آراء متنوعة

نكهة القهوة تُدفع قسرا إلى المتحف

نكهة القهوة تُدفع قسرا إلى المتحف
كرم نعمة
مع أن هذا المقال لن يقف في وجه أجهزة كبسولات القهوة السريعة، فإنه لا يوجد شيء بريء في كل الذي يحصل، ثمة خدعة مستمرة نتقبلها بقناعة وكأنها صحيحة.

التمتع بتحضير القهوة البيتية وارتشافها
مازالت الصورة التي تناقلتها وكالات الأنباء في بداية عام 2016 مطبوعة بذهني مع مرور كل تلك السنين عليها، كان نعش رجل الأعمال الإيطالي ريناتو بياليتي مسجى في الكنيسة للصلاة عليه، بيد أن دورق قهوة “موكا إكسبريس” المصنوع من الألمنيوم كان هو النعش! ما يجعل من يشاهد الصورة يسأل عما إذا كان الذي يصلى على جثمانه هذا الإيطالي أم قطعة الألمنيوم المثمنة؟

كانت تلك وصية بياليتي رجل ماكينة موكا للقهوة، أن يوضع رماده في داخل هذا الاختراع الناجح. غير أن ما يمكن أن نسميه التطور التكنولوجي يدفع قسرا اليوم هذا الدورق إلى رفوف المتحف وإنهاء عصر كامل من تحضير القهوة كمعادل للطعام البطيء والأخلاقي، والذي يطبخ ويقدّم ويتم الاستمتاع به بما يكفي من الوقت لتذوّق مكوّناته. وتقديم بدائل أجهزة كبسولات القهوة السريعة التي تصادر مشاعر الاحتفاء بإعداد القهوة بتأن والتمتع بتحضيرها ونكهتها معا.

ومع أن هذا المقال لن يقف في وجه أجهزة كبسولات القهوة السريعة، فإنه لا يوجد شيء بريء في كل الذي يحصل، ثمة خدعة مستمرة نتقبلها بقناعة وكأنها صحيحة.

احتفي بدورق موكا لأنه يراد له أن يموت ويتحول إلى قطعة ذكريات في المتاحف العالمية بعد نجاح تسويقي بيع منه مئات الملايين من القطع.

القصة التاريخية لهذه القطعة مثيرة أكثر من فيلم سينمائي، وعندما يتعلق الأمر بعالمنا العربي كان نجاح موكا مغاربيّا بحكم الجغرافيا والتقاليد القريبة من إيطاليا فيما بقي المشرق عربيَّ القهوة أو تركيّا ولم يرحب كثيرا بدورق الألمنيوم المثمن!

لم يكن بياليتي هو مخترع ماكينة موكا. بل إن هذا الشرف يعود إلى والده ألفونسو، الذي ابتكر في عام 1933 ماكينة صنع القهوة التي تسمح للإيطاليين بتحضير قهوة الإسبريسو في منازلهم. وكانت ماكينة موكا ذات التصميم المثمن المستوحى من فن “الآرت ديكو” مصنوعة من الألمنيوم، لأن موسوليني حظر استيراد الحديد المقاوم للصدأ لصالح الألمنيوم “المعدن الوطني”.

يصلى على موكا وليس على مكتشفها!

عرض ألفونسو بياليتي اختراعه في الأسواق المحلية، وحقق نجاحا كافيا، حيث باع حوالي 10000 ماكينة سنويا في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الثانية. لكن ريناتو كانت لديه أفكار أكبر. في عام 1946 قام بتفكيك ماكينة والده، وأعاد اختراعها بجهاز موكا إكسبريس في حملة إعلانية في الصحف والمجلات والإذاعة، إلى أن وصلت في النهاية إلى شاشة التلفزيون.

كانت هذه الحملة ناجحة بشكل مذهل. فبعد فترة وجيزة، تلقى مصنع بياليتي 1000 طلب يوميا. وبعد الانتقال إلى مصنع جديد في عام 1956، بدأت الشركة في إنتاج 18000 قطعة يوميًا، أو أربعة ملايين قطعة سنويا. وعلى مدار الستين عاما التالية، وفقًا للشركة، تم بيع أكثر من 200 مليون ماكينة قهوة دوليا.

في السنوات الأخيرة، أضافت الشركة نسخة كهربائية وأخرى من الحديد المقاوم للصدأ، بالإضافة إلى نسخة تستخدم نظام الضغط لإنتاج طبقة رغوية في الأعلى.

كذلك تحولت ماكينة موكا وهذا المشروب البيتي إلى رمز وطني في إيطاليا يتساوى في قيمته مع سيارة فيات. كما أصبحت موكا إكسبريس رمزا للحداثة الإيطالية. ويمكن العثور عليها في مجموعات متحف الفن الحديث؛ بما فيها متحف التصميم في لندن.

تصنع موكا قهوة مركزة باستخدام ضغط البخار. حيث يملأ الجزء السفلي بالماء، ثم تضاف القهوة المطحونة إلى الفلتر الموجود في وسط الدورق. ومع تسخين الماء، يدفع البخار مسحوق القهوة، ما يترك القهوة الجاهزة في الجزء العلوي.

لكن دوارق موكا التي تتمتع بمظهر تاريخي وحنين يجذب شاربي القهوة المنزلية، يراد لها اليوم أن تكون من إرث الأشخاص الذين كانوا يتمتعون بقهوتهم البيتية المحضرة بلمسة حسية وليست بتكنولوجيا باردة!

كرم نعمة
كاتب عراقي مقيم في لندن

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!