مقالات دينية

سر خيانة يهوذا مرتبط بسر الفداء

سر خيانة يهوذا مرتبط بسر الفداء

 بقلم / وردا إسحاق قلّو

سر خيانة يهوذا مرتبط بسر الفداء

( المسيح إبن الله ، ويهوذا صنيعة الشيطان … البائع والمبيع )

    المسيح يسوع جاء لكي يموت عن البشرية كلها ، لا عن أمةٍ واحدة فقط كما أعتقد قيافا بقوله ( أنتم لا تدركون شيئاً ، ولا تفطنون أنه خير لكم أن يموت  رجل واحد عن الشعب  ولا تهلك الأمة بأسرها ) ” يو 50:11″  لو أخذنا المعنى الضيّق ل ( الأمة )  التي قصدها فكان ( أمة اليهود ) فقط . لكن معناها الواسع سيشمل الإنسانية كُلها وتتطابق مع هدف مجيء المسيح لفداء البشرية . فما قاله قيافا في مجمع السنهدريم الذي يتكون من سبعون عضواً ، ( 23) منهم كهنة . و (23) كتيبة و (23) شيخاً ، وهو رئيسهم . والغاية من الإجتماع هو التخطيط لهدف إلقاء القبض على يسوع ، لكنهم لم يصلوا إلى خطةٍ دقيقة لتوقيفه في العيد لئلا يقوم الشعب بإضراب ( طالع مت 5:26 ) . لكن ظهر إنساناً لينقذهم من مأزقهم لكي وسَهَلَ لهم الأمر للقضاء على يسوع قبل العيد . إنه ( يهوذا الأسخريوطي ) أحد تلاميذ المسيح الأثني عشر وأميناً للصندوق . فما هو سر هذا الرجل ؟

   سر مجهول دفع يهوذا في تلك الأيام بأن يبيع سيده الذي أحبه وأختاره من بين التلاميذ ليكون أميناً لصندوق المال ، وسلّحه بالتعليم والمواهب ، فكان يبشر بأسمهِ ، ويعمل المعجزات ، ويخرج الشياطين في المدن والقرى . فما هي الدوافع التي حملته إلى إقتراف هذه الج#ريم*ة الإنتقامية ضد سيده ؟

   كتبَة الأناجيل أختصروا السبب بقولهم ، الشيطان دخل فيه ( طالع يو 27:13 ) . فعلاً بعد أن تناول اللقمة مع السيد في العشاء الأخير أسحوذ الشر على قلبهِ ، لكن خطته وإتفاقه مع الأعداء قد سبقت فترة تناول الفصح مع التلاميذ . كان الإتفاق بينه وبين قادة اليهود بأن يبيعه لهم بثمن زهيد جداً ، وهو ثلاثين قطعة من الفضة ، وهو ثمن لشراء عبد . والمسيح فعلاً صار عبداً لأجل خلاصنا .

   هل كان حب يهوذا للمال هو السبب ؟ علماً بأنه كان يسرق ما يريد من الصندوق الذي كان أميناً عليه . وكما تؤكد الآية ( كان لصاً ، فيختلس ما كان يوضع في الصندوق ) ” يو 6:12 ” وهل كان محتاجاً إلى هذا المبلغ ليبع معلمه ؟ فبدل من إقتراف هذه الج#ريم*ة كان يستطيع الهروب بكل ما يحتويه الصندوق ، أو بوسعه أن يقتني المبلغ بعمل آخر ، إن كان السبب فعلاً حبه للمال ، وهناك ما يؤكد سبب الخيانة لأستيائه من المرأة الخاطئة التائبة التي دافع عنها الرب عندما كسرت قارورة الطيب الغالية الثمن في بيت سمعان الأبرص ، والتي كانت تبلل اقدام المسيح بدموعها وتمسحها بشعر رأسها ، وطهّرَت جسده قبل الموت بعطرها ( مت 6:26 ) فقد يكون توبيخ يسوع للمعارضين قد أثار حفيظة يهوذا الذي كان واحجاً منهم فأنتقم .

