هل يسري سبق الفصل على القرار التفسيري؟ قراءة في القرار
هل يسري سبق الفصل على القرار التفسيري؟
قراءة في القرار التفسيري للمحكمة الاتحادية العليا حول الهيئات المستقلة
أصدرت المحكمة الاتحادية العليا الموقرة قرارها العدد 237/اتحادية/2024 في 17/9/2024 والذي تضمن رد طلب السيد رئيس مجلس الوزراء في تفسير دور ومهام الهيئات المستقلة، ان أسباب رد الطلب كان من الناحية الشكلية، لان سبق لها الفصل في موضوع الطلب بموجب قرارات عدة أصدرتها المحكمة الاتحادية العليا حول ذلت الموضوع،
وحيث ان القارئ المختص او طالب علم القانون، مهتم بما يصدر عن المحاكم العليا والتي تمثل جهات المرجع الأعلى للطعون في الاحكام، وتعتبر الاحكام الواردة في قرارتها مبادئ يسير ويهتدي بها الجميع فضلاً عن الالزام الوارد تجاه قرارات المحكمة الاتحادية العليا بموجب الدستور،
ومن هذا المنطلق كان لابد من متابعة ما يصدر عنها من احكام، للوقوف على الاتجاهات القضائية في القضايا التي تنظرها، سواء كانت باختصاصها الدستوري في شقيه الأول النظر في الطعن بعدم دستورية القوانين والثاني اختصاصها الحصري بتفسير النصوص الدستورية وعلى وفق ما ورد الفقرتين (أولا وثانياً من المادة 093) من الدستور، او كان باختصاصاتها الأخرى باعتبارها محكمة موضوع فيما يتعلق بالاختصاصات الواردة في بقية فقرات المادة (93) أعلاه،
والجديد في الاتجاه القضائي الصادر في القرار محل القراءة ان المحكمة الموقرة ردت الطلب شكلا والسبب في الرد هو سبق الفصل في موضوع طلب التفسير، وينهض السؤال الاستفهامي هل القرار التفسيري تسري عليه قاعدة الدفع بسبق الفصل فيه؟ وللإحاطة بجوانب السؤال والاجابة عنه اعرض الاتي:
1. ماهية سبق الفصل في الدعوى: ان سبق الفصل في الدعوى يعني وجود حكم قضائي سابق فصل في نزاع بين الخصوم واكتسب درجة البنات وأصبح حجة على الكافة[1]، وعرفه فقه القانون بانه الحكم الذي تصدره المحكمة ويكون حجة فيما بين الخصوم في ذات الحق محلاً وسبباً ولا يجوز رفع دعوى جديده بموضوعه[2]،
وسبق الفصل الذي يكون حجة الحكم القضائي تجاه الكافة، لابد وان يتوفر على ثلاث شروط أساسية وعلى وفق ما اجمع عليه فقه القانون وهي (1- ان يكون حكماً قضائياً 2- ان يكون صادر من محكمة ذات ولاية قضائية 3-ان يكون قطعياً)[3]، والشرط الأول المتمثل بان يكون سبق الفصل بموجب حكم قضائي، وحيث ان الحكم القضائي هو الحكم الفاصل في نزاع بين الخصوم تنظره المحكمة المختصة، الفقه القانوني يكاد يكون قد استقر على التعريف الحكم القضائي بأنه (القرار الصادر عن محكمة في حدود ولايتها القضائية في خصومه بالشكل الذي يحدده القانون للأحكام سواء كان صادر في نهاية الخصومة أو في أثناء سيرها وسواء كان صادر في موضوع الخصومة أو في مسالة إجرائية)[4]
كما يشير احد شراح القانون إلى أن الحكم القضائي له ركنان اثنان، الركن الاول هو صدور الحكم من محكمة في حدود ولايتها القضائية، والركن الثاني ان يصدر بموجب خصومة بالشكل المقرر قانوناً للأحكام وعناصره المنطوق والأسباب[5]، والخصومة هي من اهم اركان الحكم القضائي، فاذا لم تكن هناك خصومة بين طرفين، فان ما يصدر عن المحكمة لا يعد حكماً ، وانما قد يكون قراراً اعدادياً او ولائياً، او في قضاء مستعجل، وقد يكون افتائياً، وهذه لا يسري عليها مفهوم سبق الفصل[6]
2. هل القرار التفسيري حكم قضائي: بعد توضيح شروط الامر المقضي به لسبق الفصل، ساعرض للأمر على وفق الاتي:
أ. ان من اهم تلك الشروط ان يكون حكم فاصل بنزاع بين خصمين، وبموجب دعوى أصولية، والدعوى يعرفها قانون المرافعات المدنية بانها حيث ورد تعريف الدعوى في المادة (2) من قانون المرافعات المدنية التي جاء فيها الاتي (الدعوى – طلب شخص حقه من اخر أمام القضاء)، وكان القضاء العراقي قد أشار إلى هذا التعريف في اكثر من قرار ومنها قرار محكمة التمييز الاتحادية العدد 251/ هيئة مدنية موسعة/2021 في 13/7/2021 عندما أشار إلى تعريف الدعوى،
