 نوفمبر 2022، خلال مداخلة له بالبرلمان أمام وفد أوكراني، إن “ما يناهز نصف الأراضي الزراعية الأوكرانية باتت بين أيدي صناديق الاستثمار الأميركية.” فتحت تلك التصريحات يكمن النقاش حيال مسألة الاستثمارات الأجنبية في القطاع الزراعي الأوكراني، علما بأن هذه القضية ليست جديدة، حيث سبق وأن أجّر مستثمرون فرنسيون أراضي صالحة للزراعة في أوكرانيا.
في ظل هذا المشهد المتسارع، الصراع اليوم في أوكرانيا لم يعد صراعا بين كييف وموسكو، بل هو عراك بين القوى الأوروبية والولايات المتحدة على خلفية أطماعهما في أوكرانيا في جميع المجالات الزراعية والمعادن الثمينة. إذا، ما يجري اليوم من حرب طاحنة منذ أكثر من ثلاث سنوات ليس حبا في زيلينسكي الذي ارتمى في أحضان الرئيس الأميركي السابق جو بايدن وأوروبا، بل طمعا في خيرات أوكرانيا. ويبدو أن من يكسب الجولة هو ترامب، وهذا ما تدل عليه تصريحات زيلينسكي الأخيرة التي قال فيها إنه يطمح لسلام دائم مع الأميركيين. فهو يريد أن يبقى رئيسا لأوكرانيا على حساب مصالح بلاده، قبل أن يقدم ترامب على التخلص منه بطرق شتى. فكل المؤشرات تدفع نحو هذا السيناريو.
فتحي أحمد
كاتب فلسطيني
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.