هل تحوم روح الراقد حول جسده؟

هل تحوم روح الراقد حول جسده؟

بقلم / وردا إسحاق قلّو

قال يسوع  ( إرفعوا الحَجَر ! قالت له مرتا ، أخت الميّت : يا رب ، لقد أنتن ، فهذا يومهُ الرابع ) 

         حوم الروح حول جسد الميّت أو حول المكان الذي رقد فيه كالبيت أو المستشفى أو حول القبر الراقد فيه هو معتقد يهودي خاطىء . كان اليهود يعتقدون بأن الروح تحوم لمدة ثلاثة أيام  حول جثة الميّت ، وبعد ذلك ينتن الجسد ويغادر الروح ، لهذا السبب تأخر الرب يسوع من الحضور لإنقاذ صديقه لعازر رغم إستلامه رسالة الأختين مريم ومرثا لأنه أراد أن يقيمه في اليوم الرابع لكي يتحدى معتقدات يهود الخاطئة ، ويقطع كل الحجج ، ولكي لا ينتهي مرض صديقه بالموت ، إنما ليؤدي إلى تمجيد الله ، وإيمان الكثيرين بسبب قيامته ( يو 11: 4، 39 ) .

 لم يتحدث أحد من آبائنا الأوائل عن موضوع روح الميّت لأنه أمر خاطىء . كما لا توجد أي صلاة لوترجية كنسية لمثل هذه الحالة في كل المذاهب المسيحية . هناك صلاة مرفوعة لوالدة الإله ، تقول ( إحضري عندنا في ساعة موتنا أيتها الرحومة الشفوقة ، وإطردي عنا محافل الشياطين ) أي الأرواح النجسة . وفي رتبة الدفن يطلب الكاهن من الله بأن يسكن عبده المؤمن المنتقل إليه في مكان الإرتياح ، كما أسكن لعازر الفقير المجروح المطروح عند باب الغني في حضن أبينا أبراهيم الكائن في هاوية الأبرار .

   يقول القديس نيقوديموس الآثوسي في هذا الصدد ( نفوس الصديقين والخطاة ، عند فراقها الجسد ، لا تبقى على هذه الأرض ، إنما تذهب مباشرةً إلى حيث أعد الله لها . ) كما أقتبس من القديس يوحنا السينائي الذي يعلِّم ( عند إنفصال الروح عن الجسد تصعد نفوس المستحقين ، وتنزل نفوس غير المستحقين ، ولا نفس تبقى على الأرض ) ومن هذا نستنتج بأن أقوال القديسين تدحض معتقد القائلين بأن أرواح الراقدين من أبرار ٍ وخطاة تطوف على الأرض لمدة ثلاثة أيام ، أو أربعين يوماً ، حيث تزور أماكن سكناها ، فهذه الأقوال كاذبة ، بل هي ضرب من الأساطير والخرافات القديمة .

   لا بد من الإشارة هنا إلى عمل صلوات كنسية في اليوم الثالث والأربعين ، وهناك من يعمل التاسع أيضاً ، وكذلك صلاة السنة ، قد تقدم هذه الصلواة عند المقبرة ، لكن المهم هو إقامة الذبيحة الإلهية على روح الميّت . ومن الأمور الخاطئة التي يفعلها الأهل ، وضع صورة للراقد على القبر ، أو في البيت ، هذه العادة لا تفيد الميت أبداً بشىء سوى أنها تجلب المزيد من الحزن والألم والحسرة إلى الأهل ، ولا تمت هذه العادة إلى تقاليد مسيحية بِصِلة . الأهم هو تقديم صلواة من أجل الراقد من ساعة رقادهِ ، وكل يوم خلال أربعين يوماً تلي الوفاة وحتى وإن تعذر وجود الكاهن . ضرورة وجود الكاهن تقتصر قبل الوفاة لكي يقدم للمريض الذي يحتضر الأسرار المقدسة كسر الإعتراف والتناول الأخير ومسحة المرضى ، ومن ثم الصلاة لراحة نفسه قبل الدفن وبعده . يمكن وضع صليب وأيقونة في المنزل على طاولة في أحد اركان البيت لكي تصلي العائلة للميت ولمدة أربعين يوماً بعد الرقاد .

 المؤمن بالمسيح لا يهاب الموت ، ولا يفكر بروحه هل تحوم على هذه الأرض أم تغادر ، لأن عليه أن يفرح لأنه سينال الخلاص والراحة الأبدية . وكما قال الرسول ( فما من أحد من يحيا لنفسه ، وما من أحد يموت لنفسه . فإذا حيينا فللرب نحيا ، وإذا متنا فللرب نموت … والمسيح مات وعاد إلى الحياة ليكون رب الأحياء والأموات ) ” رو 14: 7-9 ” .

 موت الجسد نتيجة طبيعية لمحدودية الإنسان المخلوق من العدم ، ولأنه غير كامل . الله وحده هو الكامل والذي لا يعرف الموت والفناء . هو الذي خلق الإنسان محدوداً ، ولكن على صورته . دعاه إلى مثاله . إي دعاه لكي يتعاون عبر صورة الله المتمثلة في الإرادة الحرة الواعية ، مع خالقه لتخطي هذه المحدودية . فمن كان قريباً من الله قبل موته سيحفظ الله روحه الطاهرة في فردوس النعيم بإنتظار يوم القيامة المجيدة ، حينذاك ستقوم أجساد المؤمنين ممجده وتلحق بها أرواحهم لتسكن الديار الأبدية التي وعد بها المسيح لكل المخلصين .

التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1 “

Exit mobile version