  حاول الكثير من المفسرين أن يجدوا عذراً مُقنِعاً لتلك الصفقة الدنيئة ، فهناك من يقول ، أنه باعه بعد أن تأكد بأن يسوع لم يحرر شعبه اليهودي من الأستعمار الروماني ، ولم يعيد الحكم لأسرائيل كما كان في عهد داود الملك . وهناك أيضاً من يفسر ويقول بأن يهوذا فقد إيمانه الذي تبخرَ فجأةً وخاصةً في الأيام الأخيرة التي تنبأ بها المسيح بخبر تدميرهيكل أورشليم .

وكذلك هبطت أحلامه بسبب كثرة كلام المسيح عن آلامه وصلبه وموته الغريب ففقد الأمل ، لهذا قرر القفز إلى جانب الخصم لكي ينقذ نفسه من إنتقامهم من تلاميذه أيضاً ، فدفعه الجُبنُ إلى الجحود مع إقتراف ج#ريم*ة تسليمه للأعداء بنفسهِ .

   كما يفسر البعض سبب خيانته ، بأنه كان متيقناً من أن المسيح مقتدر بأن ينقذ نفسه من سيطرتهم بسهولة وكما كان يفعل دائماً . وحتى وإن ق*ت*لوه أيضاً سينهض ذلك الذي أحيا لعازر المنتن ويقف مرةً أخرى أمام أعدائه ويثبت لهم أنه ( المسيّا المنتظر ) إبن الله . وبهذا يفسر عمله بأنه لم يكن عملاً خيانياً ، بل خطأ في التقدير الذي لم يخلو من الغباء ، فخيانته لم تكن نتيجة إنتقام ، أو حماقة ، أو جشع . ولهذه الأسباب أيضاً عندما سمع بالحكم على يسوع بالموت ، شعر بحجم جريمته وخيانته فذهب وأعترف بذنبه وأعاد قطع الفضة . ورغم ذلك لم يشعر بالسلام الداخلي ، بل أفكاره وضميره دفعته إلى الإنتقام من نفسه فذهب وشنق نفسه في الأرض التي صارت مقبرة للغرباء والتي تم شرائها بتلك القط من الفضة ، ليصبح هو أول غريب الذي مات على تلك الأرض . وتلك الأرض هي ملكنا نحن المسيحيين والتي دفع الرب سعرها بدمه الغالي ليصبح الذين كانوا غرباء عن اليهود هم أصحاب الأرض ، بل أصحاب الكرم الذي نزع من اليهود وسُلّمَ إلى الأمميين . و كبرت مساحة ذلك الحقل ليشمل ثلثي مساحة العالم .

   المسيح أحب الأسخريوطي فأختاره تلميذاً له ، وسَلّمهُ أثمن ما لديه وهو البشارة بملكوت الله ، كان يعرف أنه سارق قبل أن يسلمه الصندوق ، ويعرف أيضاً أنه هو الذي سيسلمهُ ، لكنه لم يتدخل بحريته وقراره ، بل قال له بعد أن أراد فعلاً مغادرة جلسة يوم خميس الأسرار ، أسرع في ما تريد أن تعمله . أحبه المسيح فأشركه مع التلاميذ في تقديم الخبز والخمر له ، وآخر ما قاله له في بستان الزيتون أثناء تسليمه لليهود بقبلة الخيانة ( يا صاحبي ) .

   وأخيراً نقول بأن سر يهوذا كان حقاً مرتبط إرتباطاً وثيقاً بسر الفداء ! وسيبقى سراً لنا نحن الضعفاء ، والأحداث التي نقرأها في الأنجيل وعبر التاريخ لا تلقي ضوءاً كافياً على هذا السر . باع الأسخريوطي يسوع كما بيع يوسف من قبل أخوته مقابل ( 20 ) قطعة من الفضة إلى الأسماعيليين . فصار يوسف سبب إنقاذهم من الجوع . فقصة يوسف هي نبوءة لبيع المسيح ،  لهذا نقول ، ينبغي وجود خائن ليبيع السيد إلى الغرباء لكي يدفع فدية الخطيئة على الصليب فيخلص العالم بدمه المُراق على الخشبة .  

التوقع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1 “

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!