والدعوى لها ثلاثة اركان الركن الأول المدعي والركن الثاني المدعى عليه والركن الثالث المدعى به[7]،أما الدعوى الدستورية التي تختص بها المحكمة الاتحادية بموجب اختصاصها الوارد في المادة (93/1) من الدستور ومعناها يتمحور حول دعوى دستورية القوانين ويراد بها مخاصمة القانون المخالف للدستور بدعوى أصلية يرفعها الطاعن أمام القضاء وبعد فحص القانون المطعون بدستوريته تحكم المحكمة إما الحكم بعدم الدستورية أو رد الدعوى[8]
ب. اما القرار التفسيري الصادر عن المحكمة الاتحادية العليا لم يكن بموجب دعوى بمعناها الوارد في قانون المرافعات المدنية ، او بمعنها الخاص بالدعوى الدستورية، لأنها لم تكن بموجب ورقة دعوى أصولية، وانما كانت بموجب كتاب صادر عن مكتب السيد رئيس الوزراء، ولم يكن فيها خصماً، ولم يطلب فيها طعن بعدم دستورية أي نص قانوني، لذلك لا يمكن ان يكون قراراً صادراً بموجب دعوى او انه يفصل في نزاع بين خصوم،
ج. ان القرار التفسيري هو في اصله طلب فتوى من المحكمة الاتحادية العليا تجاه نص التبس فيه الفهم على طالب التفسير، لذلك فان القرار التفسيري يركز على توضيح النصوص القانونية أو الأحكام السابقة، بينما القرار الفاصل في النزاع يهدف إلى إنهاء النزاع بشكل نهائي وتحديد حقوق اطراف النزاع (الخصوم)
الخلاصة: ان القرار التفسيري لا يكون حكماً قضائياً فاصلا في نزاع، وانما قراراً افتائياً أصدرته المحكمة بصفتها الولائية، أي انها صاحبة الاختصاص بالتفسير، وليس بصفتها محكمة تفصل في نزاع بين الخصوم، وحيث ان سبق الفصل يسري فقط على الاحكام القضائية، ومن خلال ما تقدم أرى الاتي:
أ. ان رد الطلب لسبق الفصل لا يسري على طلب التفسير، وانما للمحكمة ان تقرر ما كانت قد أصدرته من تفسير سابق، او تشير الى القرارات التي أصدرتها في تفسير ما يطلب تفسيره لاحقاً،
ب. ان التفسير كما يعرفه بعض المختصين في علم التفسير بانه العمل الذي يتولاه القضاة أثناء نظرهم الدعوى وهو التفسير الذي يتبادر إلى الأذهان إذا ما أطلق مصطلح التفسير لان عمل القاضي يتطلب بذل قصارى جهده لاستخلاص المعنى الذي أراده المشرع من النص وعادةً التفسير القضائي ليس غاية بحد ذاته وإنما وسيلة تستخدم للفصل في النزاع وتوجد أنواع أخرى من التفسير منها التفسير التشريعي والتفسير الفقهي[9] والحاجة للتفسير وتحديداً الدستوري منه ، تبرز في الدول ذات النظم الديمقراطية أو السائرة حديثاً في هذا الطريق ، ففي النظم الديمقراطية يعمل التفسير القضائي على تطوير النصوص مفهوماً ومعناً دون الحاجة لاستبدال النص بغيره فتحقيق الاستبدال ليس بالمتناول دائما،
ج. عرف البعض الآخر في الفقه الدستوري التفسير الدستوري بأنه تحديد المعنى الذي تتضمنه القواعد الدستورية حتى يمكن تطبيقها في الظروف الواقعية المستجدة والتي تختلف عن الظروف التي وضعت فيها تلك القواعد[10] ، لذلك فان المقصود بتفسير الدستور شرح النص بما يتجاوز التفسير الضيق، وذلك بهدف كشف الخلفيات الكامنة ورائه والغايات، وإزالة الغموض والإبهام واللبس، وتوضيح المقصود منه، واستخراج المعيار الذي ينطوي عليه، أي المعيار الواجب اعتماده في مواجهة وقائع محددة
وأكرر القول بان الرد الشكلي لسبق الفصل لا يرد على القرار التفسيري، مع التنويه الى ان المحكمة الموقرة وفي ثنايا قرارها قد دخلت في صلب موضوع الطلب عند استعراضها للقرارات السابقة، وانها لم تجد خلاف ما ورد فيها بمعنى انها نظرت في الطلب من الناحية الموضوعية، وهذا خلاف الأصل لان الرد الشكلي لا يمنح المحكمة أي فسحة او فرصة لمناقشة الطلب من حيث الموضوع.
سالم روضان الموسوي
قاضٍ متقاعد
الهوامش=====================
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.